إيران كشفت النقاب عما قالت إنه “الجيل الرابع” من صاروخها الباليستي “خرمشهر” تحت اسم “خيبر”، والذي يبلغ مداه 2000 كيلومتر مع رأس حربي وزنه 1500 كيلوغرام، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول أبعاد تطوير إيران لمنظومة صواريخها والإعلان عن هذا الصاروخ البالستي الجديد طويل المدى، في هذا التوقيت بالذات، لما تشهده المنطقة من توترات ومتغيرات، فضلا عن المشاحنات بينها وإسرائيل التي لم تهدأ منذ سنوات طويلة.

بالإضافة إلى ذلك، كيف يمكن فهم هذه الخطوة في ظل عسكرة إيران لملفاتها الخارجية والإقليمية وتورطها في صراعات المنطقة والحرب الأوكرانية، وماذا سيكون موقف ورد فعل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تجاه هذه الخطوة، في حين اعتبرت واشنطن هذه الخطوة تهديدا خطيرا للأمن الإقليمي والدولي.

فيما اتهمت فرنسا إيران بانتهاك “قرار مجلس الأمن الدولي” الذي صادق على الاتفاق النووي لعام 2015 بعد أن اختبرت صاروخا باليستيا بعيد المدى، وقالت باريس إن الاختبار مثير للقلق بسبب التوسع المستمر لبرنامج إيران النووي.

التمسك بالبرنامج النووي؟

نحو ذلك، قالت “وكالة الإيرانية للأنباء” (إرنا)، يوم أمس الخميس، إنه “تم الكشف عن أجدد صاروخ باليستي إيراني وأحدث منتجات منظمة الصناعات الفضائية الجوية التابعة لوزارة الدفاع اليوم في احتفال حضره وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني”. وأردفت الوكالة أن الخصائص المتفوقة لصاروخ “خيبر” المصنع محليا تشمل سرعة الإعداد والإطلاق مما يجعله سلاحا تكتيكيا بالإضافة إلى أنه سلاح استراتيجي.

هذا ووسعت إيران برنامجها الصاروخي، لا سيما صواريخها الباليستية، الذي يواجه معارضة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي عبرت عن قلقها من نهج إيران في هذا الملف. في حين تخشى إسرائيل من أن هذه الصواريخ قد تُستخدم يوما ما لإطلاق رأس حربي نووي محتمل.

يوم أمس الخميس، أكدت القناة الإسرائيلية “الـ 12″، أن توقيت كشف إيران عن صاروخها الجديد “خيبر” يعد جزءا من ردعها لإسرائيل، وتوقيته هما جزء من نظرية الردع الإيرانية الخاصة بردع إسرائيل وتهديداتها.

يأتي إعلان إيران عن هذا الصاروخ في إطار جهودها المتواصلة لتعزيز ترسانتها العسكرية، وذلك ضمن استراتيجية الدفاع الأمامي التي تنتهجها تجاه خصومها الدوليين والإقليميين، وهو إعلان سبقه الإعلان عن العديد من الأسلحة البحرية والجوية النوعية، وذلك في وقت تعقدت فيها علاقات إيران مع الولايات المتحدة والقوى الغربية بعد تعثر مفاوضات إحياء الاتفاق النووي وأثارت مشاركة إيران إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا، حسب تقدير المحلل السياسي والباحث في “المعهد الدولي للدراسات الإيرانية”، محمود حمدي أبو القاسم.

كما ويؤكد هذا الإعلان على تمسك إيران ببرنامج صواريخها الباليستية على الرغم من الانتقادات والضغوط الدولية، وذلك بوصف هذا البرنامج خط أحمر، وأحد أركان عقيدة إيران العسكرية منذ الثمانينيات من القرن الفائت، وأحد عناصر الردع الاستراتيجي بالنسبة لطهران، على حد وصف أبو القاسم.

صحيفة “نيويورك تايمز” كانت قد ذكرت في وقت سابق أن ترسانة الصواريخ الإيرانية هي الأكبر في الشرق الأوسط والأكثر تنوعا، مشيرة إلى أن الجنرال، كينيث ماكنزي جونيور، الذي تقاعد مؤخرا كقائد لـ”القيادة المركزية الأميركية”، قال أمام لجنة القوات المسلحة في “مجلس الشيوخ الأميركي” العام الماضي “لديهم أكثر من 3000 صاروخ باليستي من أنواع مختلفة، بعضها يمكن أن يصل إلى تل أبيب”.

كينيث ماكنزي جونيور أردف “على مدى السنوات الخمس إلى السبع الماضية، استثمروا بكثافة في برنامج الصواريخ الباليستية. صواريخهم لها مدى أكبر بكثير ودقة معززة بشكل كبير”.

كما أن أصفهان، في وسط إيران، هي مركز تنتج فيها إيران أبحاثها وتطور فيه الصواريخ، بما في ذلك تجميع صواريخ شهاب الباليستية متوسطة المدى، والتي يمكن أن تصل إلى إسرائيل وخارجها.

بالتالي فإن هذا يثير المخاوف لأن الصواريخ الباليستية لطالما اعتبرت نظاما يمكن استخدامه لسلاح نووي محتمل، وفق حديث، مارك فيتزباتريك، المسؤول السابق في “وزارة الخارجية  الأميركية”. ولم يثبت العلماء الإيرانيون حتى الآن أنهم أتقنوا المهمة الصعبة المتمثلة في إطلاق صاروخ باليستي يمكنه حمل رأس نووي بنجاح وإطلاقه إلى هدفه، لكن طهران لديها ما لا يقل عن تسعة صواريخ باليستية قد تكون قادرة على مثل هذا العمل، على الرغم من قول طهران إن برنامجها الصاروخي دفاعي بحت ويهدف إلى الردع، بحسب وكالة “رويترز“.

رسائل للغرب ومخاوف للخليج؟

أبو القاسم يقول أيضا أن هذا الإعلان يأتي في هذا التوقيت تحديدا بالنظر إلى حالة التصعيد من جانب إسرائيل التي أعلن رئيس أركانها باستعداد إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية. فإيران من وراء إطلاق هذا الصاروخ تريد أن تبعث برسالة إلى إسرائيل أولا بأن أي هجوم عليها سوف يجعل تل أبيب في مرمى صواريخ طهران الباليستية.

ثانيا هو رسالة للولايات المتحدة والغرب بأن أي هجوم عليها سوف يشعل مواجهة إقليمية، العالم في غنى عنها، ومن ثم هو رسالة للولايات المتحدة للتأثير على إسرائيل وعدم جر المنطقة إلى حرب، الجميع غير مستعد لها، وفق تحليل أبو القاسم.

مع أن الإعلان عن التجربة هذه موجه بالأساس إلى واشنطن والغرب وإسرائيل، لكنه يثير مخاوف السعودية ودول الخليج أيضا، وربما يشكك في نوايا إيران وحقيقية موقفها من التهدئة والحوار وتطبيع العلاقات، حيث إن الإعلان يعتبر بمثابة تصعيد في وقت تأمل فيه دول المنطقة في أن ترى تعديلات جوهرية فيما يخص سلوك إيران بما يقود المنطقة نحو الاستقرار، حسبما يقدر أبو القاسم.

بالتالي، فإن هذا يكشف حقيقة عدم كف طهران عن السير في مشروعها العدائي بدول المنطقة ورغبتها في توسيع نفوذها وتنميته قدر المستطاع وبشتى الطرق، الأمر الذي سيؤثر حتما على أمن واستقرار المنطقة برمتها.

تعقيد المفاوضات النووية؟

اختبار طهران للصاروخ الباليستي “خيبر”، يأتي بعد يومين من إثارة رئيس “هيئة أركان الجيش الإسرائيلي” هرتسي هاليفي احتمال اتخاذ إجراء ضد إيران في الوقت الذي تتعثر منذ أيلول/سبتمبر الماضي جهود القوى الدولية الست لإحياء اتفاق طهران النووي المبرم عام 2015 وسط مخاوف غربية متزايدة بشأن تقدم طهران النووي المتسارع، ولا سيما مع إعلانها قبل أشهر ليست ببعيدة باقتراب وصول نسبة تخصيب اليورانيوم في إيران إلى 90 بالمئة، بما يسمح لها البدء بإنتاج قنبلة نووية.

لا شك أن الاختبار الإيراني للصاروخ الباليستي أضاف تعقيدات جديدة بشأن المفاوضات النووية، إذ إن الإعلان عن الصاروخ يؤكد على أن إيران ترغب في فصل الملفات والقضايا المختلف عليها بما فيها البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي والسلوك الإقليمي بعضها عن بعض، وهو توجه يعقد من علاقة القوى الدولية والإقليمية مع طهران ويؤثر على تحقيق اختراق كبير في أي من الملفات، حسبما يقول أبو القاسم.

صورة للمفاوضات النووية الإيرانية- “إرشيفية، إنترنت”

هذا وانتقدت واشنطن الخطوة الإيرانية هذه، وأكد المتحدث باسم “الخارجية الأميركية”، ماثيو ميللر، أنه رغم القيود المفروضة على أنشطة إيران المتعلقة بالصواريخ بموجب قرار “مجلس الأمن الدولي” رقم “2231” تواصل إيران السعي للحصول على مجموعة من تقنيات الصواريخ من الموردين الأجانب وإجراء اختبارات الصواريخ الباليستية في تحد للقرار.

ميللر أردف في حديث لموقع “الحرة” الأميركي “نواصل استخدام مجموعة متنوعة من أدوات عدم الانتشار بما في ذلك العقوبات لمواجهة التقدم الإضافي لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وقدرته على نشر الصواريخ والتكنولوجيا ذات الصلة للآخرين”.

تثير هذه التصرفات الإيرانية مخاوف من حدوث صدام عسكري بين إسرائيل وإيران، بالنظر إلى أن تقدم الأخيرة في الحصول على أسلحة متطورة يشكل تهديدا أمنيا للعديد من دول المنطقة، وخاصة إسرائيل، الأخيرة التي لن تسمح لطهران بامتلاك أسلحة نووية، وهذا خط أحمر بالنسبة لها. أما واشنطن فبكل تأكيد ستذهب لخيار تشديد العقوبات واتباع سياسة المفاوضات بدلا من الخيار العسكري.

مما لا شك فيه أن سياسية إيران الخارجية ما تزال مدفوعة بتأثيرات أيديولوجية وما تزال تخضع لتأثير “الحرس الثوري الإيراني” الذي ربما غير راضٍ عن الحوار والانفتاح الذي تسير فيه الحكومة الإيرانية حاليا، ومن ثم فإنه من خلال تجربته الصاروخية يريد تعقيد الأمور وتهدئة الاندفاع نحو التهدئة والحوار لاسيما أنه تحمل تكلفة كبيرة في بناء نفوذ إيران في المنطقة وهو ليس مستعدا للتنازل عن ذلك، حسبما يقوله أبو القاسم.

في العموم، يعتبر إقدام إيران لهذه الخطوة وتطويرها لنظامها الصاروخي تهديدا خطيرا للمنطقة والأمن العالمي أيضا، الأمر الذي سيدفع الدول الغربية  وعلى رأسهم واشنطن، إلى تبني أدوات ووسائل مختلفة، بما في ذلك استراتيجية العقوبات، للحد من قدرة طهران على تطوير الصواريخ الباليستية ونقل التكنولوجيا ذات الصلة إلى أطراف أخرى. وبالتالي زيادة التوترات بين هذه الأطراف خلال الفترة المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات