بعد غياب الرؤية حول قانون النفط والغاز الذي كان مطلبا رئيسا للحزب “الديمقراطي” الكردستاني، خلال مباحثات تشكيل الحكومة التي تعطلت لأكثر من عام بسبب انقسامات داخل الكتل السياسية، والذي وافقت عليه تحالف “الإطار التنسيقي” الحاكم الذي يضم جميع القوى الشيعية الموالية لإيران، عاد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، هذا الملف الحساس إلى الواجهة مجددا، وسط غياب المواقف حول إذا ما كانت هناك أجواء مناسبة لتشريع القانون أم لا.
قانون النفط والغاز هو مطلب كردي رئيس أمام تشكل أي حكومة منذ عام 2005، وعلى الرغم من عدم التوصل لأي اتفاق يضمن حوله بين حكومتي بغداد وأربيل عاصمة كردستان، إلا أن الحزب “الديمقراطي” الكردستاني الحاكم، استغل في الانتخابات المبكرة الأخيرة عام 2021 تحقيقه فوزا ساحقا كأكبر كتلة نيابية كردية، للضغط على الأطراف الشيعية التي كانت تعيش حالة من الانقسام حول تشكيل الحكومة وصلت حد الصدام المسلح، لاتفاق على صيغة مبدئية تقضي بضرورة حسم هذا الملف الحساس.
فبعد أن انخرط “الديمقراطي” الكردستاني بعد الانتخابات في تحالف -إلى جانب القوى السنية- مع “التيار الصدري” الذي يقوده رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر الذي خاض صراعا شديدا حول تشكيل الحكومة مع غرمائه في تحالف “الإطار”؛ فرض الحزب الكردي على “الإطار” الذي نجح بتعطيل مشروع الصدر بتشكل حكومة “أغلبية وطنية” تستثني كل أو بعض أطرافه من المشاركة فيها، شروط عدة، من بينها حسم ملف قانون النفط والغاز، وهو ما اضطر “الإطار” الذي كان يحتاج مشاركة “الديمقراطي” لتمرير حكومته، الموافقة عليه.
تأخر إقرار قانون النفط والغاز يعمق خلافات أربيل وبغداد
سيناريو شمل العديد من القضايا التي طالبت بها الأطراف التي شاركت في تشكيل الحكومة، أدى فيما بعد إلى انفراط تحالف الصدر الذي انسحب من العملية السياسية تماما، والديمقراطي والسنة، وتشكيل ائتلاف “إدارة الدولة” الذي جمع “الإطار التنسيقي”، والحزبين الكرديين التقليديين “الديمقراطي” و”الاتحاد الوطني” الكردستانيين، وتحالف “السيادة” الجامع للقوى السنية، وجرى الاتفاق ضمن الاتفاق الشامل لتشكيل الحكومة، على أن يتم التوصل لاتفاق لتقديم قانون النفط والغاز لإقراره في “البرلمان” العراقي خلال 6 أشهر بعد تشكيل الحكومة.
لكن مع مضي أكثر من 9 أشهر على تشكيل الحكومة بقي ملف قانون النفط والغاز غائبا، علاوة عن صدور بعض المواقف الرافضة له، قبل أن يعيد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني طرحه مجددا الأربعاء الماضي، حيث أعلن بدء الاجتماعات والمناقشات الخاصة بدراسة مشروع قانون النفط والغاز بهدف إحالته إلى “البرلمان” لغرض تشريعه.
بناء على ذلك، عقد السوداني اجتماعا خُصّص لمناقشة مسودة قانون النفط والغاز الاتحادي، وبحسب البيان الذي أورده المكتب الإعلامي للسوداني، فقد حضر الاجتماع عدد من قادة الكتل السياسية، ووزراء الخارجية والنفط والصناعة، ومستشار وزير الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان العراق، فضلا عن عدد من المستشارين والخبراء الفنيين والقانونيين.
الاجتماع شهد استعراض آخر مسودات مشروع القانون، وتفاصيله وبنوده، وما عملت عليه اللجان الفنية والقانونية، والعمل على إنضاج المسودة النهائية للقانون تمهيدا لإقراره في “مجلس الوزراء”، ورفعه إلى “البرلمان” لتشريعه، حسب السياقات القانونية والدستورية، كما جاء في البيان، الذي نقل عن السوداني تأكيده بأن، قانون النفط والغاز من القوانين الأساسية والمهمة.
ذلك يأتي بعد أن كانت المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة تشريعية بالعراق) قد أصدرت في 15 شباط/فبراير من العام الماضي، حكما بعدم دستورية قانون النفط والغاز الخاص بحكومة الإقليم لعام 2007 والذي ينظّم صناعة النفط واستخراجه في الإقليم، وجاء هذا الحكم بعدما أبرمت حكومة الإقليم عقودا مع شركات نفطية أجنبية، في حين رفضت حكومة كردستان قرار المحكمة، والتخلي عن سيطرتها على صادرات النفط.
وسط كل ذلك، وبينما لا يزال المشهد قاتما حول جدّية دعوة رئيس الوزراء العراق بشأن تشريع القانون، يرى رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري، أنه على الرغم من أن الاتفاق السياسي الذي أفضى لتشكيل الرئاسات الثلاث قد أقرّ في “البرلمان” العراقي من خلال تحالف “ادارة الدولة”، وإنه كان ينص على أنه خلال مدة 6 أشهر ستكون الفترة التي يقدم خلالها قانون النفط والغاز ولكن بعد 9 أشهر لا زال القانون لم يقدم بعد.
ملفات شاغلة ودعوة مواربة
الشمري لفت إلى أنه، في ظل وجود انتخابات مجالس المحافظات التي تعتزم الحكومة إجراءها في نهاية العام الحالي، وفي ضوء الصراع الحزبي واختلاف وجهات النظر داخل المكونات السياسية حول القانون، على مستوى “الإطار التنسيقي” وحتى ما بين الحزبين الكرديين التقليديين “الديمقراطي” و”الاتحاد الوطني”، فإن الأجواء غير مناسبة لإقرار القانون، على الرغم من احتمالية تقديم نُسخ لمشروع القانون أو حصول مفاوضات حوله.
فمع غياب دور ضاغط لائتلاف “إدارة الدولة”، وفي ظل هذه المعطيات، فإن احتمالية تشريع القانون غير ممكنة حتى على مستوى المدى المتوسط، رئيس مركز “التفكير السياسي”، الذي لفت إلى أن دعوة رئيس الوزراء ما بعد 9 أشهر عن الاتفاق، فإنها تدخل في إطار كسب ود الحزب “الديمقراطي” الكردستاني، بخاصة وهو الآن يقع تحت ضغط جبهات متعددة مع القوى السياسية على مستوى عدم قدرة ايجاد منجز كبير في أداء الحكومة، لذلك لا يريد رئيس الحكومة خسارة دعم “الديمقراطي” الكردستاني كطرف داعم،
حول أسباب ذلك أوضح الشمري أكثر في حديثه مع موقع “الحل نت”، بأن القوى السياسية جميعها لها مصالحها الخاصة، فـ “الإطار التنسيقي” قد يجد أن تمرير قانون النفط والغاز لخصم سابق وحليف حالي وهو “الديمقراطي” الكردستاني يرجّح كفته بشكل كبير جدا، لذلك أي اتفاق مع “الديمقراطي” قد يمثل نصرا كبيرا لـ “الإطار” وركيزة لمواقفه، وهذا ما لا تدفع به بعض أطراف “الإطار”، فهذه الأطراف لا تريد خذلان من كان حليفهم منذ بداية الصراع حول تشكيل الحكومة وهو “الاتحاد الوطني” الكردستاني الذي يمر بخلافات مع غريمه الكردي “الديمقراطي”.
علاوة على ذلك، وفق الشمري، فإن هناك مواقف سياسية لا تدفع باتجاه إقرار القانون أو الوصول لصيغة اتفاق الا ما بعد تسوية الخلافات بين الحزبين الكرديين، في حين أن هناك أطرافا رغم إنها تركز على قضية إقرار قانون النفط والغاز أو إيجاد صيغة اتفاق حوله لترتيب العلاقة النفطية الغازية، لكنها في الحقيقة لا تريد إقرار هذا القانون لأنه سيحدّ من إمكانياتها المالية وفي السيطرة على بعض آبار النفط وتهريبه، لذلك ستدفع هذه الأطراف بمواقف سياسية تتقاطع مع إقرار القانون، لافتا إلى أن
رئيس مركز “التفكير السياسي”، أردف قائلا، إن إقرار قانون النفط والغاز سيوفر مزايا مهمة، بيد أن هذه المزايا هي فنية أكثر مما هي سياسية، لكن بالمجمل إن إقرار هذا القانون ينضم العلاقة بين بغداد وأربيل ويمنع حدوث مشكلات بين المحافظات المنتجة للنفط.
إلى ذلك، كان السوداني قد وجّه بتشكيل لجنة وزارية تشرف على الحوارات الفنية بين وزارة النفط الاتحادية، ووزارة الثروات الطبيعية في الإقليم، فضلا عن دعوة محافظي المحافظات المنتجة للنفط، كل من البصرة وميسان وكركوك وذي قار، والمديرين العامين للشركات النفطية الحكومية للحوارات الفنية الجارية بخصوص القانون.
ماهو قانون النفط والغاز الذي تختلف حوله أربيل وبغداد؟
على أن يعقب هذه الحوارات استكمال الحوار السياسي للاتفاق على تقديم مشروع القانون، الذي يُعد من أهم الخلافات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان ولم تتوصل الأطراف إلى تسوية بشأنه طوال الدورات البرلمانية الأربع الماضية، في حين أكد السوداني أن القانون جزء من الالتزام بالمنهاج الوزاري، الذي صوّت عليه “البرلمان”، وسيراعي المبادئ الدستورية، بما يضمن التوزيع العادل للثروة النفطية وينهض بواقع الاقتصاد بمختلف مفاصله، ويسهم في الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته الحكومة في أولوياتها.
في وقت سابق اتفق رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، مع رئيس إقليم كردستان مسرور البارزاني، على حلّ الخلافات والقضايا العالقة، والتي من بينها ملفّا الموازنة المالية للعام 2023 وقانون النفط والغاز، إلا أن القانون ما يزال مثار جدلٍ بعد حديث عن التحضير لنسخة جديدة منه إثر الخلاف على تمريره في ظل تباين الآراء السياسية.
قانون النفط والغاز في العراق ينصّ على أن مسؤولية إدارة الحقول النفطية في البلاد يجب أن تكون منوطة بشركة وطنية للنفط، ويشرف عليها مجلس اتحادي متخصص بهذا الموضوع، لكن منذ عام 2003، تختلف بغداد وأربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، على موضوع إدارة حقول الإقليم النفطية.
بغداد تقول إن الإقليم لا يصرّح بمبالغ تصدير النفط الحقيقية ولا يسلّم تلك المبالغ إليها، بينما يقول إقليم كردستان إن الصادرات من الحقول النفطية هي ضمن أراضيه ويجب أن تخضع لإدارته، سواء من ناحية منح التراخيص للاستكشافات الجديدة، أو إدارة الحقول الموجودة أصلا، أو التحكم في الإنتاج والتصدير للوجهات التي يختارها، أو التعاقد على الشراء والتطوير.
في حين يشير قانون النفط الكردستاني إلى أن وزارة النفط في الإقليم أو من تخوله تتولى مسؤولية “التنظيم والإشراف على العمليات النفطية وكذلك كل النشاطات التي تتعلق بها من ضمنها تسويق النفط”، وأيضا “التفاوض وإبرام الاتفاقات وتنفيذ جميع الإجازات ومن ضمنها العقود النفطية التي أبرمتها حكومة الإقليم”، فيما يقول القانون إن للحكومة العراقية حق “المشاركة في إدارة” الحقول المكتشفة قبل عام 2005، لكن الحقول التي اكتُشفت بعدها تابعة لحكومة الإقليم.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.