8 سنوات منذ أن فقد تنظيم “داعش” السيطرة على منطقة جرف الصخر في شمال محافظة بابل بالعراق، ظلت المنطقة تحت سيطرة الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران. وقد أدى استمرار وجودهم إلى منع النازحين من العودة إلى ديارهم، مع تبرير المليشيات لأفعالها بناءً على مخاوف من وجود ألغام أرضية في المنطقة.
منطقة جرف الصخر تتمتع بقيمة استراتيجية كبيرة لأنها تعمل كنقطة ربط لمحافظات متعددة في العراق، تقع على بعد حوالي 60 كيلومترا جنوب غرب بغداد. تشترك في حدودها مع بابل من الجنوب والأنبار من الغرب عبر عامرية الفلوجة، وتمتد من كربلاء والنجف وصولا إلى ميناء عرعر بين العراق والمملكة العربية السعودية. علاوة على ذلك، احتوت العديد من قراها سابقا على منشآت عسكرية مرتبطة بالصناعة العسكرية قبل عام 2003، وهي تضم حاليا العديد من القرى الزراعية التي تكثر فيها الثروة الحيوانية.
حتى هذه اللحظة، فرضت ميليشيا “سرايا طلائع الخراساني” إغلاقا عسكريا كاملا على المنطقة. كما حولت هذه الميليشيا المنطقة إلى مقار لها ومستودعات ذخيرة وسجون كبيرة، مستغلة المنشآت الصناعية العسكرية السابقة الموجودة هناك. ومع ذلك، يبدو أن هناك مشروعا أوسع يلعب دورا يتجاوز هذه الإجراءات، فما هو وما دور إيران بذلك.
“سرايا الخراساني”.. نشأة مشبوهة
“سرايا طليعة الخراساني”، هي جماعة مسلحة مدعومة من إيران، جذبت الانتباه مؤخرا لجهودها في السيطرة على حدود العراق مع المملكة العربية السعودية. تشتهر الجماعة بعلاقاتها مع “الحرس الثوري” الإيراني، وتدخلها في الشؤون الداخلية للعراق، بما في ذلك محاربة “داعش”.
“سرايا طليعة الخراساني” أو الاختصار المعروف لها “سرايا الخراساني” هي جماعة مسلحة شيعية عراقية تأسست عام 1995 كانت مرتبطة بشكل غير مباشر بإيران. تشترك في نفس شعار وعقيدة “الحرس الثوري” الإيراني، وقُدّر عدد منتسبيها عام 2015 بأكثر من 3000 عضو، وتعتبر حاليا جزءا من قوات “الحشد الشعبي” العراقي. والفصيل تابع لولاية الفقيه وقائدها وأمينها العام علي الياسري.
“سرايا الخراساني” هي الفرع العسكري لحزب “طليعة الخراساني” وشاركت في انتخابات عام 2004 بعد اعتراف المفوضية العليا للانتخابات بها. تقول الجماعة أن اسمها مشتق من “أبي مسلم الخراساني”، إلا أن النخبة المتحكمة فيها تخفي السّر وبحسب مصادر خاصة، فإن “سرايا الخراساني” تعود تسميتها للجماعة الموعودة التي وردت في نبوءات آخر الزمان الشيعية. فطبقا للمعتقدات الشيعية، فإن الخراساني هو زعيم الرايات السوداء القادمة من خراسان، الذي سيخرج منتصرا للمهدي الموعود، الإمام الثاني عشر للشيعة الإمامية الاثني عشرية.
محمد حميد تقوي، وهو جنرال في “الحرس الثوري” الإيراني، أسس “سرايا الخراساني”، وقتل فيما بعد في معارك تكريت. وبحسب ما تحدث به القيادي في الميليشيا “سيد بهاء الخرساني”، لـ”الحل نت”، فإن التنظيم عارض نظام صدام حسين وشكل مجموعات مسلحة تستهدف نظام البعث في المحافظات الجنوبية وتحديدا في هور الجبايش والناصرية.
ولكن بعد قبضة صدام حسين المحكمة في المنطقة ومحاربته الشرسة لمعارضيه الشيعة انتقلت المجموعة إلى إيران. وفي عام 2013، أعلنت “سرايا الخراساني” عن عودتها واتخاذها من مدينة أربيل مقرا رئيسيا لها، إلا أن ذلك ليس صحيحا بحسب معلومات سيد بهاء، حيث مكتبها الرئيسي في النجف، ولها فروع في كربلاء وواسط والبصرة.
النشاط العسكري بعد ظهور “داعش”
“سرايا الخراساني” بدأت بنموها العسكري وانخراطها في “الحشد الشعبي” الذي أعطى لها شرعية، في عام 2014، حيث بدأت باستقطاب بشكل أساسي عناصر عراقيين تربطهم علاقات وثيقة بإيران. هدفهم المعلن هو الدفاع عن الأماكن المقدسة الشيعية في العراق، لكن أفعالهم تشير إلى هدف أوسع لتعزيز المصالح الإيرانية في المنطقة.
كانت “سرايا طليعة الخراساني” نشطة في محاربة “داعش”، لكن تكتيكاتها وأيديولوجيتها تقول عكس ذلك، حيث اتُهمت الجماعة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك استهداف المدنيين والأقليات الدينية. كما تمّ اتهامهم بالعمل خارج سيطرة الحكومة العراقية وتقويض استقرار البلاد.
“سرايا الخراساني” بحسب حديث سيد بهاء هي ممولة بالكامل من إيران، بما في ذلك الرواتب والأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وتغض الحكومة العراقية الطرف عن هذا الدعم، فمتوسط رواتب العاملين ضمن السرايا البالغ عددهم الآن 9 آلاف مقاتل، حوالي 350 دولار شهريا.
ليس ذلك فحسب، بل إن عدد مقاتلي “سرايا الخراساني” يبلغ في سوريا ما يقرب من 1500 عنصر. وتنتشر في مناطق عدة من دمشق وضواحيها، مثل ضاحية حرستا ودوما وباب توما، إلى جانب مقار كبيرة في السيدة زينب، وفي أحياء الجزماتي والراشدين وبستان القصر والراشدين بمدينة حلب.
وفقا لما أفاد به سيد بهاء لـ”الحل نت”، فإن “الحرس الثوري” الإيراني، عزز دور “سرايا طليعة الخراساني” في سوريا وخصوصا في محافظة الحسكة، واستخدمها كأداة ضد قواعد “التحالف الدولي” عند الحاجة.
وكان قرار توسيع دورها، في صيف 2021، وإنشاء أول مقر لها في مدينة الحسكة، بهدف جعل هذه الميليشيات رأس حربة في مواجهة القوات الأميركية في سوريا، خاصة بعد الانتكاسات التي شهدتها في العراق، بما في ذلك مقتل العديد من قادتها.
أول مقرات “سرايا الخراساني” أُنشئت في الحسكة وانضم إليها عدد من قيادات “الدفاع الوطني” السوري الفصيل الرديف للجيش السوري، ومنهم عبد القادر حمو والذي يلقب نفسه بـ “السيد أبو أحمد الحسيني”.
“سرايا الخراساني” تشتهر باستخدامها للطائرات المسيرة التي استُخدمت لاستهداف القواعد الأميركية في العراق والمنطقة الخضراء في وسط بغداد. وقد اتهمت الجماعة بالمسؤولية عن هذه الهجمات في السنوات الأخيرة.
بشكل سري يعود ظهور “سرايا الخراساني” في سوريا إلى عام 2013، حينما أظهرت أحد الفيديوهات تورط هذا التنظيم بمجزرة الحسينية التي قامت بها بتاريخ 22 آب/أغسطس 2013، إذ نُشر في هذا التاريخ أن “سرايا طليعة الخراساني تحرر منطقة الحسينية قرب السيدة زينب في ريف دمشق”، وهو “يوم وقوع المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من مئة معظمهم من الأطفال والنساء”.
تأكيد المؤكد.. أبرز قادة “سرايا الخراساني”
خلال حوار “الحل نت” مع سيد بهاء، فإن المعلومات المتداولة في المصادر المفتوحة هي مؤكدة، فأبرز قادتها علي الياسري، وهو علي مهدي علي عباس الياسري من أهالي مدينة الناصرية، هرب من العراق إلى إيران في التسعينات بعد أحداث الأعمال الانقلابية ضد صدام حسين، وكان الياسري من ضمن المشاركين فيها وانضم إلى صفوف التشكيلات والأحزاب العراقية الشيعية.
أما القيادي الثاني فهو، حامد الجزائري، وهو نائب القائد العام لـ “سرايا الخراساني”، وقائد اللواء الثامن مهمات خاصة وهو أحد أهم التشكيلات التابعة للفصيل، ويعتبر المشرف العام على عمل الفصيل في العراق.
القيادي نور الياسري يأتي في المرتبة الثالثة، حيث يقود الفوج 3 صواريخ في “سرايا الخراساني” وقائد عملياتها في قضاء بلد، شارك في القتال في سوريا ومن ثم رجع إلى العراق ليقود مجاميع السرايا في معارك جنوب سامراء، لديه خبرة في مجال إطلاق الصواريخ اكتسبها من معسكرات التدريب في إيران والقتال السوري.
في المرتبة نفسها، يحتل أبو حسن الإبراهيمي، ويطلق عليه لقب الحاج أبو الحسن، يقود اللواء 18 في “سرايا الخراساني” أحد قادة فرق الموت شارك في الحرب الطائفية في 2006 و2007 ببغداد ومناطق جنوب بغداد، خرج إلى إيران للتدريب ثم انتقل للقتال في سوريا ثم رجع إلى العراق في 2014، وشارك في معارك آمرلي والعظيم، عُيّن حاليا قائدا لعمليات “سرايا الخراساني” وأصبح القائد العسكري بعد مقتل محمد حميد تقوي.
الاختفاء عن الأعين
بعد عام 2017، طلبت إيران بشكل خاص من قائد “سرايا الخراساني”، علي الياسري، الاختفاء عن الأعين وإيقاف جميع وسائل إعلام الفصيل، وذلك بحسب السيد بهاء من أجل المشروع التوسعي الذي يحضره “الحرس الثوري” الإيراني، للسرايا، وهو ما بدا جليا على صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي كصفحتهم على موقعي “فيسبوك” و”تويتر“.
واستكمالا لذلك، أوعزت طهران وفقا لحديث سيد بهاء، لـ”الحشد الشعبي” باعتقال علي الياسري، مع 30 عنصرا وأيضا حامد الجزائري، وإعلان أن الفصيل قد تفكك، وذلك بعد توتر العلاقات بين السعودية وإيران.
هذا الإجراء كان من أجل بدء مرحلة جديدة في عمل “سرايا الخراساني”، حيث تم الإفراج عنه وانتقل إلى إيران ليجري اجتماعا مع قادة “الحرس الثوري” للمرحلة الجديدة، وحاليا لا يزال يتردد بشكل دوري لهناك، حيث أجرت معه وكالة “مهر” الإيرانية لقاءً مصورا في يناير/كانون الثاني 2023.
المشروع الأكبر.. جبهة سرية على الحدود السعودية
وفق المعلومات السرية التي حصل عليها “الحل نت” من سيد بهاء، فإن المشروع الذي كُلّفت به “سرايا الخراساني” هو السيطرة على منطقة جرف الصخر، ثم الامتداد إلى الحدود العراقية – السعودية، حيث عملت السرايا على إنشاء مقرات لها على طول الطريق الممتد إلى جديدة عرعر.
“سرايا الخراساني” وطبقا للمعلومات الخاصة، بدأت المشروع وبشكل سري منذ عام 2020، إلى أن اكتمل مؤخرا في مارس/آذار 2023، حيث أنشأت مخططا جيوبوليتيكا بامتداد 370 كم، يمتد من جرف الصخر إلى كربلاء، فالخضير، ثم الطليحة فالخيب، ثم الرتاوي وصولا إلى جديدة عرعر على الحدود العراقية – السعودية.
بهذا الخط الجغرافي، تكون “سرايا الخراساني” أطبقت سيطرتها على أهم الطرق المؤدية إلى السعودية من بغداد، وبذلك تكون إيران عبر “سرايا الخراساني” استخدمت الجغرافيا كمصدر قوة للتعبير عن مواقفها السياسية في المنطقة وخصوصا مع السعودية التي تسعى إلى إعادة العراق إلى محيطها العربي.
تصرفات المجموعة تُعد جزءا من نمط أوسع للتدخل الإيراني في شؤون العراق. لطالما سعت إيران إلى زيادة نفوذها في العراق، و”سرايا طليعة الخراساني” هي مجرد واحدة من العديد من الميليشيات العاملة في البلاد والتي لها علاقات مع إيران. وحاليا تعتبر أنشطة المجموعة أيضا جزءا من صراع إقليمي أوسع على السلطة بين إيران والمملكة العربية السعودية.
ماذا بعد؟
جهود “سرايا الخراساني” ومن خلفها إيران للسيطرة على حدود العراق مع المملكة العربية السعودية بحسب مستشار السياسات الدولية، عبد المجيد النوايسة، تثير المزيد من المخاوف. المنطقة الحدودية موقع استراتيجي، والسيطرة عليها ستمنح الجماعة وإيران نفوذا أكبر في المنطقة. كما سيسمح لهم بزيادة عمليات التهريب التي تشمل أسلحة وممنوعات أخرى.
طبقا لحديث النوايسة لـ”الحل نت”، فإن فكرة استخدام “سرايا طليعة الخراساني” للسيطرة على حدود العراق مع السعودية هي فكرة معقّدة وتتطلب دراسة متأنية. في حين أن المجموعة لديها خبرة في محاربة تنظيم “داعش” وأثبتت فعاليتها في بعض العمليات العسكرية، إلا أن هناك مخاوف بشأن علاقاتها بإيران وما إذا كانت ستتمكن من التصرف بشكل مستقل عن النفوذ الإيراني.
الوضع في العراق تبعا لما أوضحه النوايسة فهو معقد ولا توجد حلول سهلة. لكن من الواضح أن أنشطة مجموعات مثل “سرايا طليعة الخراساني” تشكل تهديدا لاستقرار العراق وسيادته. ولذا يجب على المجتمع الدولي العمل معا لدعم جهود العراق للحفاظ على السيطرة على حدوده وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
أيضا يُعد أمن الحدود قضية حاسمة، ويتطلب مجموعة من الأدوات والاستراتيجيات، بما في ذلك جمع المعلومات الاستخباراتية والتكنولوجيا وموظفي أمن الحدود المدربين تدريبا جيدا؛ لذا يجب على الأطراف المعنية بجغرافية المنطقة الاطلاع على المشروع وتشكيل خلية لدراسة أثاره وأهدافه وكيفية التصدي له.
جهود “سرايا طليعة الخراساني” للسيطرة على حدود العراق مع المملكة العربية السعودية هي جزء من نمط أوسع للتدخل الإيراني في شؤون العراق. إن أفعال المجموعة تهدد استقرار العراق وسيادته ويجب أن يتصدى لها المجتمع الدولي. من الضروري دعم جهود العراق للحفاظ على السيطرة على حدوده وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
أي قرار بنشر “سرايا طليعة الخراساني” أو أي مجموعة ميليشيا أخرى تتبع لإيران للسيطرة على حدود العراق مع المملكة العربية السعودية يجب أن يتم تقييمه بعناية والنظر فيه في ضوء جميع العوامل ذات الصلة، بما في ذلك المخاطر المحتملة.
- المعارضة تدخل مدينة حماة.. والجيش السوري يؤكد خوض معارك في الريف الشمالي
- مستشار خامنئي: لم نتوقع أن تقع تركيا في “فخ” أميركا وإسرائيل
- فصائل المعارضة على تخوم مدينة حماة.. والجيش السوري يحصّن مواقعه
- وسط المعارك المستمرة.. روسيا قد تقوم بإخلاء سفنها البحرية من ميناء طرطوس
- سخرية واسعة من تصريحات مسؤولين سوريين حول معركة حلب
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.