يوم أمس الأحد ذكرت إحدى الصحف المحلية، بأن اللجنة الاقتصادية أصدرت قرارا يقضي بتأييد مقترح “وزارة النفط والثروة المعدنية السورية”، برفع أسعار مبيع مادة الفيول للقطاع الخاص لتصبح 4.434.993 ليرة للطن الواحد، بعد أن كانت 3.3 ملايين ليرة.

هذا القرار أثار الكثير من الجدل خاصة أن سعر نفس المادة ارتفع قبل أقل من شهر من 1.4 مليون ليرة للطن إلى 3.3 مليون ليرة. في ضوء ذلك، حذر خبير اقتصادي في دمشق من ارتفاع سريع في معدلات التضخم، بعد رفع أسعار الفيول مرتين في شهر واحد.

زيادة التضخم

التقرير المحلي أردف بأن هذا القرار جاء في ضوء نتائج إحدى اجتماعات اللجنة الحكومية المنعقدة لاحتساب وسطي تكلفة الاستيراد التقديرية للمشتقات النفطية، وزعموا أنه نتيجة لضرورة تعديل أسعار مبيع الفيول لتصبح بسعر التكلفة لكل القطاعات باستثناء القطاع العام، وذلك بعد التغيرات الحاصلة على سعر صرف الليرة مقابل الدولار، والتغيرات في السعر العالمي للنفط ومشتقاته.

ارتفاع أسعار الفيول في سوريا مرتين خلال شهر واحد فقط- “إنترنت”

إزاء ذلك، تساءل الخبير الاقتصادي محمد كوسا، خلال تصريح للصحيفة المحلية، عن سبب عدم القيام بدراسة متكاملة منذ البداية، لرفع السعر مرة واحدة 70 بالمئة، بدلا من اتخاذ قرارين لذلك، معتبرا أن الرفع التدريجي للأسعار لا يخفف الآثار على أرض الواقع، وإنما سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع، وزيادة معدلات التضخم بشكل متسارع.

كما وتوقع كوسا أن يصدر قرار خلال الفترة المقبلة بشأن أسعار الكهرباء للشرائح التي يزيد استهلاكها على 1500 كيلو واط ساعي، مما يضع المواطن السوري في مرمى غلاء جديد، نظرا لأن هذه الخطوة الجديدة تعني حرمان شرائح جديدة من الدعم الحكومي.

أواخر الشهر الماضي، قامت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية”، برفع سعر مادة البنزين من 6600 ليرة سورية، إلى 7600 ليرة سورية، للتر الواحد من بنزين “أوكتان 95”، وفي يوم السبت الماضي، تم إصدار قرارا برفع سعر الطن إلى 4 ملايين و434 ألفا و 993 ليرة، أي أن الحكومة رفعت سعر طن الفيول مرتين خلال شهر واحد.

بالتالي فإن هذه الجملة من القرارات تنذر بحدوث أزمة غلاء جديدة بالأيام القادمة، باعتبار أن زيادة أسعار الفيول تؤثر حتما على جميع مفاصل الحياة اليومية في أي بلد كان، حيث تتسبب بمزيد من رفع الأسعار، وبالتالي تعميق الأزمة المعيشية أكثر مما هي عليه في سوريا.

خلال الشهر الماضي، تم رفع سعر اسطوانات الغاز المنزلي المدعوم وغير المدعوم، أي  بالسعر الحر، إذ حددت “وزارة التجارة الداخلية” سعر اسطوانة الغاز المنزلي المدعوم بـ 15 ألف ليرة سورية، وسعر اسطوانة الغاز المنزلي بالسعر الحر من داخل البطاقة أو من خارجها بـ 50 ألف ليرة، واسطوانة الغاز الصناعي بـ 75 ألف ليرة.

يأتي قرار رفع سعر مادة البنزين للمرة الرابعة خلال العام الجاري، إذ رفعت الوزارة السورية سعر المادة في شباط/فبراير الفائت إلى 6600 ليرة سورية، بعد رفع مشابه في شهر كانون الثاني/يناير 2023، وقالت الوزارة في بيان عبر صفحتها على منصة “فيسبوك” آنذاك، إنها رفعت سعر مبيع ليتر مادة البنزين “أوكتان 95″، إلى 5750 ليرة سورية، بعد أن كان 5300 ليرة.

تداعيات القرار على المواطن

هذا الارتفاع يتزامن مع غلاء في أسعار المواصلات، إضافة لتهاوي سعر الصرف أمام النقد الأجنبي، حيث تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في تداولات اليوم الإثنين، لنحو 8975 ليرة مقابل الدولار الواحد، وفق موقع “الليرة اليوم”.

بالعودة الخبير الاقتصادي محمد كوسا، فإنه ثمة ثقافة مجتمعية مترسخة بين التجار أنهم يقومون برفع الأسعار عندما يعلمون بارتفاع سعر أي مادة أولية، ويعملون على رفع الأسعار مستغلين عدم قيام الحكومة بضبط الأسعار ومحاسبة التجار لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح.

كوسا لفت إلى أن هذا القرار يجب أن يرافقه إجراءات احتياطية من الحكومة إذا كان سيؤثر في القطاعات الإنتاجية المتعلقة بحياة المواطن واحتياجاته اليومية، لذا كان يجب على الحكومة دراسة هذه القطاعات والاطلاع على كل المعطيات على أرض الواقع لمعرفة أكثر الصناعات تأثرا.

في السوق السوداء يبلغ سعر ليتر البنزين لأكثر من 10 آلاف ليرة، في العديد من المناطق من العاصمة دمشق وباقي المحافظات الأخرى، وبالتالي فإن الأسعار في السوق السوداء سترتفع تلقائيا بعد القرار الحكومي هذا وهو ما سيحمل معه نتائج سلبية على باقي مفاصل الحياة اليومية.

كلما تحصل أزمة في البلد سواء أزمة وقود أو لحوم ودجاج أو حتى خضروات مثل البندورة والبطاطا وغيرها، يرافقها ارتفاع في تسعيرة هذه المواد، وكان من المتوقع ارتفاع سعر البنزين بسبب ندرة المحروقات خلال الأيام الماضية من جهة وتراجع قيمة الليرة السورية من جهة أخرى.

تصاعد التضخم

بحسب ”المكتب المركزي للإحصاء”، ارتفع معدل التضخم بنسبة تقشعر لها الأبدان وصلت إلى 3825 بالمئة بين عامي 2011 و2021، تاركا وراءه سلسلة من القلق واليأس بين المواطنين.

سوق الحميدية بدمشق- “سانا”

هذه الزيادة التي لا يمكن تصورها، وهي تشير إلى أن الأسعار قد ارتفعت بشكل كبير 40 مرة، مما تركت الناس العاديين يصارعون قبضة الضغوط المالية الخانقة. وللتعمّق أكثر في هاوية الفوضى المالية، أصدرت وزارة المالية إعلانا ينذر بالخطر، مؤكدة أن التضخم قد خرج عن نطاق السيطرة، حيث ارتفع بنسبة 100 بالمئة في العام الماضي وحده، وهذا يعني أن الأسعار تضاعفت 161 مرة منذ عام 2011.

لذلك فإن ارتفاع أسعار المحروقات من حين لآخر من قبل الحكومة السورية يؤدي إلى زيادة التضخم في البلاد، بالإضافة إلى ارتفاع كبير في الأسعار، والذي يفاقم من كل بد الأوضاع المعيشية للمواطنين الذين طالما يطالبون بزيادة المرتبات بما يتماشى مع هذه الارتفاعات ومستوى المعيشة الخانق.

وفق حديث الخبير الاقتصادي، عامر شهدا، لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية مؤخرا، فإنه لا يتوقع تجاوز نسبة رفع الرواتب أكثر من 40 بالمئة، كما أنه لا جدوى من زيادة الرواتب دون سياسة نقدية قادرة أن تمتص هذه الأموال، وتثبت معدل التضخم، كيلا تتبخر مع الارتفاع بالأسعار.

عضو “مجلس الشعب” السوري محمد زهير تيناوي، أوضح في تصريحات صحفية سابقة، أن كل المؤشرات والمتابعات والتحليلات والاجتماعات التي تنعقد في “مجلس الوزراء” ومن اللجان المختصة تصبّ في خانة واحدة وهي أن هناك زيادة مرتقبة في الرواتب والأجور.

تيناوي أشار إلى أن الوضع المعيشي للمواطن اليوم لم يعد مقبولا بأي شكل من الأشكال بسبب تدني الرواتب والأجور وضعف القوة الشرائية لليرة السورية، إلى جانب تدهور قيمة سعر الصرف ونتيجة لهذه العوامل أصبح لابد من تحسين الوضع المعيشي وزيادة دخل المواطن من خلال تحريك الرواتب والأجور من جهة وتثبيت الأسعار ومراقبتها من جهة أخرى.

تيناوي توقع نسبة الزيادة لحدود 100 بالمئة، مؤكدا ضرورة رفعه لأكثر من ذلك، بحيث يتراوح دخل المواطن كحد أدنى بين 800 ألف و1.200 مليون ليرة. بينما أكدت وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي، بأن الزيادة المرتقبة على الرواتب والأجور ستكون خلال أسابيع وقد تكون قبل عيد الأضحى، معتبرة في تصريح صحفية مؤخرا، بأن المشكلة هي في الذهنية التي تقارب من خلالها الحكومة كل المشاكل الاقتصادية حيث إن مستوى الرواتب المتدنية هو نتيجة لتلك المشاكل، والمفروض معالجة الأسباب التي خلقت تلك المشاكل سواء سعر الصرف أو مستوى الإنتاج أو معدل التضخم وغيره.

في المقابل، نوّه تيناوي، أن المواطن اليوم ليس بحاجة لزيادة يمكن أن تمتصها بشكل فوري أو مسبق الأسعار الملتهبة المتداولة في السوق، مبينا أن أي زيادة في الرواتب يجب أن يرافقها مراقبة ومتابعة من الجهات المختصة، مؤكدا على عدم منطقية تحريك أسعار المشتقات النفطية وحوامل الطاقة من أجل تمويل الزيادة المحتملة في الرواتب من فروقات أسعار هذه المواد، لأن تحريك أسعار المشتقات النفطية سينعكس سلبا وبشكل مباشر على المواطن وسيؤدي إلى حدوث زيادة في أسعار سلع ومنتجات كثيرة.

في كل مرة تقوم الحكومة برفع قيمة الرواتب ولو بشكل طفيف، فإن الأسعار تنفلت في الأسواق، فضلا عن قيامها برفع أسعار المشتقات النفطية، مثل البنزين والغاز، وهذا ما تقوم به بالفعل حاليا، ترفع أسعار المحروقات من جهة ومن ثم الرواتب، أي أن الزيادة تتم على حساب المواطن وجيبه، وبالتالي فإن أي زيادة في الرواتب تكون أقل من 800 بالمئة، ستُبقي المواطن في مرمى الغلاء والفقر.

تيناوي قال في تصريح سابق أيضا، إنه عادة ما يتم اللجوء إما لرفع أسعار حوامل الطاقة، أو لرفع الضريبة في حال عدم وجود مصدر مالي لتغذية أي زيادة على الرواتب والأجور، وفي هذه الحالة، وخاصة عندما يتم رفع أسعار المشتقات النفطية حتى وإن كانت زيادة الأجور بنسبة 100 بالمئة فإنها لن تكون مجدية، أو ذات نفع بالنسبة للمواطنين، بمعنى آخر وكأن الزيادة لم تكن، لأنه سيجري إنفاقها كثمن للمواد التي رُفعت أسعارها.

مما لا شك فيه أن هذا الارتفاع الأخير في أسعار الفيول من قبل الحكومة في دمشق سيولّد موجة جديدة من الزيادات في الأسعار التي ستجتاح جميع الأسواق السورية قريبا، مما سيزيد ويعمق فجوة المعاناة المعيشية لدى المواطنين داخل البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات