ضمن استراتيجية تقوم عل توطين الوظائف والمهن، تُظهر بعض الدول الخليجية مؤخرا تصميما واضحا على تقليص عدد العمال الأجانب، بهدف تعزيز مشاركة العمالة المحلية في سوق العمل، وتحديد النسب المسموح بها للوظائف التي يمكن للأجانب العمل فيها، حيث تتفاوت سياسات التوطين من بلد لآخر في الخليج، إذ تستهدف بعض الدول توطين وظائف محددة فقط، بينما تستهدف الدول الأخرى توطين قطاعات كاملة من الاقتصاد.

مع ذلك، فإن توطين المهن في الخليج يمكن أن يؤدي إلى بعض التحديات والتداعيات، بما في ذلك زيادة تكلفة العمالة في بعض القطاعات، وتحديات التأهيل والتدريب للعمالة المحلية، وتحديات في توفير الكفاءات والمهارات المطلوبة في بعض القطاعات المتخصصة.

 بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي توطين المهن إلى تأثير سلبي على قدرة بعض الشركات على تحقيق الأرباح، وتحسين المنافسة في بعض القطاعات، خاصة إذا كانت العمالة المحلية غير مدربة بشكل جيد، أو غير قادرة على تلبية احتياجات القطاع.

مواعيد نهائية

وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية أعلنت في بداية نيسان/أبريل الماضي، عن توطين مجموعة جديدة من المهن والأنشطة في البلاد، وجعلها مقتصرة على السعوديين، وشمل القرار الجديد توطين مهن إدارة المشاريع، والمشتريات، والمبيعات، ومنافذ تقديم خدمات أنشطة الشحن ووسطاء الشحن، بالإضافة إلى منافذ أنشطة التزيين والخياطة النسائية.

وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودي أحمد الراجحي. (واس)
وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودي أحمد الراجحي. (واس)

في موازاة ذلك، قررت الكويت أيضا التخلي عما يقارب ألفي معلم وافد إثر نهاية الموسم الدراسي في منتصف شهر حزيران/يونيو المقبل، وإعادتهم إلى أوطانهم. يحدث هذا بينما يُثير وصول الوافدين إلى الرياض أزمة نقص المساكن، بحسب ما نقلته صحيفة “العرب” اللندنية.

قد يهمك: لماذا منطقة الخليج في وضع جيد للعب دور رئيسي في الاقتصاد العالمي؟

الكويت عززت برنامج “التّكْويت” المصمم لتقليص عدد العمال الأجانب الذين شكلوا في 2021 حوالي 70 في المئة من 4.5 مليون نسمة، ويدعو البرنامج إلى خفض أعداد المهاجرين بأكثر من النصف، وإخراج 1.5 مليون عامل من البلاد.

وزارة الشؤون البلدية الكويتية، أعلنت في آب/أغسطس 2022 أنها ستخرج جميع الأجانب العاملين في نطاقها خلال سنة، وتقرر بالفعل تنفيذ خطط مماثلة لشركة النفط الوطنية الكويتية. لكن برنامج “التكويت” شهد نكسات؛ إذ سجّلت وزارة الصحة التي توظف 61 ألفا في الواقع زيادة عدد الوافدين من 33 ألفا في 2021 إلى أقل بقليل من 39 ألفا، حسب الأرقام الصادرة عن وزير الصحة في البرلمان هذا العام.

وتيرة فصل المعلمين الأجانب، ازدادت منذ دخول قانون “التكويت” حيز التنفيذ، وذكرت وسائل إعلام محلية أن العملية ستشمل في حزيران/يونيو المقبل 1815 مدرسا و209 رؤساء أقسام، وأن المصريين يشكّلون 80 في المئة من المتضررين، وتُقدّر النسبة لدى السوريين بأكثر من 10 في المائة، ويشمل العمال كذلك الوافدين من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كالمغاربة والتونسيين واللبنانيين واليمنيين والعمانيين.

الخبير الاقتصادي علي قيسية يقول في حديثه لـ”الحل نت” إن بعض الدول الخليجية تُصر على تقليص عدد العمال الوافدين حفاظا على الاستقرار الاجتماعي، لأن البعض يعتقد أن وجود عدد كبير من العمالة الأجنبية في بلدانهم، يزيد من المشكلات الاجتماعية، ويؤدي إلى عدم الاستقرار في المجتمع.

الكثيرون في دول الخليج يريدون الحفاظ على الاقتصاد المحلي، إذ يرون نجاح ذلك يكون بتقليص عدد العمالة الأجنبية لدعم الاقتصاد المحلي، وبأن وجود عدد كبير من العمالة الأجنبية يؤدي إلى تدفق العملة الصعبة للخارج، وهذا يضر بالاقتصاد المحلي.

بعض الخبراء يشيرون إلى أن وجود عدد كبير من العمالة الأجنبية يزيد من مخاطر الأمن الوطني، ويجعل الدولة أكثر عرضة للتهديدات الداخلية والخارجية.

آثاره على الوافدين

إن توطين المهن في الخليج يمكن أن يؤدي إلى تحديات وتداعيات كثيرة على الوافدين وعلى دولهم أيضا وخاصة من تعيش بلدانهم نزاعات مسلحة وحروب، حيث يرى قيسية، بأنه يجب أن يتم التعامل مع موضوع الوافدين بحرص وتوفير حماية لحقوقهم بغض النظر عن جنسياتهم.

اقرأ أيضا: فرصة ذهبية تعرفوا إلى تفاصيلها.. تأشيرة عمل جديدة للدخول إلى الإمارات

تقرير لموقع “عرب دايجست” يشير إلى أن الضرر من تطبيق توطين المهن في الخليج، لا يقتصر على الوافدين الأجانب، وإنما يطال دولهم بصفة خاصة، وتكتسي تحويلاتهم المالية إلى أوطانهم أهمية بالغة بالنسبة إلى أسرهم واقتصاداتهم المحلية.

التحويلات المالية من دول مجلس التعاون الخليجي، نمت خلال العقدين الأولين من القرن من 26 مليار دولار إلى 118 مليار دولار، وبلغت نسبة التحويلات المالية في مصر من الناتج المحلي الإجمالي 7.8 في المئة سنة 2021، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 5.8 في المئة، ووصلت النسبة في لبنان، الذي يعاني من اقتصاد مدمر، إلى 21 في المئة سنة 2020.

 

تونس شهدت ارتفاعا أيضا في هذه النسبة، إثر تدهور اقتصادها في الفترة الأخيرة، حيث بلغت حسب أحدث البيانات 6.5 في المئة في منتصف 2021، وكانت التحويلات المالية شريان الحياة بالنسبة إلى البلدان التي مزقتها الحروب مثل سوريا واليمن والسودان، وأصبحت مهددة الآن بعد تكثيف دول الخليج مساعيها لخفض عدد العمال الوافدين.

بدوره يقول قيسية، بأن لقرار توطين المهن في الخليج آثار سلبية عدة يمكن أن يتعرض لها الوافدين، منها تحديد فرص العمل، وذلك من خلال تخصيص بعض الوظائف لهم، مما يقلل من حصولهم على فرص عمل في بعض القطاعات الأخرى، إضافة إلى تراجع المزايا الوظيفية، حيث من الممكن أن يؤدي توطين المهن إلى انخفاض الأجور والمزايا الوظيفية في بعض القطاعات التي يتم توطينها.

قيسية يضيف هنا بأنه قد يتعرض الوافدون لعدم الاستقرار الوظيفي، بسبب تغيير النسب المسموح بها في الوظائف المخصصة لهم، وأيضا فرض قيود على حريتهم في اختيار الوظائف التي يمكنهم العمل فيها، إضافة لذلك، يمكن أن يواجه الوافدون صعوبات في تحويل إقامتهم، إذا كانت الوظيفة التي يعملون فيها تم توطينها ولم يعد بإمكانهم العمل فيها.

وافدون جُدد

الوضع في السعودية يعكس التوجه الخليجي، حيث كانت “السَّعْوَدة” سياسة معلنة على مدى سنوات عديدة، لكنها اشتدت بالتزامن مع إصلاحات ولي العهد محمد بن سلمان، والتي تقوم على توطين الوظائف.

في مقابل توطين المهن المعهودة والتخلي عن الوافدين التقليديين وجدت المملكة نفسها قبلة لوافدين من نوع جديد، وهم العاملون في الشركات الدولية الكبرى التي اضطرت إلى نقل مقراتها الإقليمية إلى الرياض استجابة لضغوط سعودية، بحسب صحيفة “العرب” اللندنية.

وفقا لبيانات شركة الاستشارات العقارية “نايت فرانك”، وجد الوافدون الجدد أنفسهم يواجهون نقصا في المساكن، ويعني هذا أنهم يواجهون سوقا ضيقة وإيجارات باهظة الأثمان.

تقارير صحفية تشير إلى أن السعودية، ضخت تريليون دولار لبناء مساكن في جميع أنحاء البلاد، لكن الطلب أصبح شديدا في الرياض، لأن  بن سلمان يسعى إلى تحويلها لقوة اقتصادية عالمية، حيث صرح في “مبادرة مستقبل الاستثمار 2021” التي يطلق عليها اسم “دافوس في الصحراء” بأنه يهدف إلى جعل الرياض أحد أكبر عشرة اقتصادات في العالم، وهي اليوم تحتل المرتبة 40 بين المدن الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، وأكد هدفه الكامن في زيادة عدد سكانها من 7.5 مليون اليوم إلى حوالي 15 – 20 مليونا في عام 2030.

هل ينجح القرار؟

لا يمكن الجزم بنجاح تطبيق الوظائف في الخليج بشكل عام في الوقت الحالي، وفق المحلل الاقتصادي علي قيسية، حيث أن هذا الأمر يعتمد على عدد من العوامل المختلفة، أبرزها توفر الكفاءات المحلية اللازمة لشغل الوظائف المختلفة، كما يجب أن تكون هناك مرافق تدريبية وتعليمية كافية، إضافة إلى توفير فرص العمل المناسبة للكفاءات المحلية.

قد يتطلب تطبيق توطين الوظائف من وجهة نظر قيسية، تحمل تكاليف إضافية، مثل تكاليف التدريب والتأهيل، وبالتالي يجب على الدول والشركات المعنية بتطبيق هذا الأمر أن تكون قادرة على تحمل هذه التكاليف.

بشكل عام، يجب أن يكون هناك توازن بين توطين الوظائف والحفاظ على النمو الاقتصادي وتحقيق الأهداف الاقتصادية الأخرى، ويجب أن يتم تطبيق هذا الأمر بشكل تدريجي، بحيث يتم توطين الوظائف التي تتوفر فيها الكفاءات المحلية بشكل أولوي، وتوفير فرص التدريب والتأهيل اللازمة لتمكين الكفاءات المحلية من شغل الوظائف المختلفة، وذلك بهدف تحقيق نجاح اقتصادي متكامل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات