بعد تصدره كحركة مقاومة من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية ودوره المتصور كمدافع عن سيادة لبنان، بدأ حزب الله اللبناني بفقدان شعبيته مؤخرا وخاصة بين المجتمع الشيعي الذي يعد الحاضنة الأكبر له، إذ بات الكثير منهم يشكك في أجندة الحزب الحقيقية وخاصة بعد احتجاجات 2019، وجهود “الحزب” الكبيرة في حماية المؤسسات الفاسدة ومواجهة المتظاهرين بالعنف وقوة السلاح. فما شكله “الحزب” في يوم من الأيام على أساس قوته بدأ يضعف اليوم.

الضعف الحالي لـ”حزب الله” يشكل فرصة استراتيجية لتغير توازن القوى في لبنان، وتعزيز التنوع السياسي الفعلي داخل المجتمع الشيعي، وتقليص النفوذ الإيراني أيضا، الذي لطالما ازداد قوة في المنطقة منذ 40 عاما، فعلى الرغم من تفاخر النظام الإيراني بسيطرته على أربعة عواصم في المنطقة من ضمنها لبنان، إلا أن بلدان هذه العواصم “سوريا العراق اليمن” قد انهارت سياسيا واقتصاديا، وخلال هذه المدة لم تبذل طهران ووكلائها أي جهد حقيقي لمواجهة هذه الانهيارات.

“حزب الله” يعد الذراع اليمنى لإيران في لبنان، ونظرا لعدم وجود سياسة مستدامة لمعارضة سياسية طهران وانتهاكاتها في البلد، سقطت مؤسسات الدولة سريعا بيد إيران، حيث يتمتع “الحزب” اليوم بسيطرة كبيرة على المؤسسات اللبنانية لمجرد عدم وجود منافسين له إلى جانب الفوضى السياسية الحالية التي يعيشها البلد في ظل الفراغ الرئاسي، وبالتالي لا يتم محاسبته على تجاوزاته وجرائمه.

هناك تقارب بين السياسة التي يتبعها “حزب الله”، مع السياسية التي اتبعها تنظيم “داعش” المتطرف خلال سيطرته على مناطق في سوريا والعراق، إذ يمتلك كلاهما أيديولوجيات وتكتيكات وأهداف متشابهة إلى حد كبير، فبينما سعى التنظيم إلى إقامة خلافة وفرض تفسيره المتطرف للإسلام، أعرب “حزب الله” عن رغبته في إنشاء كيان مماثل، علاوة على ذلك، شارك “الحزب” في النظام السياسي اللبناني وتم الاعتراف به كلاعب سياسي، بينما يرى قسم آخر بوجود تقارب وتشابه كبير بين “الحزب” و”هيئة تحرير الشام” أي “جبهة النصرة” سابقا.

نقاط اختلاف وتقارب

التلاقي بين “حزب الله” وتنظيم “داعش” هو أن “الحزب” يحاول أن يقول إنه يحارب “داعش” لأنه يحارب التطرف الراديكالي والتطرف العنيف، هو يحاول أن يصور نفسه هكذا، بينما “الحزب” هو حزب متطرف راديكالي إسلامي عنيف أيضا، بحسب حديث المحلل السياسي جاد يتيم لـ”الحل نت”. حيث يشبه يتيم أكثر مسار “حزب الله” بالمسار الذي تتبعه “تحرير الشام”، فمن وجهة نظره “الحزب” لا يسعى إلى إنشاء دولة خلافة لأنه لدى الشيعة لا توجد دولة خلافة.

الخلاف الثاني بين التنظيمين هو أنه عند “الحزب” وعند الشيعة تحديدا لا يوجد تكفير، فهدر الدم والتكفير يصدر بفتاوة محددة، ومثال ذلك فتوة صدرت بحق سلمان رشدي “الكاتب والروائي الذي أهدر الخميني دمه” وفتوة أخرى صدرت بحق صحفي لبناني معارض لـ”حزب الله” مصطفى جحا حيث تم اغتياله بعد الحرب الأهلية مباشرة 1992، حيث كان جحا معارض لـ”الحزب” وله مؤلفات عدة في هذا المجال.

قد يهمك: حقبة جديدة.. “حزب الله” يأخذ دور “الحرس الثوري” الإيراني في سوريا؟

“حزب الله” لم يبدأ كحركة ثورية إذ بدأ نشاطه كجزأ من أذرع تصدير “الثورة الإسلامية” الإيرانية التي أعلن عنها الخميني ولم ينجح في تطبيقها إلا في لبنان عبر إرسال “الحرس الثوري” إلى بعلبك شرقي لبنان، وتدريب عناصر شيعية هي “حزب الله” وذلك بمساعدة وفتح الطريق واحتضان مراكز التدريب من قبل الحكومة السورية آنذاك بقيادة حافظ الأسد الذي كان حينها في حلف مع إيران ضد العراق وضد بقية الأنظمة العربية، وفق يتيم.

بالتالي “حزب الله” هو مشروع تصدير الثورة الإيرانية وكان الهدف تأمين دور أكبر للمسلمين الشيعة في لبنان، حيث قام “الحزب” بجلب التدخل الإيراني وعمل أيضا على تعميق وجود الجيش السوري في لبنان، ليخالف بذلك روايته وما يعتبره تدخلا أجنبيا في الشؤون اللبنانية.

“الحزب”، يتحرك بحسب المصالح الإيرانية، فقد تورط “الحزب” في الحرب السورية إلى جانب الحكومة السورية، كما شارك بالحرب في اليمن إلى جانب “الحوثيين”، وذهب إلى العراق وكان جزأ من قيادة “الحشد الشعبي”، حيث يرى يتيم، بأن “الحزب ليس له طموحات إقليمية، هو ذراع إيران العسكري في إثارة البلبلة بالمنطقة العربية فقط، ودلل على ذلك في خطاب شهير لحسن نصر الله، قال فيه أنا جندي في جيش الولي الفقيه”.

لماذا يريد “الحزب” حكم لبنان؟

” حزب الله” لم ينتقل لصناعة الدولة، “الحزب” أنشأ دولة موازية وحاول السيطرة على الدولة اللبنانية، ويستذكر يتيم هنا بأن “الحزب في البداية لم يعترف بالكيان اللبناني، وكان اسمه المقاومة الإسلامية في لبنان، وكان جزأ منهم يعتبر بأن الدخول إلى المجلس النيابي هو عمل محرم لأن هذه الدولة كافرة، لكن بعد ذلك دخلوا إلى المجلس النيابي، واضطروا للدخول إلى الحكومة والسلطة التنفيذية بعد اغتيال الحرير في 2005”.

“الحزب” نشأ في الثمانينات كحركة اسمها “المستضعفين في الأرض”، الدور الأساسي لها والذي طالما نفاه “الحزب”، هو ملاحقة صحافيين غربيين في لبنان، إذ يتم قتلهم أحيانا وأحيانا أخرى يتم خطفهم، لكي تتدخل الحكومة السورية وتكون هي الوسيط للإفراج عن المختطف في دمشق، إلى جانب ذلك التفجيرات الكثيرة ومنها تفجير مقر المارينز الأميركي في بيروت، ومقر القوات الفرنسية، والسفارة الأميركية في لبنان.

“حزب الله” تطور بعد دخوله في الحياة النيابية، فـ”الحزب” خلال مسيرته في التسعينات كان يرفض إعطاء الثقة لأي حكومة ولا يدخل في السلطة التنفيذية، كان هناك ثنائية شيعية ممثلة بـ”حركة أمل” ونبيه بري المسؤول عن توظيف الشيعة وإدخالهم في مؤسسات الدولة والإدارة اللبنانية.

بعد اغتيال الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان، كان دخول إيران و”حزب الله” في لبنان مضبوط من قبل الحكومة السورية، ولكن بعد 2005 أصبحت إيران أقوى من الحكومة السورية وأصبحت ليست بحاجة لها، وأصبح “الحزب” مجبرا ليدافع عن نفسه، بعدما انحسر نفوذ الحكومة السورية التي كانت تضع الحزب في دور مقدس، والمتهمة بالقضاء على تعدد المقاومة اللبنانية الذي كان يقوده اليسار اللبناني.

أجهزة الأمن السورية قامت بالاشتراك مع “حزب الله” باغتيال العديد من قادة اليسار اللبناني حتى يتم حصر بندقية المقاومة بـ”الحزب” فقط، لأنه هكذا يسهل التحكم وتحويل الجنوب والمقاومة ولبنان إلى ورقة بيد حكومة دمشق، حيث يأتي التفاوض، وقد بدا ذلك واضحا في مؤتمر “مدريد للسلام” في 1998 حيث تخلى لبنان عن الوفد التفاوضي وأطلق شعار “وحدة المسار والمصير” وأصبحت حكومة دمشق هي من تخوض التفاوض حسب رغباتها.

حزب الله” ذراع إيران

“حزب الله” تورط بالصراعات كما تريد إيران، فهو منفذ وذراع أمني وعسكري لطهران، وقد يكون الذراع الأكثر تنظيما وتدريبا والذي صرف عليه مبالغ كبيرة، وفق حديث المحلل السياسي جاد يتيم، والذي يرى بأن “الحزب” كان يتخذ من المقاومة وسيلة من وسائل السيطرة وبناء الشرعية، لأن معظم الأنظمة الديكتاتورية والحركات الإسلامية تعتبر فلسطين هي جزأ من بناء شرعيتها وهذا ما يفعله “حزب الله”، ويؤكد يتيم بأن “الحزب” بعد حرب تموز/يوليو 2006 والقرار 1701 أصبح سلاحه خارج المعادلة يهدد فيه فقط، دون أن تخرج طلقة واحدة منه تجاه أي طرف.

بالتالي رغبة “حزب الله” بالسيطرة على الحكم في لبنان، من وجهة نظر يتيم، تأتي من مبدأ حماية نفسه مباشرة وخصوصا بعد إعلان قاسم سليماني في وقت سابق، بأن أربع عواصم عربية “بيروت دمشق بغداد صنعاء” تقع تحت سيطرة إيران، إذ إن هذه العواصم بدأت تتهاوى خصوصا في 2019 عند قيام الأحداث في لبنان وأيضا في العراق وأيضا التدخل العربي في اليمن والنزاعات الإيرانية الروسية في دمشق، إذا لا يمكن لـ”الحزب” أن يفرض سيطرة كاملة على لبنان، حيث يقول يتيم إنه “وفقا للتاريخ اللبناني،  في لبنان لا يمكن لفريق أو طائفة مهما بلغ حجم قوتها العسكرية وتجربة بشير الجميل مع الموارنة ماثلة أمامنا”، وفق تعبيره.

اقرأ أيضا: ما علاقة “حزب الله” بالدفاع الجوي الإيراني في سوريا؟

يتيم يؤكد مرة أخرى، على أوجه الشبه بين “داعش” و”حزب الله” بأنهما يمثلان الراديكالية الإسلامية والتطرف العنيف الذي يستخدم العنف والإقصاء الجسدي كوسيلة لتحقيق الأهداف، كلاهما راديكاليين وكلاهما يسعون إلى فرض الشريعة الإسلامية في الحكم، و”داعش” والحزب يسعيان إلى فرض دولة الأولى إسلامية والثانية تدور في الفلك الشيعي على النموذج الإيراني تطبق ما يأمر به الولي الفقيه من دون أن تكفر ومن دون أن تقيم “دولة الخلافة”.

لم يكن “حزب الله” ليكون بدون إيران وحاليا التزامه الشديد بالأجندة الإيرانية وعدم انفصاله عنها، أثر عليه بشكل كبير، حيث فقد “الحزب” شعبيته العربية، والتي كانت طاغية عند سُنة العرب، التي يدغدغ مشاعرها قتال إسرائيل وتحرير القدس، هذا الأمر كشف الوجه الحقيقي لـ”الحزب” بأنه مجرد أداة بيد إيران وليس له إي أدوار وطنية، وكما أكد زعيم “الحزب” في أكثر من مناسبة بأن ولائهم هو لإيران.

كل ذلك أدى بـ”الحزب” إلى ما يعانيه اليوم من وجوده ضمن لوائح الإرهاب بالنسبة للغرب ولبعض دول أوروبا، إلى جانب العقوبات المالية المفروضة عليه، تحول “الحزب” إلى تنظيم  أشد خطرا من المافيات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات