في خطوة مثيرة للاستغراب وفيما يتعلق بالقطاع الصحي بسوريا، قررت وزارة الصحة أمس الثلاثاء، إغلاق مشفى “اليرموك” الخاص في درعا. ما يجعل هذا القرار صادما ومثيرا للتساؤلات هو السبب الغريب الذي دفع الوزارة لاتخاذ هذا الإجراء.

صفحات التواصل قُبيل القرار ضجت بمقطع فيديو مصور، يُظهر أوراق نبات “الملوخية” والتي تعتبر جزءا من تراث الطعام السوري، على بعض الأسرّة في المشفى.

ما أثار استياء مشاهدي الفيديو المصور من داخل المشفى الخاص، هو الكشف عن درجة الاستهتار والإهمال التي يُعامل بها حياة الناس في بعض المرافق الصحية. فكيف يمكن أن يصل الأمر إلى حدّ تلويث الأسرّة بالملوخية، وهل هذا هو المستوى الذي وصلت إليه معايير الرعاية الصحية في سوريا.

ملوخية بحاضنات الأطفال

يوم الاثنين الفائت، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي  مقطع مصور من داخل غرفة حاضنات حديثي الولادة، لطفل داخل الحاضنة، وبجانبه أسرّة طبية وضعت عليها أوراق نبات الملوخية من أجل تجفيفها، وهي عادة سورية من أجل تموين نبات الملوخية لفصول الشتاء.

تجاهل الكوادر الطبية لأهمية حياة المواطنين أمرا يثير القلق - إنترنت
تجاهل الكوادر الطبية لأهمية حياة المواطنين أمرا يثير القلق – إنترنت

المقطع الذي صورّه والد الطفل، وخاطب به أخيه ليطلعه على صورة الوضع المزري، قال فيه هنا يرقد “عز الدين” ويظهر تحت حاضنته الإهمال بالأغطية الطبية وعدم نظافتها، وعلى يسار الحاضنة يظهر سريران عليهما أوراق الملوخية، ليُضيف والد الطفل متهكّما “هذا مشفى خاص، والله لنكيف”.

الملوخية في هذا السياق أصبحت بمثابة رمز للإهمال والاستخفاف بحياة المرضى. فكيف يمكن للأشخاص الموثوق بهم للعناية بالمرضى أن يصلوا إلى هذا الحد من الاستخفاف بالقواعد الأساسية للنظافة والسلامة.

بعد ساعات أعلنت وزارة الصحة، أنها أصدرت القرار رقم 1872، المتضمن الإغلاق والختم بالشمع الأحمر لمشفى “اليرموك” الخاص الكائن بحي السحاري في محافظة درعا.

الوزارة أشارت إلى أنه بعد انتهاء عمل لجنة مكلفة من الوزارة بإجراء تفتيش ميداني على المشافي في محافظة درعا. وكانت النتائج صادمة ومروعة، حيث تم رصد عدد من المخالفات الفنية والصحية في مشفى “اليرموك” الخاص. فقد تم اكتشاف سوء النظافة وعدم الالتزام بإجراءات السلامة والنظافة الأساسية، مما يعرّض حياة المرضى للخطر ويشكل تهديدا على الصحة العامة.

الاستهتار بحياة المواطنين

رغم أن  سعر أدنى عملية قيصرية في مشفى خاص داخل سوريا يُقدر بحوالي 3 مليون ليرة سورية، إلا أن تجاهل الكوادر الطبية لأهمية حياة المواطنين أمرٌ يثير القلق، حيث يبدو أن الاستهتار بها بات أمرا بديهيا وسهلا. فما يثير التساؤل هو كيف يمكن لمن يعملون في مجال الرعاية الصحية أن يصلوا إلى هذا الحد من قلة الاهتمام والاحترام بحياة المرضى، وهل القطاع الطبي بحاجة إلى إحداث تغيير جذري في العقليات والممارسات الطبية.

اللامبالاة بحياة المواطنين بات أمرا سهلا لدى الكوادر الطبية - إنترنت
اللامبالاة بحياة المواطنين بات أمرا سهلا لدى الكوادر الطبية – إنترنت

هذه الحالة غير المنطقية تأتي في سياق اكتشافات عدة تشير إلى وجود مخالفات فنية وصحية في عدد من مشافي محافظة درعا. فقد تبين بأن النظافة السيئة وعدم الامتثال لإجراءات السلامة والنظافة الأساسية تشكل تهديدا حقيقيا على حياة المرضى وتهدد الصحة العامة.

بحسب حديث الطبيب، عبد الستار أبازيد، لـ”الحل نت”، فإن استهتار الكوادر الطبية بحياة المواطنين في الأماكن التي ينبغي أن تكون ملاذا آمنا ومريحا ينبغي أن يثير جدلا كبيرا. فلا تفسير منطقي لعدم تعامل الجهات الطبية بشكل بديهي مع القواعد الأساسية للنظافة والسلامة، إلا أن هناك انخفاض في المعايير أو انتقاص في المسؤولية.

طبقا لما يرويه أبازيد، فإن اللامبالاة بحياة المواطنين بات أمرا سهلا لدى الكوادر الطبية، وهذا يشكل خطرا جسيما على النظام الصحي. وإن ما يحتاجه النظام الصحي في سوريا الآن هي إجراءات صارمة وفحص دقيق للممارسات الطبية، بالإضافة إلى تعزيز الوعي والمسؤولية لدى الكوادر الطبية. إذ يجب وضع حياة المرضى كأولوية قصوى والعمل على تحقيق معايير الرعاية الصحية العالمية.

مخالفات برسم من؟

إن إغلاق مشفى “اليرموك” الخاص يعني إنذارا جادا بشأن الأوضاع الصحية في سوريا، لا سيما وأن كل مستشفى تتقاضى حسب الخدمات التي تقدمها للمريضة، لكن تكلفة الدخول إلى معظم المستشفيات الخاصة تعتبر مرتفعة، وتزيد تكاليف الإقامة هناك من التكلفة الإجمالية.

إنذار جاد بشأن الأوضاع الصحية في سوريا - إنترنت
إنذار جاد بشأن الأوضاع الصحية في سوريا – إنترنت

حادثة مشفى “اليرموك” لم تكن الأولى هذا العام، ففي مأساة باتت تتكرر بوتيرة متصاعدة، فارق طفلٌ الحياة بسبب خطأ طبي بعد دخوله أحد المشافي لإجراء خزعة لا أكثر، حيث ذكرت تقارير محلية في آذار/مارس الفائت، أن الطفل جود سكر توفّي في دمشق متأثرا بتدهور حالته الصحية على خلفية خطأ طبي.

حادثة وفاة الطفل جود سكر أتت في وقتٍ شهدت فيه المشافي العامة والخاصة مؤخرا العديد من حالات الوفاة نتيجة الأخطاء والإهمال الطبي. ففي شهر شباط/فبراير الماضي، تُوفيت شابة تبلغ من العمر 34 عاما نتيجة خطأ طبي بعد إعطائها إبرة التهاب من قبل ممرض في حي الأرمن بحمص دون وصفة طبيب.

أيضا في 21 من أيلول/سبتمبر الماضي،  توفي الشاب أكرم بسام فاضل، عقب إعطائه إبرة مضاد حيوي في مشفى “تشرين” الجامعي في اللاذقية. وقبل ذلك بأيام، توفي الشاب حامد البارودي نتيجة إعطائه إبرة “روسيفلكس” من قبل الممرض المناوب، في مشفى “الغزالي” بدمشق.

يبدو أن الأولوية في هذه الحالة لدى المستشفيات الخاصة تكمن في الربح المادي على حساب الوضع الصحي والاقتصادي الصعب الذي يواجهه العديد من السوريين. وهذا يعني أن المواطنين باتوا في مأزق حقيقي، والأمور تجاوزت حدّ الكارثة، خصوصا مع هروب الكوادر الطبية من البلاد، واستهتار البعض المتبقي بسبب انخفاض قيمة الرواتب التي يتقاضونها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات