يبدو أن قطار عودة العلاقات بين عدد من الدول العربية والحكومة السورية، يسير رغم كل العثرات والحواجز الموجودة في طريقه، إذ إن هناك رغبة عربية واضحة في عودة العلاقات مع دمشق، لا سيما بعد تحركات المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي، والتي شملت زيارة مفاجئة لوزير الخارجية السعودي نحو دمشق، وطرح عودة مقعد سوريا في “جامعة الدول العربية” مؤخرا.

يبدو أن هناك رغبة عربية في ضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط، وذلك عبر ضمان عدم التصعيد في سوريا، وهي المنطقة الأكثر عرضة لاحتمالية اندلاع التصعيد العسكري، والسعي لدعم جهود الحل السياسي للأزمة، هذا فضلا عن الرغبة بمحاولة كبح جماح النفوذ الإيراني، الذي تمدد كثيرا خلال السنوات التي قطعت فيها الدول العربية علاقاتها مع دمشق.

أهداف الدول العربية ورغباتها من وراء التطبيع مع دمشق، تطرح تساؤلات عديدة ربما يجب على هذه الدول الإجابة عليها خلال الفترة القادمة، فيما إذا أصرّت على المُضي قدما في قطار التطبيع، أبرزها قدرة دمشق واستعدادها على التعاون مع المحيط العربي لتحقيق ما ذُكر سابقا.

وزير الخارجية السعودي في دمشق

وزير الخارجية السعودي وصل إلى دمشق خلال الأيام الماضية في زيارة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الاحتجاجات ضد الحكومة السورية عام 2011، وقد أعلنت وزارة الخارجية السعودية الثلاثاء، أن وزيرها فيصل بن فرحان بحث مع الرئيس السوري بشار الأسد، الخطوات اللازمة  لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي تداعياتها.

الواضح من خلال الخطوات العربية، أن هناك شبه إجماع من قبل بعض الدول العربية، على إعادة دمشق إلى المحيط العربي، وذلك على الرغم من تردد بعض الدول كقطر مثلا ووضعها شروط تتعلق بالحل السياسي للمُضي قُدما في إعادة العلاقات مع دمشق، وهو ما تقول الدول الراغبة بالتطبيع وعلى رأسها السعودية أنها تسعى لتطبيقه خلال الفترة القادمة.

قد يهمك: ضياع “حزب الله” وخيارته.. مصير مأساوي للبنان بعد مكاسب الحزب السياسية

الباحث في العلاقات الدولية عامر المالكي، أوضح أن زعماء الدول العربية رأوا مؤخرا أن عزل سوريا لم يكن مفيدا في أي من الملفات الإقليمية بما فيه  الازمة السورية، لذلك التوجه الآن لإعادة سوريا إلى الدائرة العربية، مشيرا إلى وجود عدة أهداف من هذا التطبيع، أبرزها ضمان الاستقرار في المنطقة ومحاولة انتشال سوريا من بؤرة المخدرات ومن الحضن الإيراني.

المالكي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “على النطاق العربي وبعد 12 عام من الصراع وعزل بشار الأسد رأى زعماء بعض الدول العربية أن هذه العزلة لم تؤتِ أُكلها، فزادت سيطرة إيران على سوريا وزاد التغول الشيعي، وساعد بذلك استقرار النفوذ الايراني في لبنان والعراق، وامتداده لأن يتحكم في القرار السياسي والعسكري للمقاومة في فلسطين”.

مكاسب اقتصادية؟

من جهة أخرى فقد تعرضت العديد من الدول العربية لأضرار اقتصادية ولوجستية، جراء قطع العلاقات مع سوريا، خاصة وأن الأخيرة تمتلك موقعا جغرافيا هاما، كونها معبرا للحركة التجارية بين الدول الخليجية وواحدا من أهم مصادر مشترياته وهو السوق التركية.

لذلك فإن الدول العربية وفضلا عن المكاسب السياسية، ترغب بالحصول على مكاسب اقتصادية من وراء عودة علاقاتها مع الحكومة السورية، وهنا أوضح المالكي أن “الطمع في الاستحواذ على أكبر قدر من عقود إعادة الإعمار في سوريا بعد الحالة المزرية التي وصلت لها البلاد”، قد يكون من أبرز محفزات الدول العربية على التطبيع.

حول أهداف الدول العربية من التقارب مع دمشق زاد المالكي قائلا، “سوريا الآن أصبحت من أهم مصادر حب الكبتاغون والكثير من أنواع المخدرات حول العالم، ولهذا تأثير سلبي على الدول المحيطة، لذلك ستسعى هذه الدول لوأد هذه الصناعات من المصدر”.

كذلك هناك إرادة إقليمية في الشرق الأوسط، تعبّر عنها بعض الدول العربية وتركيا، لضمان خفض حدة التصعيد في المنطقة، وذلك في وقت تشتعل فيه الكثير من البؤر حول العالم، حيث أن هناك مخاوف من أن تنتقل هذه العدوى للمنطقة العربية وهي مهيئة لذلك بشكل كبير، لا سيما في البقعة السورية.

مع ذلك لا يمكن الجزم أن التحركات العربية ومن ضمنها زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق يمكنها تحقيق ما سبق، فالوضع السوري ما زال يشوبه الكثير من التشابك، خاصة وأنه كانت  هناك محاولات مماثلة من قبل العرب خلال السنوات الأخيرة من دول مثل الأردن والإمارات وفشلت في تحقيق أي مكاسب من خلال التواصل مع الأسد

حول ذلك أضاف المالكي، “في رأيي الوضع متشابك بشكل كبير فمن جانبه الأسد يشعر بنشوة أنه بقى كما كان يريد، وأن العرب الآن هم من يتهافتون عليه وكما تقول الدوائر المحيطة به لقد أخضع الأسد أعداءه وهذه الفكرة بحد ذاتها لا تجعل السير في طريق المصالحة ممكن، فقد تشبعت الشعوب العربية الفترة الماضية بفكرة أن الأسد مجرم ولا يمكن التصالح معه، فربما من الصعوبة بمكان أن يتقبلوا هذا التحول السريع “.

هل يستمر قطار التطبيع؟

عند الأخذ بعين الاعتبار المحاولات العربية السابقة التي فشلت، والرفض المتواصل لبعض الدول العربية حتى الآن على الأقل للتقارب مع دمشق مثل قطر والكويت، كذلك عدم التوافق الكامل بين السعودية والإمارات على شكل التطبيع واستمرار الرفض الأميركي، فإن ذلك يجعل الخطوة السعودية لا تؤتِ أُكلها بشكل كبير ولكن ستكون خطوة مقربة من أخواتها في الدفع لهذا الاتجاه.

المالكي استبعد كذلك أن يكون “الحل السياسي في سوريا” هدفا مهما للمملكة العربية السعودية، وقال “السعودية تريد من الأسد هذه الفترة كل ما دعاها للتقدم خطوة لها. وقف الكبتاغون ونشر الأمن من أجل عودة الحياة الاقتصادية ومد الخطوط بينها وبين تركيا، تخفيف التواجد الإيراني، ومشاركة السعودية في إعادة الإعمار، وأيضا هذا يعطي للسعودية ثقلا في المنطقة ويؤثر بشكل كبير على الوضع في اليمن ويجعل المنطقة تتفرغ لما تريد أن تسعى له من نقلة عمرانية كبيرة، ولكن يبقى السؤال الأهم ماذا إن لم يعطي الأسد للخليج شيئا من هذا”.

الدول العربية غابت لسنوات عن المشهد السياسي في سوريا، فقد انقطعت الجهود العربية منذ العام 2012، وعادت قبل نحو 4 سنوات من بوابة إعادة العلاقات مع الحكومة السورية، وكانت الأردن والإمارات من أوائل الدول التي طرحت مبادرات من أجل التقارب مع دمشق، وكانت الأردن مدفوعة بتحجيم النفوذ الإيراني على حدودها الشمالية ومنع تهريب المخدرات، لكن دمشق لم تستطع تقديم أي شيء بهذا الصدد.

على الرغم من تبادل الزيارات والجهود المكثفة من قبل حكومات الدول العربية، إلا أن عمليات التطبيع لا يمكن القول إنها تمت، وذلك في ظل تعقيدات الوضع في سوريا وآلية التطبيع وشروطه، هذا فضلا عن الرفض الأميركي لأي عمليات تطبيع مع دمشق، بدون تطبيق البنود الأممية المتعلقة بالقرار 2254.

هناك تردد واضح من قبل العديد من الدول العربية من الانخراط في عملية التطبيع، فالمتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، أكد قبل أيام أن الموقف القطري لم يتغير إزاء عودة سوريا إلى الجامعة، حيث أن “أي تغيير في الوضع القائم من سوريا مرتبط بالإجماع العربي وتغير ميداني يحقق تطلعات الشعب السوري”.

على الرغم من وجود الرغبة التي أصبحت واضحة لإعادة العلاقات مع دمشق، وربما نشهد عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية ودمشق تعود خلال الأشهر القادمة بعد انقطاعها لسنوات، لكن تبقى المحطة الأبرز أمام قطار التطبيع مع دمشق، هي قدرة الأخيرة على تقديم ما تسعى إليه الحكومات العربية من مكاسب إقليمية اقتصادية كانت أو أمنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات