في الوقت الذي يعاني فيه النظام الإيراني من تثبيت صورته النمطية القوية، إثر تعرضه إلى هزة كبيرة تسببت بها الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد بشكل غير مسبوق في أيلول/سبتمبر الماضي، على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني نتيجة تعرضها للتعذيب على يد شرطة “الأخلاق” المعنية بفرض ومتابعة شروط الحجاب، وفق منظمات حقوقية، كشفت إحصائية حديثة ارتفاع معدل عمليات الإعدام التي تنفّذها السلطات الإيرانية.

إذ ارتفع عدد عمليات الإعدام في إيران بشكل حاد في النصف الأول من عام 2023، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، حسبما وثقته “منظمة حقوق الإنسان الإيرانية”، التي تتخذ من أوسلو مقرا لها، حيث وصلت بحلول نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي، إلى 354 عملية إعدام، الأمر الذي عزته المنظمة الحقوقية إلى محاولات بث الخوف المجتمعي، وهو ما اتفق معه الكثير من المراقبين.

هذه الارتفاع بعمليات الإعدام والذي تجاوز معدل الفترة ذاتها من العام الماضي التي بلغ فيها وقتئذ 261 عملية بحلول ذات التاريخ من حزيران/يونيو، يستخدمه النظام الإيراني لمنع المزيد من الاحتجاجات في البلاد، كما قال محمود أميري مقدم، مدير “منظمة حقوق الإنسان”.

إعدامات لذوي الدخل المحدود الأقليات

في النصف الأول من عام 2023، أعدمت السلطات الإيرانية 206 أشخاص بتهمة ارتكاب جرائم مخدرات، وفقا للمنظمة، وذلك بعد أن أعدمت سبعة أشخاص قبضت عليهم خلال الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة أميني، كردية الأصل، التي اعتقلتها “الشرطة الأخلاقية” بتهمة انتهاكها قواعد اللباس الخاصة بالنساء في الأماكن العامة. 

بيد أن غالبية القتلى من ضحايا آلة القتل، هم من ذوي التكلفة المنخفضة، وهم متهمون بالمخدرات من المجتمعات الأكثر تهميشا، بحسب أمير مقدم، الذي أشار إلى أن أحكام الإعدام نُفّذت كذلك بحق أفراد الأقليات العرقية بشكل متكرر، وتصريح مدير المنظمة يتطابق مع اتهامات “منظمة العفو الدولية” مؤخرا، للسلطات في إيران، باستخدام عقوبة الإعدام “كأداة للقمع” ضد الأقليات العرقية.

وفقا لتقارير، فقد تم إعدام ما لا يقل عن 45 شخصا، من بينهم 22 من الأقلية البلوشية، خلال فترة شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو الماضيين، معظمهم بتهم تتعلق بالمخدرات، على الرغم من تأكيدات ودعوات مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بأن فرض عقوبة الإعدام على جرائم المخدرات يتعارض مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

على الرغم من أن شكوكا كثيرة تدور حول حقيقة الأرقام المعلنة، حيث يرجح بأنها أعلى من ذلك بكثير، إلا أن تلك الأرقام لعمليات الإعدام الذي وصفها مفوض “الأمم المتحدة” السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، بـ “الهائل والمخيف” لهذا العام، كافية لتجعل إيران “واحدة من أكبر منفّذي عقوبة الإعدام في العالم”، حيث يُعدم أكثر من عشرة أشخاص كل أسبوع في المتوسط، بحسب المتحدثة باسم المفوضية رافينا شامداساني.

في السياق، شرح الخبير في الشأن الإيراني عمار تاسائي، دلالات ارتفاع معدلات عمليات الإعدام في إيران، قائلا إن النظام الإيراني يستخدم سلاح الإعدامات ليست كعقوبة تسير ويقرّها النظام القضائي، وإنما أحكام الإعدام التي تصدرها الأجهزة الإيرانية هي بمجملها أمنية بالدرجة الأولى وتخضع لرقابة الأمن وتُنفذ بناء على الاعترافات التي تُنتزع من قبل القوات الأمنية تحت التعذيب.

إعدام ذات رسائل “وقائية”

بالتالي إن الدلالة التي يجسّدها ارتفاع معدل عمليات الإعدام التي ينفذها النظام الإيراني، بحسب تاسائي الذي تحدث لموقع “الحل نت”، هو أنه يشعر بالخطر من حوله وأنه بحاجة إلى توجيه رسائل على عدة مستويات من خلال هذه الإعدامات، مبينا أن النظام الإيراني ومن خلال تتبع مساره وسلوكه وردود فعله إزاء المعارضة السياسية والتيارات السياسية في الداخل والخارج، بأنه عادة ما يحاول تجنب حالات الإعدام السياسية إلا إذا كان في وضع خطر ويشعر بالخشية على مصيره.

النظام الإيراني يحمي كيانه بالإعدامات/ إنترنت + وكالات

فعندما يشعر النظام الإيراني بالخطر وتتحول القضية بالنسبة لمستقبله وجودية، يشير الخبير في الشأن الإيراني، إلى أنه سريعا ما نجده (النظام الإيراني) يبادر إلى تنفيذ حالات الإعدام لتهدئة الأوضاع من حوله وتخفيف الضغط عن نفسه، من خلال إخافة وإرهاب معارضيه، لذلك أن ازدياد حالات الإعدام في إيران، تدل على أن النظام الإيراني في حالة من الخطر ويستشعر الخطر من حوله ويجب عليه أن يهدّأ الأوضاع ويعيدها إلى نصابها كما كانت عليه قبل الاحتجاجات.

تاسائي لفت إلى أن ارتفاع معدل الإعدامات سيزيد من طبيعة الضغوطات الدولية فيما يتعلق بسجل إيران الإنساني، لاسيما في ظل توثيق حالات الإعدام من قبل منظمات حقوقية دولية ومحلية، مشيرا إلى أن النظام الإيراني يحاول أن يُثبت لأنصاره في الداخل قبل خصومه من خلال هذه الإعدامات المتزايدة بأنه لا يزال متماسكا، وأن ما تعرّض له خلال الاحتجاجات لم يؤثر على تماسكه.

يحتاج النظام الإيراني، بحسب تاسائي، أن يبين لأنصاره بأن ما تعرّض له لم يثنِ عزمه عن مواصلة سياساته وحكمه، بل وأنه لا يزال قويا ومقتدرا، مبينا أن تلك الرسائل هدفها تجنب حدوث انشقاقات داخل التيارات الموالية للنظام وبين أنصاره المختلفين من رجال الدين إلى جنرالات “الحرس الثوري”، والشخصيات النشطة في المجالات الاقتصادية والعسكرية؛ يريد النظام أن يُثبت لهم بأنه تمكّن من احتواء الاحتجاجات، وأنه مستعدٌ لمواجهة كل من يعارض سياساته داخليا وخارجيا بقبضة من حديد.

في غضون ذلك، توعّد القضاء الإيراني، السبت الماضي، الذين يشجعون النساء على خلع الحجاب بأنهم سيحاكمون جنائيا من دون حق في الاستئناف، ونقلت وكالة “مهر” للأنباء عن نائب المدعي العام علي جمادي، قوله إن محاكم الجنايات هي التي ستنظر في الترويج لخلع الحجاب وهي محاكم قراراتها نهائية وغير قابلة للاستئناف.

الكاميرات ضمن أدوات المراقبة الأمنية 

جمادي أضاف، أن “عقوبة جريمة الترويج لخلع الحجاب والحثّ عليها أشد بكثير من جريمة خلع الحجاب نفسه، لأنها من الأمثلة الواضحة على الإفساد”، دون أن يذكر ماهية العقوبات أو ماذا يعني بالضبط الترويج لخلع الحجاب.

ارتفاع معدل الإعدامات في إيران/ إنترنت + وكالات

جدير بالذكر، أن هذه التحذيرات للقضاء الإيراني تأتي في الوقت الذي يتحدى فيه عدد متزايد من النساء قواعد الحجاب الإلزامية في إيران، ويظهرن من دونه في مراكز التسوق والمطاعم والمتاجر والشوارع وغيرها من الأماكن العامة، كما نشرت نساءٌ شهيرات وناشطاتٌ في الأشهر الماضية صورا لأنفسهنّ على وسائل التواصل الاجتماعي من دون حجاب.

أثناء ذلك، بدأت الشرطة الإيرانية السبت الماضي، استخدام الكاميرات الذكية في الأماكن العامة لتحديد هوية مخالفات قانون ارتداء الحجاب، بحسب وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء، كما ستتلقى النساء اللاتي يخالفن القانون رسالة تحذيرية نصّية بشأن العواقب.

الشرطة الإيرانية تقول إن الكاميرات التي تتعقب هذه المخالفة لن تخطئ، غير أنه في حال كان لدى متلقية الرسالة اعتراض، فسوف يتم قبول الاعتراض الأول، وذلك في الوقت الذي تحدث فيه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قائلا إن حكومته تسعى إلى حلّ قضية الحجاب بنهج ثقافي، في الوقت الذي أشار فيه إلى أن أعداء إيران يتآمرون لتحويل الحجاب إلى مسألة أمنية، غير أنه تعهّد بأن لن يسمح بحدوث ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات