بين بريطانيا والكويت تاريخ حافل بالكثير من الروابط التي تجمع البلدين على مدى أكثر من مئة عام، إلا أن زيارة ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الصباح، إلى العاصمة البريطانية لندن، كما لو فتحت الباب على مرحلة جديدة، حيث حظيت باهتمام كبير على مستوى الجانبين، السياسي والشعبي، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات حول ما وراء ذلك، وما الذي يمكن أن تضيفه هذه الزيارة لتاريخ علاقات البلدين.

الشيخ مشعل، أجرى زيارة رسمية إلى بريطانيا، جاءت بناء على دعوة رسمية من رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الغاية المعلنة منها مشاركته في احتفالية مكتب الاستثمار الكويتي في بريطانيا بمناسبة الذكرى الـ 70 على تأسيسه، وما كانت هذه الاحتفالية بحسب مراقبين، إلا مناسبة لتبرير الدعوة البريطانية، والزيارة الكويتية، فهناك ما وراءها أبعد من ذلك على مستوى العلاقات بين البلدين.

قبل هذه الزيارة الكويتية لبريطانيا، سبق وإن كانت هناك زيارة لولي العهد الكويتي ممثلا عن أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح في شهر أيلول/سبتمبر العام الماضي، لتقديم واجب العزاء في وفاة الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، كما عاد لزيارتها في أيار/مايو الماضي، لحضور مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث ملك المملكة المتحدة، لذا فالزيارة الأخيرة تأتي في أجواء أكثر انسجاما بما يساعد الطرفين الانفتاح على بعضهما، ومناقشة اهتماماتهما وكل ما يشغلهما.

ملفات على طاولة ولي عهد الكويت

فالكثير من الملفات على طاولة الاجتماعات البريطانية الكويتية، وعلى الرغم من أن الجانب الكويتي لم يسهب في الحديث عن أهداف الزيارة، إلا أن السفيرة البريطانية في الكويت بليندا لويس، أشارت إلى أهم تلك الملفات، والتي تعدت حدود الاحتفال بالمكتب الاستثماري، وشملت مجالات حيوية الدفاع والاستثمار والتعاون الثقافي.

بليندا، قالت في تصريحات صحفية، إن من شأن زيارة ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد إلى بلادها الإسهام بتعزيز آليات العمل المشترك بين البلدين، مبيّنة أن الزيارة ستتناول مجالات عدة أهمها تعزيز آلية العمل المشترك في مجال الأمن السيبراني، إذ يشكّل هذا المجال جانبا مهما من التعاون الثنائي، إضافة إلى الجانب الثقافي الذي يشكّل تعاونا على المستويين الحكومي والشعبي.

فيما أشارت إلى أن المكتب الاستثماري الكويتي في بريطانيا لا يزال يبحث عن فرص جديدة للاستثمار في المملكة المتحدة، مؤكدة أن الكويت تمتلك علاقة جيدة مع “بنك إنكلترا المركزي”، حيث كان لبعض أعضاء مجلس إدارته دور كبير في تأسيس مكتب الاستثمار الكويتي بلندن، وأسهموا في نموّه حتى أصبح يشكّل نسبة كبيرة من الإيرادات.

المكتب الاستثمار الكويتي في لندن، هو أول صندوق ثروة سيادي في العالم، وتأسس في العام 1953، حيث يمثل الذراع الرئيسة لـ “الهيئة العامة للاستثمار الكويتية”، إذ يدير نحو 30 بالمئة من أصول وأموال الهيئة التي قُدّرت قيمتها في عام 2022 بنحو 738 مليار دولار أميركي.

في هذا الإطار، يقول الباحث والأكاديمي الكويتي عايد المناع، لموقع “الحل نت”، إن زيارة  ولي العهد مشعل أحمد الجابر الصباح إلى بريطانيا هي أمر معتاد في الحقيقة، كون العلاقات طيبة وتاريخية ما بين البلدين، على الأقل منذ عام 1899، وهو تاريخ توقيع الحماية البريطانية للكويت والتي تمّ استبدالها باتفاقية الصداقة والتعاون ومنحت بريطانيا الكويت الاستقلال في 19 يونيو 1961، والعلاقات بين البلدين استمرت وازدهرت.

المناع، يضيف، أن الكويت أنشأت صندوقا كويتيا مضى عليه 70 عاما، ومكتب الاستثمار الكويتي يقوم بأعماله منذ ذلك الوقت وبمناسبة مضيء 70 عاما على هذا المكتب، وجّه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، دعوة لولي العهد مشعل أحمد الجابر الصباح لزيارة بريطانيا احتفالا بهذه المناسبة وتذكيرا بالعلاقات الطيبة التي تربط البلدين.

مصالح بريطانية في المنطقة الخليجة

بحسب المناع، فإن لبريطانيا مصالح كبيرة في منطقة الخليج وهنا يجب الذكر، أن الملكة إليزابيث زارت الكويت 3 مرات والملك تشارلز الثالث عندما كان ولي العهد زار الكويت 6 مرات، وهناك مصالح اقتصادية، فالكويتيون مستثمرون في بريطانيا، بالمقابل فإن بريطانيا من أكثر الوجهات السياحية للكويتيين.

ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الصباح مع رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك/ إنترنت + وكالات

هناك أيضا تعاون ثقافي تعليمي وفقا لحديث المناع الذي يردف، أنه ثمة أعداد كبيرة من الكويتيين تدرس في بريطانيا، ناهيك عن التدريب العسكري في سانت هيرست، فضلا عن الجانب الأمني، الذي يتمثل بتبادل المعلومات الأمنية سواء العادية أو الأمن السيبراني، خصوصا وأن للبلدين علاقات قوية بهذا الجانب، فلبريطانيا دور في مواجهة التهديدات التي تعرضت لها الكويت عام 1961 وأيضا في حرب تحرير الكويت من غزو نظام صدام حسين عام 1990، لذا فهناك ارتباط واتفاقات عسكرية واضحة بين البلدين.

المناع، يتوقع أنه في الجانب الاقتصادي سيكون هناك مزيد من التعاون والاستثمار الكويتي في بريطانيا، خاصة وأن الأخيرة خرجت من المجموعة الأوروبية، والآن هي متحررة، وذلك يعني تكثيف زياراتها ولقاءاتها بالخليج، وستحظى بذلك بعلاقات متميزة مع الكويت ومع دول الخليج كافة.

بالتالي يعتقد المناع، أن زيارة ولي العهد، سيتم فيها تبادل الحوار حول الأمن الإقليمي في منطقة الخليج، وكذلك الأوضاع الدولية والاضطرابات التي تحدث، وبالتالي معرفة كل طرف لمواقف الطرف الآخر، وهنا يسجّل لبريطانيا أنها لم تضغط على الكويت للحصول على مواقف، لذلك فإن علاقة الكويت مع بريطانيا ستكون كما هي عليها اليوم بل وأفضل في المرحلة المقبلة.

على وقع زيارة ولي العهد، دعت الحكومة الكويتية نظيرتها البريطانية للتوجه نحو الاستثمار في الكويت، في وقت أعلنت فيه عن وصول حجم الاستثمارات الكويتية في بريطانيا إلى 42 مليار دولار، بينما بلغ حجم الأصول الكويتية في بريطانيا 250 مليار دولار.

لذلك، إن زيارة الشيخ مشعل مثّلت محطة مهمة في تاريخ البلدين، لما يمكن أن تنفتح به على الجانبَين اللذين سجلت قيمة التبادلات التجارية بينهما ارتفاعا كبيرا بقيمة التجارة الثنائية والاستثمار بين البلدين بزيادة قدرها 3.118 بالمئة مقارنة بالفترة الممتدة بين الربع الثاني من عام 2021 والربع الأول من العام الماضي.

الكويت من أكبر المستثمرين في بريطانيا

هذا الارتفاع لم يكن صدفة، بل ذلك لأن الكويت تُعد واحدة من أكبر المستثمرين في الاقتصاد البريطاني باستثمارات ضخمة يديرها مكتب الاستثمار الكويتي الذي يؤدي دورا حيويا في الحي المالي لمدينة لندن، فعلى مدى عقود، استثمرت الكويت في قطاعات حيوية بالمملكة المتحدة مثل العقارات والبنية التحتية، فيما يتطلع الجانبان الآن لتنويع التعاون الثنائي في الصناعات الديناميكية والناشئة والتكنولوجيا المبتكرة.

ولي العهد الكويتى يرعى احتفالية بمرور 70 عاما على تأسيس مكتب الاستثمار الكويتي في لندن/ إنترنت + وكالات

يشار إلى أن، اتفاقية الحماية مع بريطانيا التي أبرمها الشيخ مبارك الكبير في عام 1899، هي من دشّنت العلاقات الثنائية بين البلدين، وهي اتفاقية تُلزم الكويت بألا تتنازل عن أي جزء من أراضيها بدون موافقة الحكومة البريطانية مقابل أن تتعهد الأخيرة بحماية الكويت من الاعتداءات الخارجية.

على هذا الأساس، استمرت بريطانيا في مساندتها للكويت كما قبلت أن تكون عرضة للأخطار ومنها التهديدات العثمانية في مطلع القرن الماضي، التي أشكلت حول السياسة التي تبنتها الكويت ورسّخها الشيخ مبارك الكبير، حيث أصرت لندن على الوقوف إلى جانب الكويت مؤيدة ومساندة ضد هذه التهديدات.

علاقة الكويت وبريطانيا استمرت وفقا لذلك، بل عادت المملكة المتحدة لتبرهن موقفها مجددا من الكويت في العام 1961، عندما قدمت الدعم للكويت بسبب إقدام حاكم العراق الأسبق عبد الكريم قاسم على تهديد البلاد فور إعلان الكويت استقلالها، وتكرر الموقف البريطاني مع الكويت عام 1990 حين قرر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين غزو الكويت.

إلى ذلك، وبناءً على سجل تاريخ ومواقف البلدين العميقة، تستعد كل من لندن والكويت، إلى الاحتفال خلال العام المقبل، بـ”عام الصداقة البريطانية – الكويتية” الممتدة منذ 125 عاما لتأسيس العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين، على أن تُقام فعاليات ثقافية مصاحبة لهذه المناسبة على المستوى الشعبي، بحسب السفيرة البريطانية في الكويت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات