بعد توترات عاشها السوداني، وأزمة سياسية على خلفية حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وعزل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ممثلا ضمن التيار المدني في البلاد منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، يبدو أن الأمور عادت لتمضي إلى اتفاق بين الطرفين وباتجاه انهاء الأزمة.

إذ أعلن “المجلس المركزي” لقوى الحرية والتغيير السودانية، أمس الأربعاء التوصل الى اتفاق “إطاري“، أي مبدئي، مع المؤسسة العسكرية يضع ضمانات لتشكيل حكومة مدنية بالكامل.

المجلس وبعد اجتماع له، أعلن في بيان أنه بعد دراسة مستفيضة أقر بالإجماع تصورا بعنوان “نحو عملية سياسية ذات مصداقية وشفافية تُنهي الانقلاب وآثاره وتكمل مهام ثورة ديسمبر“.

الاتفاق الإطاري سيوقّع مع المكون العسكري في غضون عشرة أيام فيما يوقّع اتفاق تفصيلي ونهائي بعد حوالي شهر، حيث قسّم المجلس العملية السياسية الى مرحلتين، تبدأ بمرحلة اتفاق إطاري قائم على التفاهمات التي جرت بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، وأطراف قوى الانتقال الديمقراطي.

تلك التفاهمات تشمل ملاحظات الجيش حول الدستور الانتقالي، إضافة الى أهم القضايا من قبيل وضع إطار دستوري لإقامة سلطة مدنية ديمقراطية انتقالية، فيما تتضمن مرحلة الاتفاق النهائي، بلورة الاتفاق الإطاري في أربع قضايا رئيسية بمشاركة شعبية واسعة من أصحاب المصلحة وقوى الثورة.

اقرأ/ي أيضا: أبرز ملفات قمة “أبيك”.. تهديدات كوريا الشمالية حاضرة؟

النقاط الخلافية بين أطراف السودان

القضايا الأربعة هي؛ العدالة الانتقالية، وتشمل قضية أُسر الضحايا والمتضررين من انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989 وحتى الآن، وثانيا الإصلاح الأمني والعسكري، ويهدف إلى بناء جيش مهني وقومي موحد وفق ترتيبات أمنية متفق عليها.

ثالثا تفكيك نظام الرئيس الأسبق عمر البشير، وحل ما تبقى من هياكل حكم الرئيس المخلوع منذ العام 1989، أما القضية الرابعة تتمثل بـ“اتفاق جوبا لسلام السودان” وإكمال عملية السلام.

الاتفاق يأتي بعد أن باتت قوى الحرية والتغيير ترى أن العملية السياسية أصبحت الآن ممكنة، لأن المكون العسكري قبِل بمشروع الدستور الانتقالي الذي عرضته لجنة المحامين ووافق على أن تكون هياكل السلطة مدنية بالكامل، وأن يتولى رئيس مجلس الوزراء رئاسة مجلس الأمن والدفاع.

الاتفاق وكما تحدث عنه قادة في تحالف قوى الحرية والتغيير، سينهي مخلفات قرارات المجلس العسكري، كما سيضمن للمدنيين حكما سياديا، وهو ما يعني عمليا انسحاب الجيش من السلطة وإلغاء المجلس العسكري الحالي، إضافة إلى ذلك، فأن مجلس الوزراء سيكون مدنيا بالكامل؛ وهو ما يعني ألا يتقلد وزارات الداخلية والدفاع قادة عسكريون كما كان في السابق.

ويتضمن مشروع نص الدستور طبيعة الدولة وسيادة الدستور وحكم القانون ووثيقة الحقوق والحريات الأساسية ومهام الفترة الانتقالية ونظام الحكم الفيدرالي وهياكل السلطة الانتقالية وتكوينها.

اقرأ/ي أيضا: النووي الإيراني نحو أزمة خطيرة.. ما علاقة “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؟

إصرار مدني على مشاركة جميع قوى السودان بالاتفاق

قوى الحرية والتغيير تشدد على أن التوقيع على اتفاق نهائي مع الجيش، لن يتم إلا بعد موافقة جميع القوى الثورية في السودان وأطراف العملية السياسية المعنية، أي تلك التي شاركت في صياغة الوثيقة الدستورية للمحامين إضافة الى الحركات المسلحة وتلك التي وقّعت على اتفاق “سلام جوبا“، والحزب “الشيوعي” السوداني ولجان المقاومة.

يبدو أن الحوار بين قوى إعلان الحرية والتغيير قد تطور باتجاه إيجابي وأثمر تفاهمات يمكن البناء عليها وإن كانت بعض القضايا لا تزال عالقة بين المكونين، ومن القضايا التي نالت الموافقة المبدئية للجيش إبقاء مجلس الوزراء مدنيا بالكامل.

إعلان قوى الحرية والتغيير بشأن هذه التفاهمات يأتي بعد ثلاثة أيام على تصريح لرئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، أقر فيه بوجود تفاهمات مع المكون المدني، وأعقب ذلك حديث محمد حمدان دقلو حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة، عن وجود رغبة وإرادة لدى المجلس لتجاوز الأوضاع الراهنة، والتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى استكمال الفترة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات.

حديث حميدتي جاء خلال استقباله تورك فولكر المفوض السامي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وهو يقوم بأول زيارة له للسودان منذ تعيينه في منصبه تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

بالتالي، فأنه طبقا لتصريحات المسؤولين في المكونين المدني والعسكري، فإن أطراف الحكم وأهل السياسة في السودان باتوا أقرب من أي وقت مضى للتوصل الى توافق سياسي من شأنه أن ينهي المواجهة بين المدنيين والعسكريين.

أصوات معارضة

كذلك ستنضم إلى الاتفاق قوى ناصرت التغيير ولم تكن جزءا من ائتلاف الحرية والتغيير، وبينها “المؤتمر الشعبي”، والحزب “الاتحادي الديمقراطي“، وأحزاب أخرى سيسمح لها جميعا بالمشاركة في اختيار مؤسسات الحكومة والتشريع، في حال وقّعت على الإعلان السياسي، وهو الوثيقة المكملة لمشروع دستور نقابة المحامين الذي اختير أساسا لحل الأزمة السياسية.

ومع توقعات بأن إعلانا سياسيا سيرى النور قريبا، يفضي إلى تفاهمات بين الطرفين، تتسع الأصوات المعارضة للاتفاق المرتقب وسط تيارات وكتل سياسية عدة، أعلن بعضها العزم على مقاومته ورفضه.

في حين تبدو اللجان التي تقود الاحتجاجات في الشارع الأكثر تشددا حيال رفض التسوية المرتقبة ما دامت لا تتضمن إقصاء قادة المجلس العسكري عن السلطة ومحاسبتهم على الانتهاكات التي ارتكبت منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 وما سبقه، إذ سقط 119 قتيلا خلال موجة الاحتجاجات وأصيب ما لا يقل عن 7 آلاف، حسب إحصاءات طبية.

من بين القوى الرافضة تبرز كتلة “مبادرة أهل السودان” كإحدى الواجهات الرافضة للتسوية المنتظرة، ويقول المتحدث باسمها هشام الشواني، إنهم لم يتلقوا تأكيدات من الجيش بقرب الاتفاق مع قوى “الحرية والتغيير”، وأضاف أنه في “حال تأكدنا من ذلك فإن خيارنا سيكون مقاومة هذا الاتفاق، والعمل على إسقاط أي حكومة تقوم وفق مرجعية دستور نقابة المحامين السودانيين“.

بناء على ذلك يرى خبراء أن معارضة التسوية لن تكون هينة؛ فاحتجاجات الشارع لن تتوقف بل قد تتسع، وستبقى إمكانية التعامل معها مستندة على جدية العسكر في تنفيذ الاتفاق وتسويقه بتحقيق مطالب الثوار بألا تغلق الجسور، وبتفكيك النظام السابق، ووقف العنف الممارس ضد الاحتجاجات، وتحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة الجناة.

اقرأ/ي أيضا: نتنياهو نحو تشكيل حكومة جديدة.. ما أبرز الملفات التي تواجهه؟

السودان تقترب من اتفاق وشيك

بالمقابل، أشار تقرير لموقع “الجزيرة نت“، إلى أن الاتفاق الوشيك مع العسكر يحظى بفرصة نجاح كبيرة جدا، لا سيما أنه يستند إلى رغبة واسعة ممن أسماها الكتلة الحرجة التي تمثل أغلب الشعب السوداني لإنهاء الانقلاب واستعادة العون الدولي وإحداث الاستقرار السياسي.

التقرير وبحسب ما نقله عن أحد المسؤولين في قوى الحرية والتغيير، لفت إلى أن، العملية السياسية التي تمضي حاليا تحقق في كثير من عناصرها أهداف الثوار ومطالبهم فيما يخص تحقيق العدالة وإعادة الجيش للثكنات وتحقيق مدنية الدولة والسيادة على المؤسسات العسكرية باعتبار أن الرئيس المدني في الهيكل السيادي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.

ما يزيد من فرص نجاح العملية السياسية مؤخرا، هي الجدية الواضحة لدى الطرف الآخر في المؤسسة العسكرية ورغبته في إنهاء التوتر وتسليم السلطة للمدنيين.

بيد أن هناك معوقات عديدة قد تعترض طريق التسوية المزمعة؛ وبينها وفقا لتقارير، تحركات أنصار النظام المعزول لإفساد المشهد السياسي وتخريبه بشتى السبل عبر المستويات المدنية، أو عبر زرع خلايا داخل القوات المسلحة لإحداث دربكة في المشهد، وهو ما يستوجب على الطرف الآخر ضبط المؤسسة العسكرية وإلزامها بمخرجات الاتفاق النهائية.

اقرأ/ي أيضا: مساعي العراق الدولية لوضع حد للاعتداءات الإيرانية.. ما فرص النجاح؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.