نحو ثلاثة أشهر مرّت على اندلاع الصراع العسكري بين قوات الجيش السوداني التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، و”قوات الدعم السريع” المعروفة بدعمها الذي تتلقاه من روسيا بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي”، في ظل عدم وجود مؤشرات على اقتراب الحل وإنهاء التوتر الحاصل في البلاد.

حتى الآن فشلت جميع المحاولات الإقليمية والدولية لفرض هدنة من شأنها إيقاف القتال، وتجنيب السودان حرب قد تطول لسنوات عديدة، الأمر الذي دفع أطرافا دولية إلى التهديد بفرض عقوبات مختلفة على طرفي الصراع، من أجل الضغط عليهما لإنهاء الصراع العسكري في البلاد.

لا يبدو أن الأطراف الدولية وتحديدا الجانب الغربي يرغب بمساندة طرف ما على حساب آخر في السودان، إذ إن التهديد بالعقوبات شمل الطرفين المتصارعين في البلاد، الأمر الذي قد يجبر الجانبين على التوقف عن القتال، أو أن كل طرف يعتقد أنه يجب عليه حسم الصراع بشكل عسكري داخليا، وما قد أكدت عليه القوات المسلحة عدة مرات خلال الأسابيع الماضية.

استياء أوروبي

في مؤشر على وجود استياء في الأوساط الأوروبية من جراء استمرار الصراع العسكري في السودان، حيث لوّحت بعض الدول الأوروبية بفرض عقوبات مختلفة على طرفي الصراع في السودان، لدفعهما نحو وقف إطلاق النار عقب تسرّب شعور بانسداد أفق مفاوضات جدة برعاية السعودية والولايات المتحدة، وعدم ظهور بوادر أمل في نجاح  المبادرات الإقليمية.

بحسب ما نقلت صحيفة “العرب” اللندنية، فإن “الاتحاد الأوروبي يفكر جدّيا في وضع إطار عمل يستهدف فرض عقوبات على المتحاربين، ومن أبرزها حظر سفر وتجميد أصول وحسابات مصرفية”، حيث يجري التحضير لإعداد مسودة مشروع بهذا الإطار، على أن يتم إنهاؤها بحلول أيلول/سبتمبر القادم.

مؤشرات عديدة ظهرت مؤخرا تدل على تصاعد المواجهات العسكرية، أبرزها إصرار الجانبين على حسم الصراع بشكل عسكري، وذلك بعد فشل جميع الجهود الإقليمية والدولية في إنجاح أي من الهُدن التي تم الإعلان عنها على مدار الأشهر الثلاثة الماضية.

الكاتب والباحث الأكاديمي الدكتور بشار نرش، استبعد أن تكون للعقوبات المقترحة تأثيرٌ مباشر على وقف الصراع العسكري الدائر في السودان، وذلك في ظل انعدام الحوافز للجلوس على طاولة المفاوضات السياسية، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية فيما إذا أراد المساهمة بوقف القتال في البلاد.

تأثير مباشر؟

نرش قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “أعتقد أن هذه العقوبات لن تكون مجدية، ولن يكون لها أي تأثير واضح، في حال تطبيقها، على إيقاف العمليات العسكرية بين الطرفين المتحاربين في السودان، وذلك لعدة أسباب أهمها، أن الخلافات بين الطرفين المتحاربين خلافات مستحكمة تدخل في إطار الصراع الصفري، فكل طرف من طرفي الحرب يعتقد أنه قادر على الانتصار عسكريا، وبالتالي حوافزه للجلوس إلى طاولة المفاوضات ضعيفة”. 

كذلك فإن التأثير السياسي والاقتصادي للاتحاد الأوروبي في السودان ضعيف وخجول، حتى ما قبل اندلاع الأزمة الحالية، فالاتحاد الأوروبي برأي نرش، “لا يملك أي قوى أو أدوات على الأرض السودانية يمكن أن تلعب دورا في الضغط على الطرفين المتحاربين ودفعهما إلى هدنة طويلة الأجل قد تكون مقدّمة لإيقاف الحرب”.

قد يهمك: ما أهمية مصادر الطاقة المصرية على استقرار المنطقة؟

نرش رأى أن مساهمة الدول الأوروبية في دفع عملية التهدئة في السودان، يمكن أن تكون عبر تكثيف الجهود الدبلوماسية مع جمع الأطراف الفاعلة في الأزمة السودانية لإيجاد حل سريع ومستدام لهذا الاقتتال الذي يتوقع له أن يمتد لمدن أخرى وقد يتحول إلى “حرب أهلية – عرقية”، وخصوصا ان البيئة السودانية مهيئة لمثل هذا الأمر. 

كذلك فإن تنسيق الجهود بين الاتحاد والولايات المتحدة ودول الجوار السوداني، من أجل “فرض رقابة صارمة على شراء وتوريد الأسلحة للأطراف المتحاربة في السودان، والتعاون النشط والفعال مع العديد من القوى الفاعلة في الشأن السوداني لتجفيف المنابع المالية للأطراف المتحاربة” يمكن له أن يساهم في دفع عملية التهدئة.

حتى الآن لا تشير التوقعات إلى وجود نهاية قريبة للصراع العسكري بدون وجودة إرادة داخلية ودولية، ومن هنا رجّح نرش “استمرار الاقتتال بين الطرفين المتحاربين في المدن الثلاث الرئيسية الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، وما يدفع لهذا القول،هو أن القدرات العسكرية لطرفي الاقتتال متوازنة نوعاً ما، كما أن الدول المؤيدة لكل طرف من طرفي الاقتتال قد تبدأ بتزويد الأطراف المتقاتلة بالأسلحة والعتاد لاستمرار الاقتتال لأطول فترة ممكنة”.

 من جانبه رأى الصحفي السوداني جمال الدين علي، أن الاتحاد الأوروبي أراد فقط أن يتخذ موقف سياسي، وذلك لعدم رغبته في أن يكون طرفا من أطراف الصراع بعدما تخلى عن الدعم السياسي لـ”قوات الدعم السريع”.

علي قال في حديثه لـ”الحل نت”، “الاتحاد كان له شراكات مع قوات الدعم السريع سابقا، تتعلق بمحاربة الهجرة غير الشرعية، لم يكن هناك جرأة على إدانة هذه القوات الآن، فاتجه كل إدانة الحرب وطرفي الصراع، برأيي هذا الموقف لن يساعد في حل المشكلة، كما أن العقوبات لن تؤثر على قادة طرفي الصراع وتدفعهما للتهدئة”.

أسباب إطالة أمد الصراع

واحد من أبرز أسباب إطالة أمد الصراع وفشل الهُدن في السودان، هوالتنافس الإقليمي على النفوذ في البلاد، حيث أن هناك إثيوبيا في صف حميدتي و”قوات الدعم السريع” ومصر في طرف الجيش السوداني، فضلا عن الصراع الخليجي الخليجي فيما يخص السودان، خاصة وأن البلاد تمتلك ثروات كبيرة وموقع استراتيجي هام.

التهديد بالعقوبات على طرفي الصراع لم تكن خطوة جديدة، فقد هددت واشنطن قبل الاتحاد الأوروبي بخطة مماثلة من أجل الضغط وفرض التهدئة، حيث أكدت وزارة الخارجية الأميركية، استعداد واشنطن لاتخاذ خطوات إضافية فيما يخص فرض عقوبات على أطراف الصراع السوداني، وذلك في إطار خطوات التعاون مع الحلفاء في المنطقة لوقف الصراع المستمر منذ نحو ثلاثة أشهر بين الجيش و”قوات الدعم السريع”.

صحيفة “الشرق الأوسط” نقلت عن مسؤول في الخارجية رفض الكشف عن اسمه قوله، إن الولايات المتحدة تعمل مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة ومنظمة “إيغاد”، والشركاء المحليين والدوليين، لحث طرفي النزاع على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية.

بحسب تصريح المسؤول، فإن واشنطن اتخذت خطوات لفرض عقوبات على طرفي الصراع، بما فيها إدراج 4 شركات تابعة للقوات المسلحة السودانية و”قوات الدعم السريع”، ومستعدة لاتخاذ خطوات إضافية، حيث تعمل من خلال مرصد النزاع في السودان، على جمع ونقل المعلومات حول الأنشطة المرتبطة بالصراع، بهدف وقف القتال وترويج الشفافية والمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوب مع الاحتياجات الإنسانية للشعب السوداني.

في إطار إصراره على الحسم العسكري، دعا الجيش السوداني قبل أيام الشباب السودانيين القادرين على حمل السلاح إلى تسجيل أنفسهم في أقرب قيادة عسكرية للقتال ضد “قوات الدعم السريع” شبه العسكرية، حيث أصدر الجيش بيانا اعتبر فيه أن القتال في صفوف الجيش “واجب للدفاع عن السودان، وقد تم توجيه قيادات الفِرق والمناطق العسكرية باستقبال وتجهيز المقاتلين، وعليهم التوجه لأقرب قيادة أو وحدة عسكرية”.

ما يعزز فكرة التصعيد على الأقل وفق المعطيات الراهنة، هو طريقة تعاطي “قوات الدعم السريع” مع التطورات الميدانية، حيث أكد مستشار حميدتي أن قواته لديها من التمويل العسكري والمؤن ما يكفي لمواصلة القتال لمدة عامين آخرين، في إشارة لرفض أي جهود للتهدئة لا تتضمن تنفيذ شروط قيادة “الدعم السريع”.

السودان شهد على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، قتالا عنيفا بين الجيش و”قوات الدعم السريع” في صراع على السلطة، بعد 18 شهرا من انقلاب عسكري أدى إلى ضرب مساعي وآمال الانتقال إلى الحكم المدني، في وقت شهدت فيه العاصمة الخرطوم خلال الأسابيع الماضية، فرارا لآلاف المدنيين إلى مناطق أكثر أمنا.

لكن المؤشرات في السودان، لا توحي حتى اللحظة بإمكانية قبول “قوات الدعم السريع” حلّ نفسها، أو الانخراط في الجيش السوداني، خاصة وأنها تحاول مؤخرا هزيمة قوات الجيش والسيطرة على العاصمة السودانية، بدعم مباشر من روسيا.

الدعم الخارجي الذي تقدمه بعض الدول الخارجية كروسيا الداعمة لـ “قوات الدعم السريع”، يُعتبر من أبرز عوامل ترجيح إطالة أمد الصراع في السودان، إضافة إلى عدم إبداء أي طرف استعداده للتهدئة، فحتى الهُدن التي تم الإعلان عنها خلال الأسابيع الماضية بوساطات خارجية، لم يلتزم بها أحد على الأرض.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات