خطوات متسارعة شهدها ملف عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث تطور المشهد سريعا إلى اجتماع على مستوى نواب وزراء خارجية الدول الأربعة وهي روسيا وإيران وسوريا وتركيا لدعم ملف التطبيع بين الجانبين، إلا أن تطورات جديدة حصلت قد تعطل سير الملف إلى أجل غير مسمى.

آخر الاجتماعات الرباعية جرت الثلاثاء في الخامس والعشرين من أيار/مايو بمشاركة وزراء دفاع ورؤساء استخبارات الدول الأربع “بهدف حل القضايا العالقة من خلال المفاوضات في سبيل تحقيق السلام والهدوء في المنطقة”، إلا أن تصريحات أنقرة ودمشق عقب انتهاء الاجتماع توحي بوجود فجوة كبيرة بين الجانبين، لم تنجح الجهود الروسية حتى الآن في ملئها.

محللون أشاروا إلى وجود أيادي إيرانية تحاول عرقلة مسار الاجتماعات الرباعية، وذلك لان هذه الاجتماعات تأتي بمبادرة ومرجعية روسية، وقد انضمت إيران متأخرة، لذلك قد تكون طهران تضغط على دمشق من أجل عرقلة هذا المسار، مستغلة بالدرجة الأولى الرغبة التركية بإنجاز والتقدم في هذا المسار في أقرب وقت ممكن.

تضارب التصريحات بين أنقرة ودمشق

فبعد الاجتماع الذي عقد الثلاثاء في موسكو، تضاربت التصريحات بين الجانبين السوري والتركي، ما يطرح التساؤلات حول مصير ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق، ومصير اللقاء الذي تحدّث عنه الجانب التركي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، خلال شهر أيار/مايو المقبل.

بحسب ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن الاجتماع ركّز على بحث الملفات الأمنية ومسائل التموضع العسكري في مناطق الشمال السوري على الحدود المشتركة بين سوريا وتركيا، ونتج عن الاجتماع الذي جرى خلف أبواب مغلقة  التوافق بشكل مبدئي على موعد، لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية في الثاني من أيار/مايو أيار المقبل.

وزارة الدفاع التركية أعلنت عقب نهاية الاجتماع، أن اللقاء “بحث سبل تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم”، مشيرة في بيان حول الاجتماع إلى أن “المجتمعين ناقشوا الخطوات الملموسة التي يمكن اتخاذها لتطبيع علاقات أنقرة ودمشق”، إلا أن صحيفة “الوطن” السورية، نفت ذلك جملة وتفصيلا وقالت إنه “لا صحة للبيان الذي بثّته وزارة الدفاع التركية والذي تحدث عن خطوات ملموسة تتعلق بتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا”.

الصحيفة أشارت إلى أن الاجتماع بحث آلية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية ولم يتطرق إلى أي خطوات للتطبيع بين البلدين، كذلك أكد المصدر أن “التطبيع يعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وبغير الانسحاب لا تنشأ ولا تكون هناك علاقات طبيعية”.

إصرار دمشق على شروطها السابقة يعني دخول ملف عودة العلاقات مجددا في طريق وعرة، ويعني كذلك تجاهل الجهود الروسية التي أدت في وقت سابق إلى تراجع دمشق عن شروطها، بعد القبول بحضور الاجتماعات الرباعية لبحث آليات وسبل عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة.

الجانب السوري حتى اللحظة لم يبدِ رغبته في تسريع عمليات الحوار واللقاءات الثنائية، وأي خطوات متعلقة بتسريع عملية التطبيع مع تركيا، إذ يبدو أن القيادة المركزية في دمشق تدرك أن أنقرة تريد الإسراع بالمضي قدما بملف التطبيع، من أجل تقديمه للناخب التركي وليس من أجل تبادل المصالح مع الحكومة السورية.

ضغوط إيرانية؟

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، رأى أن عمليات عرقلة جهود الاجتماعات الرباعية قد تكون بضغوط إيرانية حيث تسعى طهران لإفشال هذا المسار، وتوجيه دمشق باتجاه المسار العربي بقيادة السعودية، مشيرا إلى أن التصريحات المتناقضة بين أنقرة ودمشق، تؤكد عدم وجود خطة واضحة للاجتماع الذي حدث بضغوط روسية سابقة.

معراوي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “فكرة المسار الرباعي والانفتاح التركي على النظام السوري فكرة روسية تصرّ عليها موسكو كبديل لمسار أستانا الذي انتهت صلاحيته، وحاول الروس والأتراك في البدايات استبعاد إيران منه لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، والتحق الإيرانيون بالمسار”.

قد يهمك: ضياع “حزب الله” وخيارته.. مصير مأساوي للبنان بعد مكاسب الحزب السياسية

الإيرانيون يعملون ربما على وضع العراقيل بوجه المسار الرباعي بسبب مرجعيته الروسية، بالمقابل فإنهم يدعمون المسار العربي للانفتاح على دمشق، لأنه وليد اتفاق عودة العلاقات مع السعودية الذي جرى مؤخرا برعاية صينية، وبالتالي هذا المسار مرجعيته إيرانية.

منذ بداية العام الجاري عمدت دمشق إلى رفض اللقاءات الثنائية مع أنقرة، وذلك عبر فرض شروط وصِفت بـ”التعجيزية”، لكن الضغوط الروسية أدت بالنهاية إلى قبول دمشق بحضور الاجتماعات، وهنا زاد معراوي “يبدو أن الضغوط الروسية لم تكن كافية بالقدر الذي تنقل به المحادثات إلى المستوى السياسي، باستثناء لقاء فاشل على مستوى نواب وزراء  الخارجية الأربعة  فيما تعطّل لقاء مولود جاويش أوغلو مع المقداد”.

كذلك فإن التصريحات المتناقضة بين الوفد التركي والوفد السوري، تؤكد عدم وجود جدول أعمال للاجتماع، إنما حدث بسبب الضغوط الروسية، واستجابة الوفد التركي لضغط الشارع الانتخابي لتوظيف نتائج الاجتماع في الدعاية الانتخابية، حيث أن التصريح التركي موجه للداخل التركي أكثر مما هو موجه للمعنيين بملف التطبيع.

إصرار دمشق على شروطها

برأي معراوي، فإن دمشق تصرّ على مواقفها لاعتبارات عدة، أولها أنها ليست متحفّزة لفك عزلتها واختراق جدار الحصار الدبلوماسي حولها بعد سلسلة الزيارات التي تمت لدمشق من وزراء خارجية عرب وأهمهم وزير الخارجية السعودي، واستقبال الرئيس السوري بشار الأسد، كرئيس دولة في عمان والإمارات، فضلا عن زيارة المقداد لمصر وتونس والجزائر.

كذلك فإن الحكومة السورية لا تريد إعطاء ورقة رابحة لتركيا قبل الانتخابات، حتى تتأكد من نواياها، وأنها فعلا تسعى لضمان الاستقرار والهدوء في المنطقة، ولا تريد فقط الاستفادة من هذا الملف لأهداف انتخابية، فدمشق لا تنظر لتركيا من بوابة الحزب الحاكم فقط، خاصة مع إمكانية فوز المعارضة في الانتخابات وبالتالي ملف التطبيع سيصبح بيد المعارضة.

هناك مؤشرات إيجابية أظهرها الطرفان مؤخرا فيما يتعلق بالحوار، إذ إن إمكانية التوصل إلى تفاهم حول القضايا الأساسية العالقة مُمكنة إذا ما توفّرت الرغبة لدى الطرفين، خاصة وأن تركيا أعلنت أنها مستعدة للانسحاب من الأراضي السورية وفق جدول زمني محدد، وتحدثت بصراحة عن أن انسحابها مرهون بمعالجة مطالبها الأمنية ودفع التسوية السياسية.

حديث عن لقاء مرتقب بين أردوغان والأسد، كان قد أُعلن عنه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مؤخرا، حيث قال إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد يلتقي الرئيس السوري بشار الأسد، مطلع شهر أيار/مايو المقبل، مشيرا إلى أن اللقاء قد يشمل كذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني إبراهيم رئيسي.

لكن معراوي لا يتوقع حدوث هذا اللقاء، وقال “لن يتم عقد لقاء بين أردوغان والأسد، وسقف الطموح الروسي عقده بين جاويش أوغلو والمقداد كتدشين لانطلاق مسار سياسي، حتى الرئيس أردوغان نفسه لن يُقدم على هكذا مغامرة قبل أيام من إجراء التصويت فقد يتم حصد نتائج معاكسة ولم يبقَ كثير من الوقت لإصلاح ارتدادات سلبية قد تحدث بسبب اللقاء، أيضا لا رغبة عند الأسد لذلك فلماذا يجتمع مع رئيس قد يخسر السلطة بعد أيام”.

 لا يبدو أن ملف التطبيع سيشهد تطورات ملموسة خلال الأيام القليلة الماضية، إذ إن المؤشرات توحي بفشل المساعي التركية لتسريع وتيرة عودة العلاقات مع دمشق للوصول إلى اللقاء الرئاسي، لذلك فإن الملف سيتوضح ملامحه ربما بعد الانتخابات الرئاسية في تركيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة