بعد موجة أزمات شهدها العالم مؤخرا، بدءا من أزمات المناخ مرورا بـ”وباء كورونا” وصولا إلى الاضطرابات المالية والاقتصادية، حرصت دول الخليج العربي كغيرها من بقية الدول الأخرى، على زيادة احتياطاتها من الذهب من أجل تأمين عملتها الوطنية ودعم الاحتياطي النقدي لها، والتحكم في تقلبات الأسواق المالية.
إذ وصل إجمالي كميات الذهب التي تمتلكها البنوك المركزية في دول الخليج إلى أكثر من 4415 طن، بقيمة إجمالية تبلغ أكثر من 152.6 مليار دولار، حيث يتم التعامل معه كمادة استثمارية عالية القيمة، من شأنها تعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني والاستقرار المالي للدولة.
عديد من الدول الخليجية عملت على زيادة احتياطاتها من الذهب خلال عام 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه، حيث أضافت قطر 35 طنا من الذهب إلى احتياطاتها، لتصبح رابع دول العالم شراء للذهب خلال عام 2022، وذلك في إطار توجه الدوحة نحو تعزيز رصيدها من المعدن النفيس، واشترت الإمارات 24.5 طنا خلال 2022، لتكون ثامن أكثر دول العالم شراء للذهب، أما سلطنة عُمان فقد زادت احتياطاتها الذهبية من 0.2 طن إلى 1.9 طن، بحسب بيانات لصحف اقتصادية.
احتياطات الذهب
آخر الإحصائيات تُشير إلى تصدّر السعودية عربيا وخليجيا في حيازة الذهب، وبحسب تقرير صحيفة “الاقتصادية” السعودية، فإن المملكة تمتلك 323.1 طنا، كأكبر بنك مركزي عربي لديه احتياطات من الذهب، مستحوذة على 21.4 بالمئة من احتياطات الذهب في البنوك المركزية للدول العربية، التي بلغت 1507.7 أطنان بنهاية 2022.
السعودية تحتل المرتبة الـ18 بين كبار ملاك الذهب العالميين، التي تضم صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي، في حين تعد الـ16 بين دول العالم، في حال استثناء صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي، وجاءت قطر في المرتبة الثانية خليجيا والسابعة عربيا باحتياطي 91.8 طنا تمثل 6.1 بالمئة من الإجمالي.
في حين تأتي الإمارات بالمرتبة الثالثة خليجيا والثامنة عربيا باحتياطي 79.95 طنا تشكل 5.3 بالمئة من احتياطي الذهب عربيا، ثم الكويت الرابعة خليجيا والتاسعة عربيا باحتياطي 79 طنا بنسبة 5.2 بالمئة من الإجمالي العربي.
في المرتبة الخامسة خليجيا والـ 14 عربيا حازت البحرين 4.7 أطنان، وأخيرا جاءت سلطنة عُمان بالمرتبة الـ15 عربياً باحتياطي ذهب بلغ 1.9 طن، بحسب موقع “الخليج أونلاين”.
المحلل السياسي والاقتصادي جهاد العبيد، يقول في حديثه لـ”الحل نت” بأن الذهب يعتبر وسيلة تحوط عالمية ولا يقتصر ذلك على دول الخليج فقط، حيث يعتبر ملاذا آمنا للاستثمار في حالة الاضطرابات الاقتصادية أو السياسية العالمية، ويعتبر محفوظة مستقرة من حيث القيمة، ويمكن استخدامها كوسيلة للتحوط من المخاطر المالية.
أيضا يمثل الذهب وفق العبيد، جزءا من المحفظة النقدية لدول الخليج، ويعتبر ذلك جزءا من استراتيجية التنويع في المحفظة النقدية لتقليل المخاطر المالية، إذ تعتبر بعض دول الخليج أكبر مستورد للذهب في العالم، وتتمتع بسيطرة كبيرة على سوق الذهب، ويساعد الاحتفاظ بحجم كبير من الذهب في الاحتياطيات على تعزيز هذه السيطرة والتأثير على أسعار الذهب في الأسواق العالمية.
العبيد يضيف هنا، بأن الذهب يستخدم في العديد من التطبيقات الصناعية، مثل الإلكترونيات والطب والصناعات الكيميائية، ويعتبر الاحتفاظ بكميات كبيرة منه في الاحتياطيات تأمينا للاستخدامات الصناعية المستقبلية، إضافة لذلك يعتبر الاحتفاظ بالمعدن الأصفر جزءا من السيادة النقدية للدول، ويمثل الذهب مصدرا للقوة النقدية والسياسية للدولة، وفق تعبيره.
شراء الذهب
لندرة وجود هذا المعدن النفيس على أراضيها الغنية بالغاز الطبيعي والنفط، تلجأ دول الخليج إلى شراء الذهب، لكن معظم مناجم الذهب الطبيعي في دول الخليج تتركز في السعودية وعُمان.
إذ تنتشر في المملكة مناجم عدة للذهب، من أبرز ها منجم “الدويحي” في منطقة مكة، الذي بدأ الإنتاج به عام 2016، ويعد أكبر منتج للذهب السعودي؛ إذ بلغ حجم إنتاجه نحو 249 ألف أوقية عام 2020، إضافة لمنجم “الأمار”، ومنجم “بلغة”، وأيضا منجم “الصخيبرات”، ومنجم “السوق”، وكلا من “مهد الذهب” ومشروع “منصورة – مسرة”.
إنتاج السعودية من خام الذهب، بلغ نحو 430 ألف أونصة خلال 2022، وسط توقعات حكومية بأن يرتفع بنسبة 30 بالمئة على أساس سنوي في عام 2023، وتصل قيمة الاحتياطيات المقدّرة للذهب في السعودية إلى نحو 229 مليار دولار، حيث أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، في أيلول/سبتمبر 2022، فرصا لجذب استثمارات بقيمة 32 مليار دولار في قطاع التعدين والمعادن.
في موازاة ذلك، يتوافر الذهب في سلطنة عُمان غالبا في أماكن وجود النحاس، حيث إن وجوده يرتبط دائما بذلك الخام المعدني، واستخراجه يحتاج إلى تكلفة مرتفعة للغاية، وتشير البيانات إلى أن السلطنة أنتجت عن طريق شركة عُمان للتعدين بين عامي 1985 و2007 نحو 7700 كيلوغرام ذهب، و50 ألف كيلوغرام فضة، قبل أن يتوقف الإنتاج بسبب صعوبات فنية ومالية وإدارية.
السلطنة تسعى لتطوير إنتاجها من الذهب ليصل إلى 50 ألف أوقية من الذهب سنويا؛ وهو ما قد يعزز مكانتها على الخريطة العالمية لمنتجي المعادن الثمينة والمعادن المصاحبة. إذ يُعد الذهب أحد أهم المعادن النفيسة في العالم، لارتباطه بوحدة النقد الدولي، ودوره في توجيه التجارة العالمية.
قيمة الاحتياطات
إن حجوم احتياطات الدول الخليجية من الذهب، تختلف من حيث تمتلك بعض الدول كميات كبيرة من الذهب، في حين تمتلك البعض الآخر كميات أقل، بحسب العبيد، ويشير إلى أن الحجم المعلن للاحتياطيات الذهبية لكل دولة ليس بالضرورة يعكس الحجم الفعلي للاحتياطات، إذ أنه قد يكون هناك احتياطيات ذهبية غير معلنة.
إجمالي كميات الذهب التي تمتلكها البنوك المركزية في دول الخليج، يصل إلى أكثر من 4415 طنا، بقيمة إجمالية تبلغ أكثر من 152.6 مليار دولار، وبحسب “مجلس الذهب العالمي” فإن قيمة احتياطي الذهب في السعودية تقدّر بنحو 18.8 مليار دولار، وبنسبة 3.8 بالمئة من احتياطي البنك المركزي، في حين تبلغ قيمة احتياطي قطر من الذهب نحو 5.4 مليارات دولار يمثّل 11.6 بالمئة من إجمالي احتياطات “البنك المركزي القطري”.
قيمة احتياطات الإمارات من الذهب تقدّر بقرابة 4.7 مليارات دولار، ما نسبته 3.6 بالمئة من إجمالي احتياطات “المركزي الإماراتي”، في حين تصل قيمة احتياطات الكويت من الذهب إلى 4.6 مليارات دولار، وما نسبته 9 بالمئة من إجمالي احتياطات “المركزي الكويتي”.
بينما تحتفظ البحرين وسلطنة عُمان بكميات قليلة نسبيا من الذهب، وتقدّر قيمة الذهب في “البنك المركزي البحريني” بـ 272 مليون دولار، بنسبة 6.1 بالمئة من إجمالي احتياطات البنك، في حين تصل قيمة إجمالي احتياطات عُمان من الذهب لنحو 110 ملايين دولار، وتشكل ما نسبته 0.7 بالمئة من إجمالي مقتنيات “البنك المركزي العماني”.
من المهم الإشارة إلى أن هذه الأرقام قابلة للتغيير بشكل دوري وقد تختلف باختلاف الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الدول الخليجية، بحسب العبيد.
الذهب لا يعكس قوة العملة
حجم الاحتياطيات من الذهب لا يعكس بشكل مباشر مقدار قوة العملة الوطنية، إذ أنّ القوة الاقتصادية للدولة والتي تعتمد على العديد من العوامل الأخرى مثل النمو الاقتصادي والتضخم وحجم الإنتاج والتجارة الخارجية وحتى سياسات الحكومة النقدية والمالية، تؤثر جميعها بشكل كبير على قوة العملة الوطنية، ولبنان خير مثال على ذلك فعلى الرغم من امتلاكه احتياطي جيد من الذهب إلا أن اقتصاده متهاو ومتهالك، وفقا للمحلل السياسي والاقتصادي جهاد العبيد.
مع ذلك، يمكن لحجم الاحتياطيات الذهبية أن يؤثر على مكانة الدولة في الاقتصاد العالمي وعلى ثقة المستثمرين في العملة الوطنية، فمن المعروف أن الذهب يعتبر من الموارد المهمة والمرغوبة عالميا، وعندما تمتلك الدولة كميات كبيرة من الذهب، فإنها تمتلك رصيدا احتياطيا قويا يمكنها الاعتماد عليه في حالات الأزمات الاقتصادية.
علاوة على ذلك، يعتبر العبيد، وجود احتياطيات ذهبية كبيرة إشارة على أن الدولة تمتلك سياسة نقدية محكمة وموثوقة، مما يزيد من ثقة المستثمرين في العملة الوطنية ويساعد على استقرار قيمتها. لذلك، يمكن القول بأن حجم الاحتياطيات الذهبية للدولة يعكس بشكل غير مباشر مكانتها في الاقتصاد العالمي وثقة المستثمرين في عملتها.
أخيرا، وصل الذهب إلى مستويات قياسية بسبب التغيرات الجيوسياسية والحرب في أوكرانيا وأزمة التضخم العالمية ورفع الفائدة الأميركية، واليوم مع تسارع التبادل بالعملات المحلية، سيستهدف الذهب مستويات أعلى مع الوقت.
- عاصمة سياسية واقتصادية للمعارضة: ما مكاسب السيطرة على حلب؟
- عمل عسكري على القرى السبع بدير الزور.. ما دور “التحالف الدولي”؟
- “قلوب مكسورة”.. معتصم النهار وجيني إسبر يتفاعلان مع أحداث حلب
- انهيار كبير لليرة السورية أمام الدولار في حلب
- واشنطن: على سوريا تغيير سلوكها.. وطهران تلمح لعقد جولة “أستانا” بالدوحة
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.