لم تفلح جميع الهُدن التي تم الإعلان عنها خلال الأسابيع الماضية، في تهدئة المواجهات العسكرية في السودان، حيث تعرضت جميع اتفاقيات التهدئة لخروقات مختلفة، في إطار المواجهات المستمرة بين قوات الجيش السوداني التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان و”قوات الدعم السريع” المعروفة بدعمها الذي تتلقاه من روسيا بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي”.

آخر هدنة تم الإعلان عنها كانت قبل نحو عشرة أيام، وتضمنت وقفا كاملا لإطلاق النار في السودان، ورغم أنها كانت برعاية دولية إلا أنها لم تصمد طويلا، إذ يبدو أنها كانت فقط فرصة للطرفين المتصارعين، لترتيب أوراقهما والاستعداد مجددا للمعركة.

استمرار التصعيد المتبادل بين الجانبين، دفع بالجيش السوداني إلى رفع حد التهديدات، ذلك ما يطرح التساؤلات حول المحددات العسكرية والسياسية لحسم الصراع لصالح القوات المسلحة للجيش السوداني، في ظل استمرار توغل “قوات الدعم السريع” في عدة مناطق في البلاد.

قوة مميتة؟

أبرز المؤشرات على زيادة حدة التصعيد بالنسبة للجيش السوداني، تصريحات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي قال الثلاثاء خلال ظهوره وسط عناصر القوات المسلحة في العاصمة السودانية الخرطوم، إن القوات المسلحة “لم تستخدم القوة المميتة بعد”، مشيرا إلى أن الجيش سيضطر لاستخدامها “في حال لم ينصع العدو أو يستجيب لصوت العقل” حسب قوله.

بحسب ما نقل تقرير لصحيفة “القدس العربي”، فإن  هذا الظهور هو الثاني من نوعه بالنسبة للبرهان وسط عناصر الجيش،  فيما ظل قائد “قوات الدعم السريع” محمد حمدان دقلو، يكتفي ببث تسجيلات صوتية، ولم يظهر بشكل علني منذ اندلاع الحرب في منتصف نيسان/أبريل الماضي.

حتى الآن لا توجد مؤشرات توحي بقدرة الجيش السوداني على حسم الصراع لصالحه، وذلك رغم تفوقه من الناحية العسكرية كونه يمتلك الأسلحة الثقيلة، إضافة إلى الشرعية من كونه الممثل الرسمي للقوات المسلحة في السودان، لكنه سيحتاج ربما لوقت طويل من أجل حسم الصراع، فيما سيكون إطالة أمد الصراع من صالح “قوات الدعم السريع” التي تقاتل كميليشيات منتشرة في بعض مناطق البلاد.

الخبير في الشؤون الإفريقية رامي زهدي، رأى أن تصريحات قائد الجيش السوداني، توحي بنية الأخير تصعيد القتال ضد “قوات الدعم السريع”، لكن عامل الوقت ليس في صالح الجيش حتى ولو كان سينتصر في النهاية، مشيرا إلى أن الجيش ما يزال يحظى بدعم القوى المدنية رغم الاختلاف السياسي الموجود.

زهدي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “فيما يتعلق بتصاعد لهجة الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، فالحقيقة أنه التلويح بإمكانية استخدام القوة المميتة، ربما يكون بداية فعلية لعملية التصعيد، إذ أن الجيش سينتصر في النهاية حتما لأسباب عديدة، لكنه سيواجه تحديا هاما يتعلق بعامل المدة الزمنية”.

وبذلك تكون نقطة القوة بالنسبة لـ”قوات الدعم السريع”، هي تأخير لحظة الحسم، وذلك رغم أن العوامل الميدانية والسياسية جميعها تصب في صالح “الجيش السوداني”، الذي يصف “قوات الدعم السريع” بأنه فصيل متمرد، وبالتالي لا يمكن للجيش ترك المعركة قبل حسمها بشكل نهائي”.

أزمة إنسانية قادمة

حول ذلك أضاف زهدي”حتى وإن كانت الخسائر الاقتصادية والإنسانية تتصاعد يوما بعد يوم ولكن لا أفترض أن الجيش سوف يرتضي أي قدر من التفاوض، لذلك إمكانية حسم الصراع هي لصالح الجيش فنظريا يبدو أن القوتين متقاربتين في القوة، لكن عمليا على الأرض نقاط التفوق مختلفة، الجيش يمتلك آليات ثقيلة وطيران ومدرعات ويمتلك إحكام على الحدود، ويستطيع منع أو تقليل الإمدادات الواصلة إلى قوات الدعم السريع بينما الأخيرة تتميز بسهولة وخفة الحركة، ووجود القوات في عدد من المستشفيات ومحطات الكهرباء والتحكم الآلي في منشآت الدولة والمدارس”.

زهدي افترض أن إمكانية حسم الصراع أقرب ما تكون للجيش، بالنظر إلى ميزان القوة العسكرية على الأرض، أما على الصعيد السياسي فأوضح أنه “سياسيا الجيش ما زال رغم الاختلاف السياسي بينه وبين فئات متعددة مدنية في الدولة، إلا أن الجيش السوداني مستمر كونه مؤسسة عسكرية رسمية تمثل الدولة”.

بينما تظل “قوات الدعم السريع” هو جزء منفصل من القوات المسلحة، وسياسيا لا يزال “الجيش السوداني” هي الجهة الشرعية التي تتعامل معها الدول المجاورة، وهنا أردف زهدي قائلا “حتى السودانيين، ورغم حالة فقدان الثقة السابقة بينهم وبين الجيش إلا أنهم رويدا رويدا أصبحوا يدركون أن الجيش رغم الاختلاف السياسي إلا أنها المؤسسة الشرعية الأساسية التي يجب عليها حماية أمن وسيادة الدولة، وبالتالي الدعم السياسي الممكن للجيش أكبر بكثير من الدعم المقدم للقوات السريع”.

لكن على الجانب الآخر، فإنه على الرغم من امتلاك الجيش لمقومات حسم الصراع، لكنه بالتأكيد لن يتمكن من فعل ذلك بوقت قريب، وربما تكون الفاتورة ثقيلة على السودان، إذ تتجه الأوضاع في البلاد، إلى وضع إنساني بالغ الصعوبة.

عن ذلك أوضح زهدي “السودان لم تكن مستعدة لاستقبال هذا الحجم من الصراع، والدلالة على سوء الأحوال أو استمرار الانحدار هو ازدياد أعداد النازحين والفارين يوما بعد يوم سواء النزوح الداخلي أو الفرار إلى أقرب حدود، عمليات الخروج من السودان مستمرة وهذا ينذر بأزمة إنسانية حتى على مستوى المساعدات المقدمة، هناك أنباء عن نهبها وعدم وصولها إلى مستحقيها وبالتالي الأمور صعبة وخاصة في مناطق الصراع وفي العاصمة الخرطوم”.

منذ اندلاع الصراع قبل نحو شهر ونصف، تم التوصل لأكثر من هدنة، لكن يبدو أن التهدئة لا يمكن أن تكون حلا للصراع الدائر في البلاد، في وقت يرى كل جانب أنه قادر على إنهاء الطرف الآخر، خاصة في ظل تعرض جميع اتفاقيات التهدئة للخرق.

زهدي رأى كذلك أن “الوضع الأسوأ في السودان لم يأتِ بعد، فالأسوأ هي المرحلة التي تأتي بعد انتهاء الصراع،  وهي المرحلة السياسية التي يُفترض أن تبدأ بعد حسم الصراع، السودان على مدى 30 عام مضت لم تكن أبدا دولة ذات مناخ سياسي مدني مهيأ لاستيعاب تطور الحياة السياسية وبالتالي الفصيل المدني غير مهيأ ومتاح له إدارة الدولة ولا يتفهم طبيعة الدولة، وكذلك المؤسسة العسكرية تحظى بثقة الشعب، ولا تتفهم فكرة التداخل والتشارك مع المجتمع المدني”.

السودان شهدت على مدى الشهر الماضي قتالا عنيفا بين الجيش و”قوات الدعم السريع” في صراع على السلطة، بعد 18 شهرا من انقلاب عسكري أدى إلى ضرب مساعي وآمال الانتقال إلى الحكم المدني، في وقت شهدت فيه العاصمة الخرطوم خلال الأسابيع الماضية، فرارا لآلاف المدنيين إلى مناطق أكثر أمنا.

قد يهمك: تزويد “فاغنر” الروسية لقوات “الدعم السريع” بالصواريخ.. مرحلة جديدة بحرب السودان؟

لكن المؤشرات في السودان، لا توحي حتى اللحظة بإمكانية قبول “قوات الدعم السريع” حلّ نفسها، أو الانخراط في الجيش السوداني، خاصة وأنها تحاول مؤخرا هزيمة قوات الجيش والسيطرة على العاصمة السودانية، بدعم مباشر من روسيا.

دور الدعم الخارجي

الدعم الخارجي الذي تقدمه بعض الدول الخارجية كروسيا الداعمة لـ “قوات الدعم السريع”، يعتبر من أبرز عوامل ترجيح إطالة أمد الصراع في السودان، إضافة إلى عدم إبداء أي طرف استعداده للتهدئة، فحتى الهُدن التي تم الإعلان عنها خلال الأسابيع الماضية بوساطات خارجية، لم يلتزم بها أحد على الأرض.

جميع المؤشرات منذ البداية توحي بأن هذا الصراع سيمتد ولن يُحسم في وقت قريب، فموازين القوى الظاهرية وإن كانت تميل لصالح الجيش السوداني إلا أن الجيش لم يتمكن من حسم هذه المعارك ضد “قوات الدعم السريع”، لذلك يؤكد محللون أن قبول الأخير بالانخراط بالجيش مرهون بالجهات الخارجية الداعمة لها.

عديد من المخاوف بدأت تظهر بدخول السودان في نفق إطالة أمد الصراع العسكري فيها، خاصة مع عدم قدرة أحد الجانبين على حسم النزاع بشكل عسكري، إضافة لعدم قبول أحد منهما تسوية تفضي إلى وقف القتال، فضلا عن عدم الالتزام بأي هدنة تم الإعلان عنها سابقا، فهل تدخل السودان مرحلة إطالة أمد الصراع.

استمرار العنف في السودان من شأنه أن يقضي على العملية السياسية إلى الأبد، وهي عملية كان من المفترض أن تُرسي أسس الديمقراطية في البلاد بعد الإطاحة بعمر البشير وقاعدته السياسية في 2019، بعدما أمضى ثلاثة عقود في السلطة.

الجيش السوداني (سكاي نيوز)

مع استمرار الصراع في السودان، ارتفعت احتياجات البلاد للمساعدات، لا سيما مع تدفق اللاجئين وتوافد النازحين من مناطق الاشتباكات، حيث توقعت الأمم المتحدة أن يبلغ عدد الفارين من البلاد مليون لاجئ خلال هذا العام، وأعلنت أن هناك حاجة إلى 3.03 مليار دولار لتقديم مساعدات عاجلة إلى الناس في البلاد الذي مزقته الصراعات.

المواجهات في السودان، بدأت منتصف الشهر الماضي، فبعد أيام من التأجيل الثاني لتوقيع اتفاق نهائي بشأن العودة إلى الحكم المدني، بسبب خلاف على دمج “قوات الدعم السريع” في الجيش النظامي، هزت انفجارات في 15 نيسان/أبريل العاصمة الخرطوم. وتبادل كل من “قوات الدعم السريع” والجيش، الاتهامات بالمسؤولية عن بدء الهجوم أولا.

المواجهات الدائرة حاليا في البلاد هي نتيجة مباشرة للصراع على السلطة بين أفراد القيادة العسكرية، حيث يختلف قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع قائد “قوات الدعم السريع”، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني، وذلك بعد أن تعاونا على الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

واحدة من أهم النقاط الأساسية العالقة بين البرهان ونائبه “حميدتي”؛ هي الخلاف حول خطة ضم “قوات الدعم السريع” التي تشير التقديرات إلى أن عدد عناصرها يبلغ 100 ألف عنصر، إلى الجيش وحول من سيقود القوة الجديدة بعد ذلك.

حتى الآن، لا يبدو أن هناك مؤشرات إيجابية على إنهاء الصراع في البلاد بشكل سلمي أو بناء على اتفاقيات بين الطرفين المتصارعين، وهذا يعني أن الحسم سيكون بشكل عسكري، وبالتالي مدة أطول من الصراع العسكري الذي يهدد بأزمة إنسانية قد تطول على السودان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات