بينما لا يزال العراقيون يعانون حتى الآن من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية نتيجة الارتفاع القياسي لأسعار صرف الدولار منذ مطلع العام الحالي، التي لم تفلح الإجراءات الحكومية بالسيطرة عليها وإعادتها إلى السعر الرسمي رغم انخفاضها نسبيا، إلا أنه مجددا يبدو العراق مقبلا على أزمة جديدة، بعد أن قررت الولايات المتحدة الأميركية فرض عقوبات جديدة على 14 مصرفا عراقيا، نتيجة تعاملات مع إيران.

العقوبات الأميركية التي فرضت على المصارف العراقية، وفق ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” أمس الأربعاء، جاءت لغرض منعها نت إجراء معاملات بالدولار في إطار حملة شاملة على تحويل العملة الأميركية إلى إيران ودول أخرى خاضعة للعقوبات في الشرق الأوسط.

الصحيفة الأميركية نقلت عن مسؤولين أميركيين، القول إن الخطوة جاءت بعد الكشف عن معلومات تفيد بأن البنوك المستهدفة متورطة في عمليات غسيل أموال ومعاملات احتيالية، مضيفة أن بعض هذه العمليات ربما تتعلق بأفراد خاضعين للعقوبات، مما يزيد المخاوف من إيران ستكون مستفيدة منها.

الدوافع الأميركية لمعاقبة المصارف العراقية

هذه العقوبات جاءت، لامتلاك أميركيا لأسباب قوية للشك، في أن بعض عمليات غسيل الأموال هذه قد تعود بالفائدة إما لأفراد مشمولين بالعقوبات الأميركية، أو لأشخاص يمكن أن تشملهم العقوبات، بحسب مسؤول أميركي تحدث للصحيفة، فيما أضاف أن، الخطر الأساسي للعقوبات في العراق يتعلق بإيران بالتأكيد.

بحسب الصحيفة، فإن مصارف وشركات صرافة تمكنت من تحقيق أرباح ضخمة من تعاملاتها بالدولار، وذلك باستخدام عمليات استيراد احتيالية ومخططات أخرى، بحيث يمكن لهذه المصارف والشركات إعادة بيع الدولار، الذي تشتريه من “البنك المركزي” العراقي بالسعر الرسمي، بسعر السوق الذي يكون عادة مرتفعا بشكل ملحوظ.

بالتالي فإن هذه العقوبات الأميركية بمنع الوصول إلى الدولار هو حكم إعدام بطيء للعديد من البنوك العراقية، التي لديها عدد قليل من المودعين وتقدم قروضا تجارية قليلة وتعتمد على التعامل بالدولار لجني معظم أرباحها.

على مدى عقدين من الزمن، أصبحت تجارة الدولار في العراق مصدرا للفساد المستشري في البلاد، حيث شكل أصحاب المصارف تحالفات مع زعماء ميليشيات وسياسيين نافذين لتأمين الوصول إلى العملة الأميركية، بحسب الصحيفة.

تعليقا على ذلك وتداعياته، يقول العامل في القطاع المالي أحمد الربيعي، إن هذه الإجراءات تؤكد أن العراق قد فشل خلال العقدين في بناء نظام مالي ومصرف محترم وفعال، وإن شبكة المصارف وشركات الصرافة ما هي إلا أبواب فساد ومصادر تمويل للميليشيات وأعوانهم الذي ترعاهم الأحزاب السياسية الحاكمة.

الربيعي، لفت إلى أن في ذلك تداعيات كبيرة على مستوى الشارع العراقي، فإن هذه الإجراءات ستؤدي بشكل أو بآخر إلى قلة عرض الدولار في الأسواق العراقية وهذا ما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار الصرف، لينعكس بشكل مباشر على أسعار السلع الاستهلاكية من جانب، ومن جانب على القطاع الاستثماري الذي سيتضرر بشكل كبير نتيجة لشحة الأموال.

غسيل الأموال وتهريب العملة وراء العقوبات الأمريكية

الخبير في القطاع المالي أوضح، أن شركات الصرافة وبخاصة تلك التي تمتلك إجازة تعامل مباشر مع “البنك المركزي” العراقي، في الغالب تعود لأحزاب متنفذة وجهات مسلحة، تعمل على بالتواطئ مع جهات نافذة في القطاع المالي العراقي و”البنك المركزي” على الحصول على العملة الصعبة ومن ثم إعادة طرحها بأسعار مرتفعة عن السعر الرسمي بكثير.

واشنطن تفرض عقوبات على 14 مصرفا عراقيا/ إنترنت + وكالات

لكن مع الإجراءات الأميركية التي فرضت على القطاع المصرفي في البلاد مطلع العام الحالي، ومنع الكثير من التعاملات، وفرض رقابة مشددة على التحويلات الخارجية والتي كانت غالبا ما تتم لغرض غسيل الأموال، دفعت بهذه الجهات إلى استخدام آلية معينة تساعدهم في الحصول على الدولار مع إجراء تضاربات سوقية فيه، مما يوفر له أرباحا طائلة، وهذه العميلة هي عبارة عن فوائد لأطراف وجهات محظورة.

العملية كانت بحسب الربيعي الذي تحدث لموقع “الحل نت”، تتم من خلال توديع الدينار العراقي في بطاقات الائتمان وتحويلها إلى دول الخارج في تركيا والإمارات، ومن ثم سحب تحويل الدينار إلى عملية صعبة من خلال صرافات تلك الدول قبل أن يتم إعادة الأموال إلى العراق وبيعها في السوق الموازية بأسعار مرتفعة.

عادة ما، إن هذه العملية تتم من أجل توفير مكاسب مادية، أو من أجل إيجاد منفذ لإيصال الحوالات المالية إلى إيران وسوريا ولبنان الخاضعات للعقوبات الأميركية، ذلك لأن هذه الدول تعاني من نقص شديد في العملة الصعبة، لذلك يتم تعويض هذا النقض من خلال هذه الآلية والتي توفر في ذات الوقت أرباحا إضافية، وفق الربيعي.

كل ذلك يأتي بعد أن كانت وزارة الخزانة الأميركية قد منعت أربعة بنوك عراقية أخرى من الوصول إلى الدولار في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وكذلك فرضت بالتعاون مع “البنك المركزي” العراقي ضوابط أكثر صرامة على التحويلات المالية في البلاد بشكل عام، ما تسبب بارتفاع قياسي لأسعار الدولار.

فنتيجة لذلك تراجعت قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار وارتفعت أسعار السلع المستوردة، مما أدى إلى أزمة استمرت لنحو ثلاثة أشهر، في حين أدت الإجراءات السابقة لخفض قيمة التحويلات اليومية بالدولار عبر البنوك التجارية العراقية، بأكثر من 80 بالمئة.

تطمينات أميركية مع ارتفاع أسعار الدولار بالأسواق العراقية

أما فرض العقوبات الجديدة، فإنها بحسب مسؤولون قالوا للصحيفة، إن زيادة عمليات التدقيق ساعد “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” في فرض عقوبات على المصارف العراقية الـ14، نتيجة قيامها بتعاملات مشبوهة، وذلك في الوقت الذي توقف فيه العديد من البنوك عن إجراء التحويلات المالية في الأشهر الأخيرة، ذلك لأنها غير قادرة على تقديم معلومات كافية لـ “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” للموافقة على الصفقة.

عقوبات أميركية على مصارف عراقية تقفز بأسعار صرف الدولار/ إنترنت + وكالات

في السياق، قال مسؤول أميركي كبير، إن البعض استخدم طرقا جديدة لنقل الدولارات بشكل غير قانوني، بما في ذلك الاستعانة ببنوك مختلفة على أمل الهروب من رقابة “مجلس الاحتياطي الفيدرالي”، مشيرا إلى أن أخرين حاولوا استخدام عشرات البطاقات النقدية المحملة بالدينار في العراق ثم نقلها إلى الدول المجاورة حيث يمكن سحب الأموال منها بالدولار.

في حين أن بعض البنوك عمدت أيضا، وفقا للمسؤول الأميركي، من أجل تجنب التدقيق للاستعانة بشركات تحويل أموال غربية وشبكات غير رسمية في الشرق الأوسط لنقل الأموال، عبر الحوالات، وذلك من أجل تجنب عمليات التدقيق.

وسط ذلك، لفتت الصحيفة نفلا عن المسؤولين الأميركيين حول تداعيات وتأثيرات الخطوة الأميركية الأخيرة على الاقتصاد العراقي، إلى أنها قد لا تكون شديدة التأثير، مستشهدين بإحصاءات داخلية أظهرت أن البنوك الأربعة عشر مجتمعة تمتلك 1.29 بالمئة فقط من إجمالي الأصول المصرفية في العراق.

في حين أن الكثير من الأنشطة المصرفية المشروعة في العراق تجري من قبل البنوك المملوكة للدولة، وأن البلاد فيها 46 مصرفا تجاريا آخر غير متأثر بحظر الدولار، لكن بالرغم من هذه التطمينات، لم يتأخر سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية كثيرا للارتفاع، لتفتح الأسواق بسعر 1490 دينار لكل دولار، قبل أن يصل إلى 1510 دينار لكل دينار، أي أكثر بـ 19 نقطة عن السعر الرسمي المحدد عند 1320 دينار لكل دولار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات