خطوة مقابل خطوة، هكذا شُكلت محددات مسار عودة العلاقات بين سوريا ومحيطها العربي في أعقاب القرار بعودتها إلى “جامعة الدول العربية” مرة أخرى الأحد الماضي. حيث نص القرار الرسمي بشأن عودتها إلى “الجامعة العربية” على تشكيل لجنة اتصال وزارية تتكون من الأردن ومصر والسعودية والعراق ولبنان والأمين العام للجامعة وذلك من أجل متابعة تنفيذ بيان عمان والاستمرار في الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل لحل شامل للأزمة السورية وفق منهجية “الخطوة مقابل الخطوة” التي تنسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.

جس نبض                                                                  

بناءا على قرار الجامعة، ستكون الفترة القادمة بين سوريا والدول العربية عبارة عن جس نبض لإمكانيات تحقيق عملية تطبيع حقيقية للعلاقات على كافة المستويات والأصعدة. تؤكد هذا كلمات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، حيث يرى أن القرار بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، “مجرد بداية متواضعة جدا لعملية ستكون طويلة جدا وصعبة وتنطوي على تحديات كبرى خاصة في ظل العقوبات الموقّعة عليها”. وفي ظل الافتقاد لتوافق أممي حول الملف السوري، تحاول الدول العربية إدارة ذلك الملف بشكل مستقل ولكنه يتضمن في جوهره الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 2254.

الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية وائل علوان، يرى أن مشكلة مبدأ الخطوة بخطوة أنه غير مؤطر منهجيا من قبل الأمم المتحدة، ويضيف لـ “الحل نت”، “لكن ربما يعوض عن ذلك المبادرة الأردنية الواضحة والتي سميت (المبادرة العربية) والتي تأتي ضمن سياق قرار مجلس الأمن رقم 2254”. ولهذا القرار محورية كبرى في الملف السوري، فهو القرار الذي لازالت تتمسك به الولايات المتحدة في موقفها من سوريا، ويعقب مسئول أردني أنه سيتعين على سوريا أن تظهر جديتها في التوصل إلى حل سياسي فذلك هو الشرط المسبق من أجل رفع العقوبات الغربية وهي الخطوة الحاسمة قبل توفير التمويل اللازم لإعادة إعمار البلاد.

مرهون بموقف واشنطن

الموقف الأميركي الذي بدا غير مكترثا في إدارة بايدن كان مشجعا على التقارب العربي، ولكن ذلك الموقف لا يعني تراخيا بشكل كامل، فلا زال الموقف الأميركي يملك حضورا يحدد الكثير من إمكانيات تحقق “المبادرة العربية”.  المحلل السياسي الأميركي بمعهد “هدسون” ريتشارد وايتز في حديث إلى موقع “الحرة” يرى أن، “سوريا لا تمثل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة، أو على الأقل ليست تهديدا كبيرا لهذه المصالح، فهو جيش أرهقه عقد من القتال وتدعمه خزينة خالية”.

هذا بدا واضحا جدا في تعليق الخارجية الأميركية على قرار عودة دمشق إلى الجامعة،ففي تعليقها لم تلوح واشنطن بالتزامات قانون قيصر وعقوباته، ولكنه على كل حال لم يصبح شيئا من الماضي، لذلك تطلب واشنطن ثمنا لذلك القرار. فوفقا لمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فإن واشنطن رغم انتقادها للقرار الذي ترى أن سوريا لا تستحقه، إلا أنها تتفهمه لحل صراع طال أمده، وتتفق مع حلفائها على الأهداف النهائية لهذا القرار.

الصحفي المختص بشؤون المنطقة آلان سركيس، يرى أن، “الحل في سوريا يتطلب موافقة أميركية وروسية، لكونهما الفاعلين الأساسيين في سوريا، فبالتالي لايزال الحل بعيد المنال”. ويضيف سركيس “للحل نت”، “يُمكن أن تُعد تلك الخطوة تقدما كبيرا في ملف سوريا، ولكن بدون الرضا الأميركي والروسي، فإن هذه الخطوات ستبقى في إطار ضيق لا يؤسس لحل شامل، وهو الحل الذي يتعلق بمستقبل النظام وموضوع إعمار سوريا الذي يتطلب مبالغ مالية ضخمة، وحل أزمة اللاجئين، وتلك الأمور وإن كانت تحتاج لمظلة عربية واتفاق سعودي إيراني، وهو ما تحقق، إلا أنها مازالت تحتاج لاتفاق روسي أميركي ترعاه الأمم المتحدة”.

الإدارة الأميركية لم تعد تضع ثقلها السياسي لعرقلة التطبيع مع الأسد ولكنها تريد أن يكون الثمن في المقابل فيما يخص التسويات السياسية والقرار 2254، حتى يكون سندا لها في مواجهة ضغوط “الكونغرس” الذي يسعى إلى تمديد “قانون قيصر” وإقرار “قانون الكبتاغون” بعقوبات شديدة العام المقبل.

الوثائق المسربة بشأن الإتفاق العربي الذي جرى عقده في عمان، تُظهر أن مراعاة الموقف الأميركي تلعب دورا كبيرا في سياسة الخطوة مقابل خطوة تلك، فقد حُدّدت ستة بنود جوهرية في سياسة الخطوة مقابل خطوة كان أهمها، مدى إلتزام سوريا بالقرار 2254 الذي تتمسك أميركا بتطبيقه وهو الذي سيحدد الموقف من رفع العقوبات بشكل تدريجي، وسيكون تقليص النفوذ الإيراني مشجعا على انسحاب الجيش الأميركي وقوات التحالف الدولي من شمال شرقي سوريا.

إشكالية الدعم الإقتصادي

“هناك هوامش واسعة تستطيع من خلالها الدول العربية التحرك لتقليل موضوع الكوارث المعيشية في مناطق سيطرة النظام من خلال الدعم الاقتصادي”. يقول وائل علوان، “لأنها تريد أن تخفف المشكلات الداخلية في مناطق سلطة النظام وتكون بديلا عن تجارة الكبتاغون، لكن إمكانية تقديم دعم اقتصادي غير مشروط تبدو مستبعدة، المتوقع هو دعم مشروط ضمن الهوامش الإنسانية وليس دعم مشروط بشروط سياسية”.

قانون “قيصر” والتنازلات التي يمكن أن يقدمها النظام تقف عقبة في وجه الدعم الاقتصادي غير المشروط من قبل الدول الراغبة وإعادة الإعمار. يؤكد وليام رويبوك السفير الأميركي في البحرين سابقا  في تحليل له نُشر في معهد “دول الخليج العربية في واشنطن” فبتهديد عقوبات ذلك القانون الذي ينص على أن تستهدف تلك العقوبات الأجانب الذين يقدمون خدمات بناء أو هندسة مهمة للحكومة السورية أو دعم مالي وتكنولوجي مهم، سيكون من الصعب أن تستأنف دول الخليج علاقتها مع سوريا أبعد من الخطوط الدبلوماسية الحالية وستوقف وتمنع بشدة أنواعا معينة من العلاقات الاقتصادية”. لذلك يجب على سوريا أن تقدم أثمانا وخطوات بشأنها في المقابل ألا تحرج من يرغب في دعمها من أصدقاء أمريكا العرب.

يُمكن أن تُعد تلك الخطوة تقدما كبيرا في ملف سوريا، ولكن بدون الرضا الأميركي والروسي، فإن هذه الخطوات ستبقى في إطار ضيق لا يؤسس لحل شامل.

آلان سركيس

“مسار العقوبات سيأخذ مسارا طويلا، ولكن يمكن للصداقات مع أميركا أن تخفف تلك العقوبات قليلا”. هكذا يرى سركيس، ويضيف،”ولكن الحلم بأن اتفاق عربي سيطيح بالعقوبات هذا رهان خاطئ، ومرهون بصفقة بين النظام الأميركي وسوريا. ويبدو أنها لن تُزال عن سوريا في القريب العاجل لأن الإدارة الأميركية لا تتوافق مع الأسد”.

أثمان دمشق

الثمن الذي يجب أن تدفعه سوريا، هو ما تؤكد عليه واشنطن، وما تسميه المبادرة العربية “الخطوة مقابل الخطوة” وأكدت واشنطن دائما على أن الإلتزام بالقرار 2254 هو الثمن المقبول من دمشق، لكن هناك أثمان أخرى سيتعين عليها أن تدفعها كما يرى وائل علوان، “إمكانية تفعيل استراتيجية خطوة مقابل خطوة مستندة إلى نظرتنا وفهمنا لاستجابة النظام. ولا يتوقع استجابة كبيرة جدا من النظام، لكنه يستطيع أن يقدم بعض الأشياء  وإن كانت بسيطة في موضوع مكافحة المخدرات وموضوع القضايا الأمنية، ولكنه سيحاول ابتزاز المجتمع الدولي وابتزاز الدول العربية في ذلك”. بينما يرى سركيس أن هناك ثمنا قد دفعته دمشق بالفعل وهو العودة إلى الحضن والإجماع العربي حيث يقول، “ذلك يعني أن تكون مواقفها متماهية مع الموقف العربي الجامع، أي لا تعود سوريا منصة ايرانية بل تعود كما هي سوريا العربية. والخطوات الأمنية الكبرى التي يمكن أن تتعاون فيها سوريا  هي تعطيل معامل الكبتاغون الكبرى ومنع تصديره، لأن هذا الأمر يهدد الأمن الإجتماعي في الخليج، لذلك ضرب معامل الكبتاغون وعدم تصديره من أهم الأمور التي يمكن أن تقدمها بالإضافة للشق السياسي المتمثل بالدعم السياسي للموقف العربي”.

عموما، لا تعدو خطوة عودة سوريا إلى الجامعة كونها أكثر من خطوة رمزية حتى الآن عن التقارب العربي، فاختبار جدية تلك الخطوة مرهون بالموقف الدولي، كما أن بيان “جامعة الدول العربية” أكد على أن القرار حتى الآن لا يعني استئناف العلاقات بين الدول العربية وسوريا، فالأمر متروك لكل دولة لتقرير ذلك وفق رؤيتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4.5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات