في خضم الغلاء الجامح الذي يجتاح عموم البلاد، وتزامنا مع تدهور الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي، ثمة استغلال من كل حدب وصوب لطلبة “البكالوريا” الثانوية العامة و”الصف التاسع” للتعليم الأساسي.

بعد قيام المدرسين برفع أسعار الدروس الخصوصية، قام سائقو سيارات الأجرة “التكاسي” برفع أجور إيصال الطلاب إلى مراكز الامتحان والالتزام معهم بهدف عدم تأخر الطالب عن تقديم امتحاناته، مقابل أجور مالية كبيرة يتفق فيه صاحب “التاكسي” مع أهل الطالب.

لذلك تتحمل العائلات معاناة وأعباء مالية كبيرة حتى حصول أبنائها على شهادات تعليمية في سوريا بسبب هذه الفوضى واستغلال الجميع لظروف الطلاب وحساسية هذه الشهادات في مراحل التعليم بالبلاد، ولا شك في أن هذه التكاليف ترهق جيوب الناس بالفعل.

“150 ألف” لكل طالب!

نحو ذلك، قال أحد أصحاب “التكاسي” إنه اتفق مع 3 طلاب على توصيلهم إلى مراكز الامتحان مقابل 150 ألف ليرة عن كل طالب، موضحا أنه سيوصل الطلاب ذهابا وإيابا طيلة مدّة الامتحان، حيث اتفق مع ثلاثة طلاب يقدمون في مركز واحد، علما أن مركز الامتحان يبعد مسافة كيلومتر واحد عن مكان السكن، حسبما أورده موقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الأربعاء.

150 ألف ليرة سورية أجرة كل طالب- “إنترنت”

السائق ذاته أردف أنه يعمل على “التاكسي” منذ الصباح الباكر، وسيتقاضى 150 ألف من كل طالب لأنه سوف ينتظر أكثر من ساعتين في كل مادة وهذا ثمن تعطلّه وتاليا فأي سيارة أجرة يركبها الطالب كل يوم لإيصاله سيكون أجرها 10 آلاف ليرة فإذا تم حسابها فالأمر سيّان.

من جانبه، بيّن سائق “سرفيس” أنه يوصل الطلاب مقابل 5000 ليرة من كل طالب عن كل يوم ذهابا وإيابا، لافتا إلى أنه يتقاضى 5000 ليرة من كل طالب لأن العدد كبير ومن ثم لأنه لا ينتظرهم إنما يتفق معهم على ساعة معينة ليجتمعوا معا ويعودوا معا.

ارتفاع أسعار النقل وخاصة “التاكسي” مؤخرا بشكل كبير يأتي بعد أن رفعت الحكومة السورية أسعار المشتقات النفطية وتحديدا مادة البنزين، حيث يرى أصحاب وسائل النقل أن عدم التزام الكثير منهم بتعريفة النقل التي وضعتها “دائرة حماية المستهلك” بسبب افتقارها للمنطق وعدم تماشيها مع مستوى المعيشة، وسط هذا الغلاء الكبير.

هذا وللمرة الثالثة خلال العام الجاري، تقوم “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية”، برفع سعر البنزين، حيث رفعت الوزارة قبل نحو أسبوعين سعر المادة من 6600 ليرة سورية، إلى 7600 ليرة سورية، للتر الواحد من بنزين “أوكتان 95”. كما تم رفع سعر اسطوانات الغاز المنزلي المدعوم وغير المدعوم، أي  بالسعر الحر.

“السرفيس” أوفر

في المقابل، فضّلت سيدرا وهي طالبة في الثانوية العامة أن تتفق مع “سرفيس” ليوصلها لأنه أخف وطأة فليس بمقدور والدتها تخصيص 150 ألفا لدفعها لـ”التكاسي”، إذ لديها التزامات بالدفع للمدرسين وهذه أهم، بحسب قولها للموقع المحلي.

بينما تحدثت والدة الطالب محمود في الثالث الثانوي عن أنها مجبرة على الدفع لـ”التاكسي” والالتزام بإيصال ابنها لأن المواصلات صعبة جدا ومن المستحيل أن يحظى بمكان في باص نقل أو “سيرفيس” ليصل في الوقت المناسب، مشيرة إلى أنها ستدفع 150 ألفا طيلة مدّة الامتحانات.

في السياق ذاته، بيّن مصدر بـ”محافظة دمشق” لذات الموقع الإعلامي أن المحافظة لا علاقة لها بالمبالغ التي يتقاضاها السائقون، فهي غير معنية بهذه الأمور والسبب أن الاتفاق منذ البداية يتم بالتراضي بين الأهل وصاحب السيارة على إيصال الطالب مقابل مبلغ معين ولكن في حال كانت هناك شكوى لتقاضي أجر زائد من دون اتفاق، فإن المرور ينظم الضبط اللازم بحق “التاكسي”، وفق زعمه.

يبدو جليا أن أصحاب “التكاسي” يستغلون حاجة الطلاب في هذا التوقيت الحساس، باعتبار أن مرحلة الامتحانات النهائية لهاتين الشهادتين من أهم المراحل التي يمرّ بها الطلبة في سوريا. كما في العام الماضي وبالتزامن مع بدء الامتحانات النهائية، زادت أسعار المواصلات بشكل كبير، إذ وصل سعر التوصيلة الواحدة لـ 30 ألف ليرة، نظرا للتوقيت الحساس بالنسبة للطالب.

ليس فقط أصحاب “التكاسي” يستغلون حاجة الطلبة، وإنما المدرسين وأصحاب “المكاتب”، من تصوير الأوراق الامتحانية والملخصات أو ما يسمى بـ”التوقعات الامتحانية” وخاصة للمعلمين المجتهدين الذين غالبا ما يُصيبون في توقّعاتهم.

إضافة إلى هذه التكاليف، فإن أهالي الطلبة ولا سيما طلبة “البكلوريا” يدفعون مبالغ كبيرة للمعلمين الذين يقومون بإعطاء دروس خصوصية للطلبة، وفي هذا الصدد بيّن  أبٌ لطالبين في الشهادة الثانوية العلمية، في تصريحات صحفية سابقة، أنه يضطر لدفع مبالغ طائلة خلال شهر التكثيف اعتبارا من أيار/مايو الفائت الذي يسبق شهر امتحان البكالوريا، مبينا أن تكلفة تدريس ابنيه لدى المدرس الخصوصي تبلغ 280 ألف ليرة سورية للمواد العلمية فقط “رياضيات – فيزياء – كيمياء – علوم”، على حين أن باقي المواد “بيدبروها لحالن”، إذ لا قدرة له على دفع أجورها معا.

فيما بيّنت إحدى ساكنات حي الأزهري بمحافظة اللاذقية، أنها تدفع أجور الدرس الخصوصي المكثّف عند أساتذة ابنتها في مادة الفيزياء 45 ألف ليرة لكل ساعة، ولدرس الرياضيات 40 ألف ليرة، والكيمياء 35 ألفا لكل ساعة مكثفة، معتبرة أن الاستغلال وصل إلى بعض الأساتذة بسبب الأوضاع الصعبة عموما حسب حجّتهم إلا أن الاستغلال بالتعليم بلغ حدا غير مسبوق، على حد وصفها.

قاعة الامتحانات في أحد مراكز الامتحان بسوريا- “سانا”

أما تكلفة درس اللغات سواء عربية أم أجنبية تتراوح بين 20 – 25 ألف ليرة للساعة الواحدة، مبينة أن هناك بعض الأساتذة لا يقبلون تقسيم المبلغ على عدد من الطلاب وإنما يشترطون أن يكون كل طالب على حدة وذلك طمعا بالمبلغ الإجمالي ليوم المدرّس وقد يصل إلى نصف مليون ليرة نهاية اليوم الواحد.

تقصير حكومي!

تكلفة التعليم في سوريا غالية، ولا سيما طلبة “البكالوريا”، فمثلا يدفع الطالب طيلة العام قرابة الـ 10 ملايين ليرة سورية وأحيانا أكثر حسب حاجته للدروس، فمثلا ارتفاع أسعار الجلسات موجّهً بشكل خاص للمواد الأكثر أهمية، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء، للفرع العلمي إذ وصل سعر الجلسة الواحدة إلى 80 ألف ليرة، ما جعل الكثير من الطلاب يشكّلون مجموعات ليتمكنوا من تسديد ثمن الجلسة الواحدة، وفق تقارير محلية سابقة.

أما مواد اللغات، كالإنكليزية والفرنسية والعربية، فبلغ سعر جلستها 100 ألف ليرة للساعة الواحدة وتعد هذه المبالغ مرتفعة بالنسبة لدخل نسبة كبيرة من الأهالي. وتقول إحدى السيدات في الأحياء الشعبية ضمن هذا الإطار، إن ساعة الدرس الخصوصي لمادة الرياضيات تتراوح بين 12 – 15 ألف ليرة لطلاب المجموعات وكل درس يشمل 4 – 6 طلاب، بما يساهم في توفير مبالغ على الأهالي، لتنتشر ظاهرة تقاسم الدرس الخصوصي سواء لشهادة “التاسع” أم “البكالوريا” في معظم الأحياء الشعبية.

أهالي الطلبة يبرّرون توجههم للدروس الخصوصية لعدم قدرة المدرسين على شرح المواد بشكل صحيح في الحصص المدرسية الرسمية دون معرفة الأسباب الحقيقية لذلك، علما أن معظمهم من الأساتذة أنفسهم الذين يعطون الدروس الخصوصية في المنازل، معتبرين أن المردود المادي للمعلمين بات غير كاف “ليعطوا من قلبهم” في المدرسة.

بدوره زعم مدير “مديرية التربية” في اللاذقية عمران أبو خليل في تصريحات صحفية سابقة، أن المدارس تعلّم الطلاب ومن يقول غير ذلك فليتقدم بشكوى ويقول أي مدرسة لا تعطي المنهاج أو أي مدرس لا يدرّس بحق والتربية ستتصرف بحقهم وفق القانون.

لو أن كلام مدير التربية صحيحا لما صارت الدروس الخصوصية ظاهرة عامة ومنتشرة بكثرة في سوريا ومنذ سنوات طويلة، وفق بعض الآراء.

فيما يخص ظاهرة الدروس الخصوصية، بيّن أبو خليل أن الدروس الخصوصية ممنوعة ولا يوجد شيء اسمه “درس خصوصي” في القوانين والأنظمة.

بالتالي لا يوجد تسعيرة لهذه الدروس. أي أنه تهرّب بشكل غير مباشر من مسؤولية تفاقم هذه الظاهرة وبأسعار “فلكية”.

في وقت سابق، أكدت تقارير صحفية محلية، أن صعوبة المناهج وكثافتها تُجبر الأهل إلى اللجوء للدروس الخصوصية وخاصة الشهادات، بجانب أن بعض المدرسين في المدارس الحكومية يحجبون المعلومة ليضّطر الطالب إلى أخذ دروس خصوصية وبأسعار خرافية ولكنه مضّطر لذلك، في سبيل تخطي هذه المرحلة الأساسية فهي بداية انطلاقة كل طالب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات