مجددا، عادت التوترات لتسيطر على الأجواء ما بين “التيار الصدري” الذي يقوده رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، وحزب “الدعوة الإسلامية” بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي يعتبره الصدريين سببا في تفشي الفساد وانتشار العنف في العراق منذ سنوات، غير أن التوترات هذه المرة أثارت تكهنات من نوع آخر، بعدما دعت دائرة الصدر المقربة إلى تشريع قانون يجرم الإساءة للمرجع الشيعي الراحل محمد صادق الصدر، والد مقتدى.

لكن الموضوع لم يقتصر على هذا الحد، إذ بقيت دلالة الموقف غائبة حتى الآن، بخاصة في ضوء التوقيت الحالي، الذي تسعد فيه القوى السياسية في العراق إلى انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراءها في كانون الأول/ديسمبر القادم، والتي لا يزال موقف “التيار الصدري” بشأنها غائب حتى الآن.

فمنذ اعتزال زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر العمل السياسي نهاية شهر آب/أغسطس العام الماضي، بعد أن حققت كتلته أكبر نتيجة في الانتخابات النيابية المبكرة الأخيرة في تشرين الأول/أكتوبر 2021، لم يعد للتيار أي دور أو مشاركة في المشهد السياسي، لتفتح انتخابات مجالس المحافظات الحديث عن مستقبل الصدريين بشأنها.

انسحاب “التيار الصدري” من العملية السياسية، جاء بعد معارضة تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم -باستثناء الصدريين- جميع القوى الشيعية الموالية لإيران، لمشروع الصدر بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تستثني مشاركة كل أو بعض أطراف “الإطار” الذي يؤثر بقراره بشكل كبير المالكي بوصفه صاحب أكبر كتلة سياسية في التحالف، والذي لا يخفي عدائه للصدر في مناسبات كثيرة.

خلاف بين “التيار الصدري” ونوري المالكي

هذه الأحداث وقتئذ التي أخذ المالكي فيها حيزا كبيرا، أذكت بشكل كبير الخلاف مع الصدريين الذي تعود جذوره للعام 2008 عندما أطلق المالكي الذي كان رئيسا للوزراء حينها، عملية “صولة الفرسان” العسكرية في البصرة وبعض محافظات الجنوب، جرى خلالها قتل واعتقال المئات من عناصر “التيار الصدري” خلال مواجهات استمرت أسابيع، لاسيما بعد معارضة مشروع “حكومة الأغلبية”، بخاصة بعد انتشار تسجيلا مسربا للمالكي يسيء فيه للصدر والصدرين بشكل غير مسبوق أثناء مراحل الصراع على الحكومة.

محتجون غاضبون يغلقون عددا من مقار حزب “الدعوة الإسلامية”/ إنترنت + وكالات

على هذا النحو، تجدد خلال الأيام القليلة الماضية الصراع بين “التيار الصدري”، وحزب “الدعوة” بعد اتهام “التيار الصدري” حسابات إلكترونية مرتبطة بحزب “الدعوة” بالإساءة للمرجع الراحل محمد صادق الصدر، وندد أعضاء بارزون في التيار بتلك الإساءة على مواقع التواصل الاجتماعي.

التنديدات رافقتها منذ السبت الماضي، هجمات متزامنة بدت أنها منسقة أكثر من كونها عفوية؛ حيث تم حرق مقرات لحزب “الدعوة” في بغداد وبعض محافظات الجنوب وإغلاقها، إلى جانب استهدافات مسلحة لمقرات منظمة “بدر” وحركة “أنصار الله الأوفياء” و”عصائب أهل الحق” في النجف جنوب بغداد فجر اليوم الاثنين الماضي.

من بين القادة الصدريين المنددين بالإساءة لولد زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، القيادي في التيار حسن العذاري، حيث اتهم من سماهم بعض الجهات الإطارية كحزب الدعوة، بالإساءة للمرجع محمد صادق الصدر.

العذاري قال عبر صفحته على فيسبوك “انتشرت في الآونة الأخيرة وبصورة ملفتة للنظر مقاطع ومنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي تسيء إلى سمعة وسيرة محمد الصدر وتتهمّه بالعلاقة مع حزب البعث، من خلال حملة إعلامية منظمة تقودها بعض الجهات الإطارية كحزب الدعوة وبعض جهات المعارضة التي كانت في المنفى وسط سكوت من العصائب”، في إشارة إلى جماعة “عصائب أهل الحق” التي يتزعمها المصنف أمريكا على قوائم الإرهاب قيس الخزعلي.

المسؤول الصدري طالب علاوة على ذلك، بتشريع “قانون يجرم اتهام محمد الصدر ومرجعيته الناطقة والإساءة إليه بالشتم والسب والتعدي على سيرته مع حفظ حق النقاش والنقد البناء”، وقال إنه يجب على الجهات التي تتنصل من مهاجمة محمد الصدر تبني ذلك المشروع.

مطالبة العذاري بتشريع قانون يجرم الإساءة للمرجع محمد صادق الصدر، فتح الباب أمام تساؤلات حول إذا ما كانت هناك نوايا، لاستغلال الحادثة لتشريع قانون يجرم التعرض للمراجع الدينية، ما قد يستخدم ضد أي تطرق لهم، بما يسهم في تقيد حرية الرأي والتعبير، إلى جانب الحديث عن إذا ما كان الأمر محاولة من قبل الصدريين للعودة من خلال هذه الحادثة إلى المشهد السياسي بالتزامن مع التحضيرات للانتخابات المحلية، بخاصة مع نزول مقتدى الصدر إلى الشارع بعد عملية التعرض للمقار الحزبية في النجف.

جماهير مشحونة ومطامح سياسية

غير أن المحلل السياسي على البيدر، يرى أنه لا توجد أي مناورات أو ألاعيب سياسية لتشريع قانون يمسي حرية الرأي والتعبير، ضمن مقدمات معينة، معلا ذلك، بأن الشارع الصدري مشحون ومثله الشارع الإطاري، وبالتالي وليهما، يحاول اضعاف الآخر معنويا وماديا، لذا أن ما حصل من توترات هي أمرا واردا، كون جماهير هذه الأطراف كبيرة ولا يمكن ضبط إيقاعها بسهولة.

قيادات “التيار الصدري” يطالبون بتشريع قانون يجرم الإساءة للمراجع الدينية/ إنترنت + وكالات

البيدر وفي حديث مع موقع “الحل نت”، أعتبر أن، هذه التوترات هي نتاج طبيعي للمواقف السياسية والحزبية في ظل حالة الشحن الذي يعيشه جمهور كلا الفريقين، ففي مثل هذه الحالات أن أي قدحة أو شرارة يمكن أن تقود إلى هكذا حراك ذات تداعيات خطيرة، كما حدث مؤخرا بين الصدريين وحزب “الدعوة”.

فيما أشار إلى أن، العلاقة بين الصدر والمالكي أخذت منحنيات عديدة ووصلت حد الصراع وحد التراشق الإعلامي، قائلا إن العلاقة بينهما ربما وصلت إلى نقطة اللاعودة في مراحل سابقة وعززتها مواقف كثيرة، لذلك اليوم عندما نتحدث عن دفع أو شحن الشارع، لا يحتاج الى أي مما يقال حتى يشتعل التوتر، لأن في الأساس الجانبين مشحونين.

أما حول محاولات استثمار “التيار الصدري”، للموقف والعودة إلى المشهد السياسي، لفت البيدر إلى أن، الصدر يحاول أن يخفف من حدة أي أزمة عبر التواجد قربها ووضع بصمته، ومن هذا المنطلق لا يمكن له الاعتزال نهائيا، لكون المشهد مليء بالأزمات التي تحتم على الصدر التواجد فيها ومعالجتها وإبداء موقفا منها.

لذلك لا يتصور الخبير في الشأن السياسي العراقي، هناك أي حالة من التصوف أو الزهد من قبل الصدر سواء كان على مستوى الجانب السياسي أو السلطوي، وذلك لا يشمل “التيار الصدري” فقط، بل من قبل أي كل الأطراف السياسية، فالجميع يسعى لتقديم رؤيته وشحن جماهيره لتطبيقها على أنها الرؤية المثالية، على الأقل كما يسوق لها.

وسط هذا المشهد، كان مسلحون مجهولون قد استهدفوا مقار حزب “الدعوة” في بغداد وعدد من الحافظات الجنوبية، قبل أن يتم استهداف مقار لمنظمة “بدر” وحركة “أنصار الله الأوفياء” وحركة “عصائب أهل الحق” في النجف، بنادق متوسطة وأسلحة “آر بي جي”؛ ما أدى لإصابة أحد عناصر حماية مقرات منظمة “بدر”، بحسب ما تم تداوله في وسائل الإعلام العراقية المحلية.

الأمر الذي حذا بالصدر للخروج من عزلته، والنزول إلى الشارع في زيارة ميدانية تفقدية لأحد المقرات التي تعرضت للهجوم في النجف، رافضا العنف واستخدام السلاح من أي جهة كانت، حيث ظهر الصدر في فيديو واقفا أمام مقر “أنصار الله الأوفياء”، وفق ما نشره حساب صالح محمد العراقي أو ما يعرف إعلاميا بـ”وزير الصدر” عبر فيسبوك.

تراشقات بين “التيار الصدري” والمالكي

في حين كان الحملة الصدرية ضد حزب “الدعوة” قد بدأت منذ مساء السبت الماضي، حيث أقدم أنصار التيار على إغلاق عدد من مقرات “الدعوة”، كما هاجموا مقرات للحزب في مدينة الصدر ببغداد وفي البصرة وذي قار وأغلقوها، وكتبوا عبارة “مغلق بأمر أبناء الصدر” على أغلب تلك المقرات، قبل أن يقدموا مجددا فجر الأحد الماضي في بغداد ومحافظات وسط وجنوبي العراق، على إحراق مقرات الحزب وإغلاق بعضها، فيما أكدت وسائل إعلام أن مقر الحزب في النجف تعرض لقصف صاروخي.

بالتزامن مع تلك الأحداث، أطلق أتباع “التيار الصدري” حملات إلكترونية تنديدا بالإساءة للمرجع محمد الصدر على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، حيث غرد المئات بوسم “#جاهزون_فداء_للصدر_وولده” و”#إلا_محمد_الصدر”.

بمقابل ذلك، وصف المالكي زعيم حزب “الدعوة”، الهجوم على مقرات الحزب وحرقها بـ”ممارسات مؤسفة”، مؤكدا رفضه واستنكاره لكل من يحاول إثارة الفتن والإساءة لمحمد الصدر، فيما دعا “التيار الصدري” إلى ما وصفه بـ”الحذر من مخططات الأعداء ومحاولات خلط الأوراق”.

غير أن صالح محمد العراقي علق على بيان حزب “الدعوة” قائلا، ما حدث إنما هي حركة عاطفية صدرية عفوية بل هي ثورية لإيقاف التعدي على العلماء بعد دفاعهم عن القرآن ونبذ الفاحشة، بإشارة لتظاهرات الصدريين ضد السفارة السويدية ببغداد تنديدا بحرق القرآن من قبل لاجئ عراقي في السويد، مؤكدا على وجوب سن “البرلمان” قانونا يجرم “الاعتداء على المراجع”.

يشار إلى أنه بعد انتخابات مارس/آذار 2010، عارض الصدر بشدة التجديد للمالكي لرئاسة الحكومة لولاية ثانية، إلا أن الضغوط الإيرانية التي مورست على الصدر الذي كان موجودا آنذاك في إيران، وعلى قوى سياسية أخرى، أدت إلى تمرير حكومة المالكي الثانية التي استمر خلالها الشد والجذب بينهما.

ليعود بعد ذلك لتتجدد الخلافات بين الطرفين بعد مشاركة نواب من كتلة “الأحرار” الصدرية في حراك لاستجواب وإقالة المالكي عام 2012 على خلفية اتهامات بالفساد وسوء استخدام السلطة، إذ يلقي الصدر باللوم على المالكي في “استشراء الفساد وأعمال العنف ” في العراق، وذلك قبل أن يشتعل الصراع بشكل كبير بعد نتائج انتخابات 2021، ومعارضة الصدر لمشروع “حكومة الأغلبية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات