مشروب الشاي الذي يُعد أساسيا في كل منزل سوري وكل مكان يجتمع فيه الأقارب والأصدقاء، يبدو أنه سيتحول لمادة محظورة خلال الفترة القادمة، بعدما أصبحت أسعار مكوناته تشكّل عبئا ماديا ثقيلا على السوريين، بسبب ارتفاع الأسعار وفشل الجهات الحكومية في تأمين هذه المواد بأسعار تناسب دخل المواطنين السوريين.

تزامنا مع ارتفاع كافة أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية في سوريا، شهدت مادتي السكر والشاي ارتفاعات صدمت السوريين خلال الأيام الماضية، الأمر الذي جعل بعض العائلات تفكّر في الاستغناء عن مشروب الشاي.

الاستغناء عن مشروب الشاي؟

مادة السكر سجلت اليوم بحسب ما نقله موقع “الليرة اليوم”، سعر 9 آلاف ليرة سورية للكيلو الواحد، بعدما كان سعره لا يتجاوز 7500 ليرة قبل نحو أسبوع، الأمر الذي أثّر بشكل سلبي على كافة المواد الغذائية التي تدخل في صناعتها مادة السكر مثل الشوكولا والبسكويت، إضافة إلى المثلجات، التي شهدت ارتفاعا بنسبة تتراوح بين 15 و20 بالمئة.

كذلك سجلت مادة الشاي ارتفاعا في أسعارها بنسبة بلغت 10 بالمئة عن أسعار الشهر الماضية، وقد أفاد موقع “أثر برس” المحلي، أن الارتفاع الأخير في أسعار المواد الأساسية “أثار استياء سكان العاصمة دمشق وريفها ولربما كل المحافظات، على الرغم من التأكيدات الحكومية بمحاولة الحد من ازدياد سعره، بعدما شهدت الأسواق أجواء من الانفلات السعري، حتى أصبحت ميزانية الأسرة غير قادرة على شراء الضروريات”.

“ذهبت لشراء الشاي والسكر وتراجعت عن قراري”، قال حسام العلي وهو أب في عائلة مكونة من سبعة أفراد ويعيش في مدينة حلب، مشيرا إلى أنه يفكر في الاستغناء عن مشروب الشاي في المنزل بعد الارتفاع الأخير في أسعار السكر والشاي.

العلي أضاف في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “الشاي هو مشروبنا الرئيسي في المنزل، ويطلبه الأطفال على الفطور يوميا، لكن مع هذه الأسعار أصبح مشروب الشاي يحتاج إلى ميزانية مخصصة لا تقل عن 20 ألف ليرة شهريا، والدخل المحدود لا يساعد على ذلك أبدا، ربما نستغني عنه أو نقلل كثيرا من استهلاكه”.

ماذا عن الدور الحكومي؟

الجهات الحكومية بدورها، أكدت أنها تواصل توزيع مادة السكر عبر “صالات السورية للتجارة” بسعر مدعوم يبلغ 1000 ليرة للكيلو وبكميات محددة عبر البطاقات الذكية، في وقت يؤكد فيه مواطنون أنهم لا يحصلون على كامل احتياجاتهم بدعوى عدم توفر المادة في كثير من الأحيان.

من جهته أوضح مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك نضال مقصود، أن مديرية الأسعار تقوم بتسعير مادة السكر وفقا لتكاليفها الفعلية وفي آخر نشرة تم تحديد سعر مبيع مادة السكر بسعر 7 آلاف ليرة للكيلو الواحد، في وقت يباع فيه الكيلو الواحد بـ 9 آلاف.

مقصود أكد في تصريحات نقلها موقع “أثر برس” المحلي، أن الأسواق السورية تشهد انخفاضا في كميات السكر المتوفرة، حيث أن هناك ضعف في استيراد المادة بسبب ارتفاع الأسعار العالمي، مشيرا إلى أن دور مديرية الأسعار ينتهي بتحديد الأسعار فقط، ليأتي دور مديريات التموين بالمتابعة والكشف عن أي مخالفة وضبطها.

مصادر محلية أكدت أن توقّف معامل السكر عن العمل، والاتجاه نحو الاستيراد تسبب برفع سعر السكر لأرقام قياسية، كذلك أشار مزارعون إلى أن تراجع نسبة زراعة الشوندر السكري خلال السنوات الماضية إلى مستويات تاريخية، حيث أن الحكومة السورية تجاهلت إنتاجه تماما.

زراعة الشوندر السكري بسوريا

الشوندر أو الشمندر السكري، هو نبات عشبي ثنائي الفلقة ثنائي الحول من العائلة السرمقية، ووفقا للأخصائي الزراعي عبد المولى أبازيد، هو ثاني محصول في العالم بعد قصب السكر لإنتاج السكر الأبيض، حيث تزرع 7.5 – 8 مليون هكتار سنويا في 42 دولة التي تقع خارج خطوط العرض 30 شمالا وجنوبا.

الإحصائيات تشير إلى أنه في عام 2021، بلغ إنتاج الشمندر السكري في سوريا صفر طن. إذ تذبذب إنتاجه بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث سجل أعلى فترة زيادة خلال الفترة 1971. ثم بدأت المؤشرات في الهبوط حتى عام 2021 منتهيا عند صفر طن، وقد حاول بعض المزارعين هذا العام زراعة الشوندر إلا أنهم تعرضوا لخسائر كبيرة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج.

الوضع المعيشي في سوريا يزداد سوء يوما بعد يوم، مع فقدان رواتب الموظفين لقيمتها بسبب انهيار العملة المحلية، فبعض العائلات السورية لا يكفي دخلها الشهري، آجار المنزل، فيما يضطر رب المنزل إلى إيجاد وظيفة أخرى، ومحظوظ من يملك قريب يرسل له باستمرار مبلغ من المال على شكل حوالة خارجية بشكل دوري.

سقف الرواتب الحكومية بحسب صحيفة “الوطن” المحلية، لم يعد يكفي إيجار غرفة في أحد أحياء عشوائيات دمشق، ومع امتداد الأزمة الاقتصادية الخانقة لأكثر من ثلاث سنوات ذهبت أغلب مدّخرات الناس أدراج الرياح، وعليه فإن هذه المرأة تمثّل حال أغلب موظفي القطاع العام، ولا حلول في المدى المنظور.

قد يهمك: العقارات بسوريا أرخص من سعر التكلفة.. ما القصة؟

تقرير الصحيفة المحلية، أكد أن الراتب الذي تدفعه، المؤسسات الحكومية لا يكفي أياما معدودة، بل أصبح لا يكفي مصروف يوم واحد فقط، كما صرح رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، وأحيانا لا يكفي الراتب نفقات نقل وانتقال من مكان السكن إلى مكان العمل، ما يجعل الموظف يفضل الحصول على إجازة بدل الالتحاق بالعمل، وبناء عليه نشهد آلاف طلبات الاستقالة من العمل الوظيفي من أجل البحث عن عمل آخر لدى القطاع الخاص، أو من أجل الهجرة خارج الوطن.

جميع المؤشرات الاقتصادية في سوريا، توحي بأن القادم هو أسوأ، خاصة في ظل استمرار ضعف القدرة الشرائية للمواطنين وعدم تحسّن الأجور والرواتب، فضلا عن ضعف الأداء الحكومي وترهله، وبالتالي إلى مزيد من خرق القانون وتجاوزه، والمزيد من الفقر الذي سيؤدي إلى زيادة انتشار الجريمة وتفاقمها والمزيد من الفساد والرشاوى العلنية بعد أن كانت سرّية وغير معلنة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات