تقدم ملحوظ نحو التطبيع والسلام، شهدته منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مؤخرا، بعد حصول التقارب السعودي الإيراني الأخير، والمحاولات فيما يخص إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، والتي ستؤدي إلى تحسين العلاقات بين الرياض ودمشق، ما انعكس أثره بشكل إيجابي على تحسن العلاقات البحرينية القطرية التي عانت من القطيعة لسنوات.

جذور التوترات بين البحرين وقطر تمتد بشكل عميق في التاريخ. لكن في 12 نيسان/أبريل الماضي، اتفقت المنامة والدوحة على استعادة العلاقات الدبلوماسية رسميا بعد حوالي ست سنوات، من كون البحرين أول دولة عربية تقطع علاقاتها مع قطر في بداية أزمة مجلس التعاون الخليجي الّتي امتدت من العام 2017 إلى العام 2021.

وزارتا خارجية قطر والبحرين، أكدتا استعادة العلاقات بينهما “وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأحكام معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية الدبلوماسية في العام 1961” مع التأكيد على رغبتهما في “تعزيز الوحدة والتكامل الخليجيين بموجب النظام الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي”، وفقا لتحليل نشره موقع “ريسبونسبل ستيتكرافت” الأميركي.

من جانبها نقلت صحيفة “الشرق” القطرية عن مصادر لم تسمها، بأن السلطات المختصة في قطر والبحرين، قد بدأت الخطوات العملية لاستئناف رحلات الطيران بينهما، بعد قرار عودة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين في نيسان/أبريل الماضي.

كانت الحكومة البحرينية قد أكدت في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، أن طيران الخليج الناقل الوطني للجزيرة الخليجية، قدم عدة طلبات لهيئة الطيران المدني في قطر لاستئناف الرحلات بين البلدين، دون أن تتلقى المنامة أي رد من جانب الدوحة.

تقارب مهم

تحليل موقع “ريسبونسبل ستيتكرافت” الذي كتبه الكسندر لانجلو، وجورجيو كافيرو، ينقل عن ستيفن رايت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “حمد بن خليفة” بأن “التقارب البحريني القطري، يمثل بداية فصل جديد في علاقتهما التاريخية المعقدة، قائم على التعاون البراجماتي، لكنه لا يزال يتسم بالتنافس”.

اتفاق العلا في الرياض 2021 (أي أف بي)
اتفاق العلا في الرياض 2021 (أي أف بي)

التقارب البحريني القطري مهما، نظرا للجهود المستمرة لتعزيز وحدة الخليج العربي في أعقاب “قمة العلا” التاريخية في كانون الثاني/يناير 2021، وعلى الرغم من أن القمة اتخذت قرارا برفع الحصار عن قطر، ظلّت العلاقات بين المنامة والدوحة سلبية للغاية منذ أن بدأتا التقارب العام الماضي.

قد يهمك: ما المتغيرات التي ستؤثر على شكل العلاقات الإماراتية القطرية؟

كان للبحرين وقطر، الثنائيين الغريبين في دول مجلس التعاون الخليجي بامتياز، على مر السنين نصيب من النزاعات والخلافات، المدفوعة في الغالب بالمنافسة التقليدية على الصلة بين الجيران الأكبر والأكثر قوة، وفق تصريح لجوزيف آي كيشيشيان، أحد الأعضاء بـ”مركز الملك فيصل” في الرياض، لموقع “ريسبونسبل ستيتكرافت”.

من جهته يقول الباحث والأكاديمي العراقي عماد الدين الجبوري في حديثه لـ”الحل نت” بأن عودة العلاقات بين البحرين وقطر، تمثل خطوة مهمة نحو تخفيف التوتر في المنطقة وتعزيز الاستقرار السياسي، وبمعنى أدق هي تتمة لما تم التوصل إليه في “قمة العلا” في الرياض قبل سنتين.

الجبوري يضيف هنا بأنه، يمكن اعتبار عودة العلاقات البحرينية القطرية لمّ شمل البيت الخليجي وتعزيز لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، فالعلاقات الجيدة بين دول المجلس تعد أساسا لأمن المنطقة، وتساهم في تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بين الدول الأعضاء.

أيضا يتيح التقارب بين البلدين للدول الأعضاء في المجلس فرصة جديدة لبحث القضايا الإقليمية والدولية المشتركة، والعمل معا لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام، من وجهة نظر الجبوري، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد عودة العلاقات البحرينية القطرية في تقوية دور المجلس التعاون في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، بما في ذلك التحديات الأمنية والاقتصادية والتنموية، لتحقيق الاستقرار والتنمية في الخليج العربي، وفق تعبيره.

دور سعودي

إن استعادة العلاقات بين قطر والبحرين من المتوقع أن تحفز التعاون الثنائي وإجراءات بناء الثقة، بما في ذلك زيادة التجارة والاستثمار والجهود المشتركة لمعالجة نزاعات الحدود البحرية، بالإضافة إلى ذلك، فإنها تمهد الطريق لمشاركة أكبر في المبادرات التعاونية متعددة الأطراف تحت قيادة السعودية.

اقرأ أيضا: ​​الاستثمارات الإماراتية الرقمية.. تأثير على الاقتصاد السوداني أم زحام مع أنقرة؟

البحرين تعرضت لضغوط كبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي لاستعادة العلاقات مع قطر، حيث أن السعودية هي من قادت تلك الضغوط فبالنسبة للرياض، فإن العلاقات المستقرة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، تبشر بالخير بالنسبة للتكامل الاقتصادي للمنطقة، وهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق أجندة رؤية المملكة 2030، وفقا لتحليل الموقع آنف الذكر.

إنه مع التحديات الاقتصادية الخاصة بها، ستستفيد البحرين من علاقات الطاقة والاستثمار والتجارة والسياحة مع قطر، وهي دولة أكثر ثراء. من جانبهم، سيشعر القطريون بالارتياح لوضع حصار 2017-2021 خلفهم، حتى لو لم يتم حل التوترات الكامنة بشكل كامل.

في ذات السياق، يقول الجبوري بأن البحرين تعد الدولة الخليجية الوحيدة التي لديها عائدات محدودة، لأنها لا تمتلك ثروة هائلة من النفط والغاز مقارنة بما تمتلكه قطر من هذه الثروة، لذا تنظر البحرين إلى هذا التقارب بأنه استثمار سيصب في مصلحتها، كما ترى أيضا قطر بأن هذا الاستثمار مفيد لها، ويدعم اقتصادها الداخلي أيضا.

تحديات المقبلة

على الرغم من وجود الكثير من التفاؤل بين المسؤولين الخليجيين بشأن مستقبل العلاقات البحرينية القطرية، ووحدة دول مجلس التعاون الخليجي على نطاق أوسع، فإن ماضي المنامة والدوحة المتقلب لا يزال بحاجة إلى عمل جاد للتغلب عليه، فبالإضافة إلى القضايا الثنائية الإقليمية وغيرها من القضايا التي لا تزال دون حل، تواصل الدوحة علاقات جيدة مع طهران، بينما تعتبر المنامة أن الجمهورية الإسلامية أكبر تهديد خارجي لها.

الرياض تجمع لقاء بين وزيري خارجية البحرين وقطر |courtesy
الرياض تجمع لقاء بين وزيري خارجية البحرين وقطر |courtesy

بالمثل، تتبنى الدولتان مواقف مختلفة جدا بشأن التطبيع مع كل من دولة إسرائيل والحكومة السورية، حيث تواصل البحرين إعادة العلاقات مع دمشق وتقترب أكثر من تل أبيب، ومع حصول كلتا دولتي الخليج على مكانة الحلفاء الرئيسيين من خارج “الناتو”، ترحب واشنطن بعلاقات أفضل بين جميع حلفائها وشركائها في المنطقة، لا سيما بالنظر إلى حقيقة أن مقر الأسطول الخامس الأميركي يقع في البحرين، بينما يقع مقر القيادة المركزية الأميركية في قطر، بحسب موقع “ريسبونسبل ستيتكرافت”.

أزمة دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة من 2017 إلى 21، كانت بمثابة صداع كبير لواضعي السياسات في الولايات المتحدة الذين رأوا أن الأزمة في الغالب ملفقة وذات نتائج عكسية وضارة بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة.

في موازاة ذلك يتوافق رأي الباحث عماد الدين الجبوري، مع ما أورده التحليل حيال الموقف الأميركي من التقارب البحريني القطري، حيث يرى بأن الجانب الأميركي يرحب بهذا تقارب، لأن استقرار المنظومة الخليجية، يعني الكثير سواء لدول الخليج بحكوماتها وشعوبها، علاوة على المنطقة العربية بشكل عام، وفق تعبيره.

إذ تعتبر الولايات المتحدة الأميركية شريكا استراتيجيا للدول الخليجية، وتتابع عن كثب التطورات السياسية والاقتصادية في المنطقة، ويمكن القول إن الولايات المتحدة تدعم الجهود التي تسعى إلى تعزيز العلاقات بين دول الخليج، وذلك لأنها تعتبر ذلك ضروريا للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الولايات المتحدة الأميركية قوة عالمية رئيسية في مجال التجارة والاقتصاد، وترحب بأي تطورات تسعى إلى تحسين العلاقات الاقتصادية بين الدول. ولذلك، ويرى مراقبون بأن الولايات المتحدة ترحب بتقارب العلاقات الاقتصادية بين البحرين وقطر، إذ يمكن أن يساعد ذلك في تحسين العلاقات التجارية بين البلدين وتعزيز التعاون الاقتصادي في المنطقة بشكل ينعكس إيجابيا عل الجميع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات