مسألة رفع الرواتب في سوريا صارت حديث الجميع، لاسيما في الآونة الأخيرة مع تدهور سعر الصرف والزيادة الدراماتيكية في الأسعار. فتحسين المستوى المعيشي للمواطن السوري بات من الضروريات، بالنظر إلى حجم الضغوط المعيشية الصعبة لجميع الأُسر السورية، بغض النظر عن مستويات دخلها.

على إثر عقد جلسة لـ”مجلس الوزراء السورية” الأسبوعية التي انعقدت منذ نحو أسبوعين والتي تم خلالها مناقشة ملف تحسين الوضع المعيشي وواقع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والمتقاعدين، ازداد الحديث كثيرا عن احتمال صدور زيادة قريبة على الرواتب والأجور، وفي هذا الصدد قال أحد أعضاء “مجلس الشعب” السوري بجانب أحد الوزراء السابقين بالحكومة السورية، إن ثمة زيادة مرتقبة في الرواتب والأجور، ومن الممكن أن تصدر قبل عيد الأضحى المقبل.

زيادة بنسبة 100 بالمئة

عضو “مجلس الشعب” السوري محمد زهير تيناوي، أوضح في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية اليوم الخميس، أن كل المؤشرات والمتابعات والتحليلات والاجتماعات التي تنعقد في “مجلس الوزراء” ومن اللجان المختصة تصبّ في خانة واحدة وهي أن هناك زيادة مرتقبة في الرواتب والأجور.

ضرورة زيادة الرواتب بنسبة 800 بالمئة- “إنترنت”

تيناوي أشار إلى أن الوضع المعيشي للمواطن اليوم لم يعد مقبولا بأي شكل من الأشكال بسبب تدني الرواتب والأجور وضعف القوة الشرائية لليرة السورية، إلى جانب تدهور قيمة سعر الصرف ونتيجة لهذه العوامل أصبح لابد من تحسين الوضع المعيشي وزيادة دخل المواطن من خلال تحريك الرواتب والأجور من جهة وتثبيت الأسعار ومراقبتها من جهة أخرى.

بدورها، أكدت وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي، بأن الزيادة المرتقبة على الرواتب والأجور ستكون خلال أسابيع وقد تكون قبل عيد الأضحى، ومن الواضح بأن الحكومة جادة في مناقشة واقع الرواتب والأجور حيث إنها أجرت دراسة شاملة لهذه الزيادة حسب التصريحات.

عاصي اعتبرت في تصريح لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الأربعاء، بأن المشكلة هي في الذهنية التي تقارب من خلالها الحكومة كل المشاكل الاقتصادية حيث إن مستوى الرواتب المتدنية هو نتيجة لتلك المشاكل، والمفروض معالجة الأسباب التي خلقت تلك المشاكل سواء سعر الصرف أو مستوى الإنتاج أو معدل التضخم وغيره.

أما بالنسبة للزيادة المتوقعة، قال تيناوي بأنه في حال وصلت الزيادة لحدود 100 بالمئة فإن ذلك يعتبر أمرا جيدا وانجازا للحكومة وليس للمواطن لأن الإيرادات التي تستطيع تحقيقها الحكومة بالكاد تغطي هذه النسبة، مؤكدا أنه في ظل الظروف الحالية الصعبة والارتفاع الجنوني في الأسعار، المطلوب زيادة الرواتب والأجور بنسب أعلى بكثير من 100 بالمئة ويجب أن يتراوح دخل المواطن كحد أدنى بين 800 ألف و1.200 مليون ليرة.

بينما تقول وزيرة الاقتصاد السابقة، إن زيادة الراتب والأجور قد لا تتجاوز حدود 35 – 40 بالمئة، لأن تمويلها سيكون عن طريق قروض من “البنك المركزي” يعني تمويلا تضخّميا بكل آثاره السلبية على الأسعار وعلى قيمة الليرة، وبالتأكيد هذا التمويل سيرفع معدل التضخم، إذ إن التمويل التضخمي من خلال سندات الدين العام دائما يترافق بارتفاع في معدل التضخم وارتفاع الأسعار نتيجة ذلك.

هذا في حين تم التداول مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي أحاديث عن احتمال أن تكون الزيادة تتراوح بين 200 و300 بالمئة، إلا أنه وفق توقعات المسؤولين الحكوميين، فإن الزيادة المتوقعة قد لا تتجاوز الـ 50 بالمئة.

زيادة على حساب المواطن!

في المقابل، نوّه عضو “مجلس الشعب” السوري، أن المواطن اليوم ليس بحاجة لزيادة يمكن أن تمتصها بشكل فوري أو مسبق الأسعار الملتهبة المتداولة في السوق، مبينا أن أي زيادة في الرواتب يجب أن يرافقها مراقبة ومتابعة من الجهات المختصة وبشكل خاص من “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” بكل مؤسساتها.

المسؤول الحكومي أكد على ضرورة تدخل “المؤسسة السورية للتجارة” في السوق بشكل إيجابي، وليس اسميا أو شكليا كما يلاحظ اليوم في صالاتها التي باتت أسعار المبيع في بعضها أعلى من الأسعار في السوق، مؤكدا أنه من المفترض أن يكون الهدف الأساسي الذي تعمل عليه “السورية للتجارة” اليوم، هو إنقاذ المواطن من ارتفاع الأسعار ولو قامت بالبيع بسعر التكلفة من دون هامش ربح.

في سياق احتمالية حدوث زيادة في أسعار المشتقات النفطية كي تصبح مصدرا من مصادر تمويل زيادة الرواتب، أكد تيناوي أنه من غير المقبول أن يتم تحريك أسعار المشتقات النفطية وحوامل الطاقة من أجل تمويل الزيادة المحتملة في الرواتب من فروقات أسعار هذه المواد، لأن تحريك أسعار المشتقات النفطية سينعكس سلبا وبشكل مباشر على المواطن وسيؤدي إلى حدوث زيادة في أسعار سلع ومنتجات كثيرة.

في كل مرة تقوم الحكومة برفع قيمة الرواتب ولو بشكل طفيف، فإن الأسعار تنفلت في الأسواق، فضلا عن أن الحكومة تقوم برفع أسعار المشتقات النفطية، مثل البنزين والغاز، وهذا ما قامت به الحكومة بالفعل قبل نحو أسبوعين، وبالتالي فإن أي زيادة تكون أقل من 800 بالمئة، المواطن سيبقى في مرمى الغلاء والفقر.

تدعيما لهذه الفرضية، فقد قالت وزيرة الاقتصاد السابقة إنه وحسب تصريحات حكومية، يجري رفع أسعار المواد الأساسية التي تنتجها أو تقدمها الدولة سواء مشتقات الطاقة أم غيرها فقط لتغطية تكلفة توفير هذه المواد، وبالتالي فإن رفع أسعار هذه المواد لا يستطيع تأمين التمويل لتلك الزيادة على الرواتب والأجور، وبالتالي سيتم تمويل الزيادة عن طريق إصدار سندات دين عام وهو التمويل السهل، ولكنه “التمويل التضخمي” وسيكون له نتائج سريعة الانعكاس على الأسعار ومعدل التضخم المرتفع أصلا والذي وصل إلى معدلات غير مسبوقة، وبلغ نسبة 3825 بالمئة بين 2011 -2021 حسب “المكتب المركزي للإحصاء”.

الأسواق السورية- “سانا”

عاصي أردف أنه قبل أيام صرح رئيس مجلس الوزراء، بأنه لا يوجد موارد تسمح بمنح أي زيادة على الرواتب والأجور، وذلك في اجتماع أمام “اتحاد نقابات العمال”، وبالتالي فإن هذا التصريح ينبئ بأنه لم يجرِ تمويل الزيادة من مصادر حقيقية، وتم إقرارها لتلبية ضغوط كبيرة من العاملين الذين باتوا يعانون الأمرّين في تأمين مستلزمات العيش الضرورية.

تيناوي قال في تصريح سابق مؤخرا، إنه عادة ما يتم اللجوء إما لرفع أسعار حوامل الطاقة، أو لرفع الضريبة في حال عدم وجود مصدر مالي لتغذية أي زيادة على الرواتب والأجور، وفي هذه الحالة، وخاصة عندما يتم رفع أسعار المشتقات النفطية حتى وإن كانت زيادة الأجور بنسبة 100 بالمئة فإنها لن تكون مجدية، أو ذات نفع بالنسبة للمواطنين، بمعنى آخر وكأن الزيادة لم تكن، لأنه سيجري إنفاقها كثمن للمواد التي رُفعت أسعارها.

هذا التكتيك ليس بعيدا عن الحكومة السورية، فهي لطالما قامت برفع أسعار حوامل الطاقة وفي المقابل لم تقم برفع قيمة الرواتب، وبالتالي إن أقدمت بالفعل في الفترة القادمة على خطوة زيادة الأجور، فإنها حتما ستقوم برفع أسعار الخدمات الأساسية الأخرى كالكهرباء ومازوت التدفئة وحتى المياه.

الحكومة لا تتبنى حلول جدية!

السؤال الأبرز في هذه المعادلة، هو هل سيتمكن الموظفون من الاستفادة من الزيادة، ومنع السوق والأسعار من التهامها، وإجابة هذا السؤال طبقا لوزيرة الاقتصاد السابقة، أن الأسعار بحالة ارتفاع دائم سواء حصلت زيادة على الرواتب أم لم تحصل، والموظفون في القطاع الحكومي والعام باتوا هم الأقل دخلا، والأكثر هشاشة في مواجهة متطلبات الحياة.

إن تثبيت سعر الصرف مقابل رفع الأجور يجب أن يتم عبر رسم خارطة طريق، تكون البوصلة الأساسية لها في زيادة الإنتاج، وليس التعامل مع موضوع سعر الصرف كظاهرة منعزلة عن مسبباتها، وبالتالي المطلوب سيكون معالجة المشاكل التي يعانيها الاقتصاد السوري نفسها، طبقا لتحليل لمياء عاصي.

كما أن احتواء التضخم عبارة عن رحلة طويلة وأهم مرتكزاتها تحسين الإنفاق الحكومي والحد منه سواء من خلال رفع كفاءة إدارة الدعم أو تحسين الإنتاجية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، بالإضافة الى اتباع سياسة نقدية فعّالة من خلال رفع الفوائد والتحكم في الكتلة النقدية.

بعض التقارير المحلية تقول، إن أي زيادة لا تلامس سقف ثلاثة ملايين ليرة فهي عاجزة عن تحسين المستوى المعيشي للمواطن السوري. والعديد من المطالب تقدّم بها “مجلس الشعب” السوري، خلال السنوات القليلة الماضية إلى الحكومة السورية تتعلق بزيادة الرواتب والأجور في البلاد، كي تتناسب مع غلاء أسعار السلع والخدمات ووصول معدلات التضخم إلى أرقام قياسية، وكانت هناك مطالبات تتعلق برفع راتب الموظف الحكومي إلى 800 ألف ليرة سورية، لكن بالنظر إلى الواقع السوري، هل يملك “مجلس الشعب” السلطة لاقتراح هذه المطالب، وهل يتم ردم الفجوة بين الدخل والأسعار في حال تم رفع الراتب إلى 800 ألف.

في الحقيقة أن مشكلة تدهور الوضع المعيشي في سوريا، تتجاوز مشكلة مقدار ما يحصل عليه الموظف الحكومي أو غيره من السوريين العاملين حتى في القطاع الخاص، فحتى لو سلّمنا بقبول حكومة دمشق رفع الرواتب بنسبة معينة كما فعلت في عديد المناسبات سابقا، فإن هذه الزيادة ستتبعها بالتأكيد زيادة مماثلة في أسعار السلع والخدمات، وقد أكدت تقارير اقتصادية سابقة، أن جميع الزيادات التي أقرّتها دمشق سابقا لم تنعكس بشكل إيجابي على المستوى المعيشي للموظفين.

الحكومة في دمشق تبدو عاجزة عن السيطرة على الأزمات الاقتصادية المختلفة، ولو كان بيدها أدوات اقتصادية حقيقية، لحاولت الحفاظ على قيمة العملة المحلية من الانهيار، وبالتالي أوقفت الزيادات الخيالية في أسعار السلع والخدمات، التي لم يعد المواطن يتحمّلها، وكان هذا الخيار الأفضل من ترك الاقتصاد ينهار ومن ثم اللجوء إلى رفع الرواتب 20 و30 بالمئة.

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهِد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفاعا بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجّلت في شهر تموز/يوليو لنفس العام، لتصل إلى ما يقارب الـ 3.5 ملايين ليرة.

لكن بالنظر إلى أن الأسعار خلال الشهرين الماضيين ارتفعت بنسب كبيرة لتصل لأكثر من 50 بالمئة للعديد من السلع، فإن تكاليف المعيشة تضاعفت بطبيعة الحال، وبالتالي يعني أن الأسرة الواحدة في سوريا تحتاج لنحو 6 ملايين ليرة سورية، أي نحو 700 دولار شهريا حتى تستطيع أن تعيش حياتها بشكل طبيعي، وسط ارتفاع معدل الفقر لنحو 90 بالمئة من الشعب السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات