مصطلح ارتفاع الأسعار أصبح بمثابة متلازمة ترافق السوريين في الداخل، فلا يكاد اليوم يمرّ حتى يعيشون غلاء جديدا. فتارة يكون بارتفاع أسعار السلع الغذائية وتارة أخرى الملابس وأجور المواصلات والحياة المعيشية ككل، واليوم طال الغلاء أسعار قطع غيار السيارات، حيث ارتفعت نحو 60 بالمئة.

هذا الغلاء يجعل امتلاك المواطن لسيارة حلما شبه مستحيل، إذ كان يعمل طوال حياته حتى يمتلك سيارة بسيطة، ولكن اليوم وبعد ارتفاع معدلات التضخم في البلاد وتراجع مستوى الرواتب والأجور وارتفاع تكلفة تصليح السيارات، وسط شحّ المحروقات بات حلما بعيد المنال، كما أن مهنة “الميكانيسيان” لا تخضع لرقابة المؤسسات الحكومية في سوريا، وبالتالي فإن هذا يخلق حالة من الفوضى وارتفاع الأسعار في كراجات تصليح السيارات أو ما يسمى بـ “سوق الصناعة”، الأمر الذي يجعل من السيارة عبئا كبيرا على عاتق معظم مالكيها وخاصة وأن معظم السيارات بسوريا من الموديلات القديمة.

تصليح بخمس أضعاف راتب الموظف!

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، نُشر يوم أمس الاثنين، يشير إلى أن قطع غيار السيارات لم  تسلم من ارتفاع الأسعار بل أصبحت مرهقة للسائق إذ باتت السيارة تحتاج إلى تخصيص ميزانية خاصة لإجراء الصيانة وتبديل ما هو تالف. هذا وسجلت قطع غيار السيارات خلال الفترة الماضية ارتفاعا وصل إلى 60 بالمئة وفقا لما أكده أصحاب محال صيانة السيارات لذات الموقع.

بعض أصحاب محال بيع قطع غيار السيارات قالوا، إن “القطع شبه مفقودة وتستلزم وقت حتى تصل إلى دمشق إذا طلبها الزبون توصاية؛ أما إذا قرر صاحب السيارة تركيب قطعة مستعملة؛ فتكون بنصف عمر وأقل سعر”.

فيما أضاف آخر يعمل في مجال صيانة السيارات في إحدى ورشات الإصلاح والميكانيك أن “القطع غير متوفرة بسبب ارتفاع أسعار الشحن والدولار وزيادة الطلب، فكل ذلك ساهم في رفع أسعارها، وأيضا طلب قطع محددة من التجار يجعلهم يتحكمون في السعر بحجة عدم توفّرها، أو الوقت الذي تستغرقه، وإمكانية تأمينها”.

أحد المواطنين يمتلك سيارة من نوع “هونداي سانتافيه” موديل 2007، يتحدث للموقع المحلي بأن سيارته تتعطل بشكل دائم نظرا لحالة الطرق السيئة والحفر الموجودة، إضافة لموضوع الوقود السيئ للغاية الذي يتسبب بأعطال دورية، حيث يقوم دوما بتنظيف “البخاخات” التي تتعطل أيضا بسبب الوقود.

هذا ويبدو أن إصلاح السيارات بات يشكّل معاناة مستمرة يواجهها المواطنون مع ارتفاع أجور الإصلاح واختلافها بين فنّيي الميكانيك، خاصة وأن المهنة لا تخضع لرقابة حكومية، ما أدى إلى فوضى وارتفاع أسعار كبيرين في ورش تصليح السيارات أضرت بالمدنيين.

غياب الرقابة على هذه المهنة، أكده رئيس الجمعية الحرفية لصيانة السيارات يوسف جزائرلي، في وقت سابق حيث قال إنه تلقى عدة شكاوى تتعلق بسوء إصلاح السيارات لعدم وجود خبرات فنية كافية، وإلى ارتفاع أجور الإصلاح التي أصبحت بلا رقيب ولا حسيب وإصلاح أقل عطل في المحرك يكلف 300 ألف ليرة علما أن الجمعية لا تتدخل بتحديد هذه الأجور، بحسب تقارير صحفية محلية.

أسباب الارتفاع

نحو ذلك، أوضح نائب رئيس “الجمعية الحرفية لصناعة السيارات” محمد سالم زرقاوي أن هذا الارتفاع بالأسعار لا يقتصر فقط على قطع التبديل إنما على أجرة الصيانة والإصلاحات، مضيفا أن الأسعار تشهد تغيرات بشكل يومي وفي الاتجاهين صعودا ونزولا تبعا لأسعار صرف الليرة مقابل الدولار، كون القطع مستوردة من الخارج.

زرقاوي أكد أن الإقبال على الإصلاح قليل، ويتم في حالات الضرورة فقط، والفئات الأكثر قصدا للصيانة هي أصحاب السيارات العمومية “التاكسي، السرفيس”، كون سياراتهم بحاجة لإصلاحات شهرية بكلفة لا تقل عن 500 ألف ليرة سورية، وهو ما يعادل قرابة الـ 66 دولارا. أما حول الصيانة الدورية للسيارة، فأكد زرقاوي أن كلفة غيار الزيت تصل إلى 200 ألف ليرة، وإصلاح الدولاب أو استبداله 650 ألف ليرة، مدّعيا أنه رغم ارتفاع التكلفة إلا أن تجار هذه المهنة والحرفيين الذين يعملون بها خاسرون.

رئيس الجمعية الحرفية أوضح أن قطع الغيار التي تتوافر في الأسواق هي من النوعية الصينية والكورية؛ حتى إنها نادرة في الأسواق لدرجة أنه توجد قطع غيار مغشوشة في السوق تتعطل خلال أيام من تركيبها.

بعض أصحاب المحال يرجعون ارتفاع الأسعار إلى زيادة أجور محلات ورش الإصلاح، حيث ارتفعت الأجور أضعاف السنة الفائتة عدا عن الرسوم والضرائب المالية التي تُقدر بمليون ونصف المليون، إلى مليوني ليرة ما يدفع الحِرفي لرفع أجور أتعابه بشكل كبير.

قد يهمك: باصات كهربائية في دمشق.. هل يحاصرها التقنين؟

في حين يرى بعض الخبراء أن الغلاء يعود لنقص العاملين في هذه المهنة ونسبة كبيرة منهم هاجروا إلى خارج البلاد، فضلا عن تراجع مساحة الأماكن المخصصة لصيانة السيارات في ريف دمشق كما الحال في دوما وحرستا، بعدما خسر الكثير من أصحاب هذه الحرفة محلاتهم خلال السنوات الماضية.

وفق إحصاءات حكومية رسمية، فإن عدد الحرفيين المسجّلين في جمعية الريف يصل إلى 2350 حرفيا بينما عدد العاملين في هذه الحرفة لا يقل عن 100 ألف حرفي في الريف. وبالنسبة إلى المسجلين في جمعية دمشق فلا يتجاوز العدد 3415 حرفيا، ويتجاوز عدد العاملين في الحرفة 100 ألف حرفي أيضا. وبحسب “جمعية صيانة السيارات في ريف دمشق”، فإن سوريا خسرت أكثر من 50 بالمئة من خبراتها في حرفة تصليح السيارات.

التخلي عن السيارات أفضل حل

الحياة في سوريا تتراجع يوما بعد يوم، فالتناقض المعيشي الذي يعيشه السوريون اليوم بات أمرا مرهقا ولا يستوعبه العقل، المثير للدهشة أن تكلفة قطع غيار السيارات القديمة والمتهالكة أصلا قد ارتفعت أيضا إلى أكثر من 500 بالمئة، وهو ما يعد مخالفا لمعايير السوق بشكل عام، وفق تقارير محلية سابقة.

البيانات تظهر أن سوريا كانت من أكبر أسواق السيارات في منطقة المشرق العربي قبل 10 سنوات فقط. وكان حجم المبيعات السنوية 87500 سيارة، فيما شهدت السوق السورية انخفاضا بشكل حاد العام الفائت. حيث انخفضت نسبة المبيعات بنحو 84 بالمئة. وسجّلت السوق السورية مبيع 154 سيارة فقط خلال العام الماضي، ومن ناحية العلامة التجارية، حققت شركة “هيونداي” المتصدرة أرباحا بنسبة 10.7 بالمئة، تليها شركة “كيا”، التي خسرت بنحو 27.7بالمئة.

أما عن أسباب ارتفاع السيارات المستعملة، تختلف بحسب وجهة نظر أصحاب مكاتب السيارات، وخبراء الاقتصاد، حيث يرى قسم من تجار السيارات في سوريا، أن أسباب ارتفاع أسعار السيارات لا تزال مجهولة وغريبة بالنسبة لهم، وخاصة أن كل المعطيات تستدعي انخفاض الأسعار، فمثلا ارتفاع سعر البنزين يجب أن يؤدي إلى زيادة مصروف السيارة وبالتالي انخفاض سعرها، ولكن ما يحدث اليوم أنه حتى لو انقطع البنزين وتوقّفت كل السيارات عن العمل فإن الأسعار ستستمر في الارتفاع.

هؤلاء التجار، يرون أن ارتفاع الأسعار المبالغ فيه أدى إلى جمودٍ كبير في حركة الأسواق واستحالة الشراء من فئة كبيرة من المواطنين، فمثلا يصل سعر سيارة “كيا ريو” الأكثر شهرة في الشوارع، إلى أسعار خيالية تقدر بـ 85 مليون ليرة تقريبا، وسط فوضى في التسعير من دون وجود ضوابط في السوق، مشيرينَ إلى أملهم بأن يكون قرار السماح باستيراد مكونات السيارات سببا في انخفاض الأسعار خلال الفترة المقبلة.

يرى بعض أصحاب السيارات، أنه نتيجة للتكلفة العالية لصيانة السيارات، بالإضافة إلى ندرة الوقود مثل البنزين والمازوت، أن التخلي عن السيارة هو الحل الأفضل والسبيل الوحيد لهم وسط غلاء الحياة المعيشية الذي بات يحاصر ويرهق جميع المواطنين في سوريا اليوم، فلا يُعقل أن يدفع المواطن خمس أضعاف راتبه بغية تصليح عطل في سيارته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات