عند التجول في شوارع سوريا، ليس فقط أثر الحروب والصراعات التي مزّقت الشعب ما يُلاحظ، بل أيضا هناك آثارٌ غير متوقعة ومريرة تظهر في تدهور حالة النظافة الشخصية، وهو أمر ينبّئ بظهور ظاهرة جديدة مثيرة للقلق، وهي “فقر النظافة”. 

إنها الواقعية الصعبة التي يعيشها بعض المواطنين السوريين، والتي تتجلى في تراجع مبيعات منتجات النظافة الشخصية بنسب مقلقة. وليس ذلك فحسب، بل إن غلاء هذه المواد وعدم قدرة بعض العوائل على شرائها ولّد عادة جديدة عند الأّسر المقتدرة في تحويل هذه المواد لتكون هدايا.

مبيعات الصابون مرتبطة بارتفاع الأسعار

إن ارتباط مبيعات الصابون بارتفاع الأسعار ليس أمرا مفاجئا، بل هو نتيجة طبيعية لتدهور الوضع الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. فعندما ترتفع تكاليف المعيشة وتزداد صعوبة توفير الاحتياجات الأساسية، يصبح من الصعب على الناس تلبية احتياجاتهم الأساسية بما فيها منتجات النظافة الشخصية.

بحسب ما توصل له “الحل نت”، من شركات المنظفات في دمشق، فإن تراجع الطلب على الصابون خلال العام الجاري كان بنسبة 60 بالمئة في مناطق القرى وبعض أحياء المدن الفقيرة، مقارنة بنفس المدة من العام الماضي، وفي الوقت ذاته تراجعت مبيعات غسول اليدين بنسبة 30 بالمئة.

الأرقام المُجمعة من ثلاث شركات وأسواق مركزية كبيرة في دمشق، لفتت بوضوح إلى تراجع مبيعات منتجات الاستحمام بنسب متفاوتة. فقد انخفضت مبيعات رغوة الاستحمام بنسبة 35 بالمئة، وشهد جلّ الاستحمام تراجعا طفيفا بنسبة 1 بالمئة، بينما تراجع شراء معقّم اليدين في خطوة متفردة وانخفضت مبيعاته بنسبة 80 بالمئة.

كما أظهرت هذه البيانات التي حصل عليها “الحل نت”، تأثّر المستهلكين بارتفاع أسعار المنتجات الأساسية. فقد أوضحت الشركات أن هذا التراجع في مبيعات الصابون يعود بشكل مباشر إلى ارتفاع الأسعار، إذ شهد متوسط سعر قوالب الصابون ارتفاعا كبيرا بنسبة 50 بالمئة خلال العام الحالي.

التوجه إلى الفرط والرخيص بهدف التوفير

هذه الأرقام تكشف عن تحوّل واضح في سلوك المستهلكين، الذين تأثروا بشكل مباشر بالظروف الاقتصادية الصعبة. فلا شكّ أن ارتفاع أسعار المنتجات الأساسية يعني اقتصار الناس على شراء الضروريات فقط، وتجنّب الإنفاق الزائد على المنتجات الفاخرة.

مع تغيرات الظروف الحياتية التي عاشها الشعب السوري على مدار العقد الماضي، اضطُرت العائلات إلى البحث عن أساليب جديدة لتوفير النفقات الأساسية، ومن بين هذه الاحتياجات الضرورية كانت حفاضات الأطفال والفوط النسائية. فعلى وقع تدهور الوضع الاقتصادي في جميع أنحاء سوريا، وانخفاض مستويات الدخل، أصبحت معظم الأسر تعيش تحت خط الفقر، ما دفعها إلى البحث عن حلول اقتصادية بديلة لتلبية احتياجاتها الأساسية.

في أطراف مدينة دمشق تنتشر بعض المحلات التي تخصصت في بيع الحفاضات الفرط والمغلفة، وتلك المحال تُعد مقصدا للعائلات التي تحتاج إلى هذه المنتجات الضرورية. ففي ظل تردي الأوضاع، يعتمد الناس بشكل متزايد على هذه البدائل المتاحة لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

بحسب مَن يرتاد تلك المحال، فإن الحفاضات الفرط تُستورد بشكل رئيسي من الأردن والسعودية، وتتميز بجودتها العالية مقابل تكلفتها الباهظة، حيث يبلغ ثمن الكيلوغرام الواحد منها حوالي 40 ألف ليرة سورية.

ولا يقتصر الاختيار على المستورد فقط، بل توجد أيضا أنواع محلية الصنع من معامل عدرا الصناعية، مثل حفاظات “نيستا” و”ليبرو”. وتعتبر هذه البدائل الوطنية خيارا مُحفّزا للأُسر في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة.

من جانبه، يستفيد الأشخاص أيضا من البدائل المحلية فيما يخص الفوط النسائية، حيث يتوفر نوع أردني يتراوح سعر 100 فوطة نسائية منه حوالي 24 ألف ليرة سورية. وفيما يتعلق بالفوط المُغلّفة، يبلغ سعر كل كيس يحتوي على سبعة فوط نحو 14 ألف ليرة سورية، وهذه الخيارات تعكس مدى أهمية توفير البدائل الاقتصادية البديلة للأُسر المتضررة.

الصابون.. هدايا السوريين تتبدّل وسط الأزمات

الأزمة الاقتصادية أثّرت على هدايا الأفراح والأعياد والمناسبات في سوريا، وتغيرت الكثير من العادات الاجتماعية المرتبطة بالتهنئة وأساليب الإهداء، لتحل الهدايا الاستهلاكية والغذائية محل التقليدية، مثل القهوة والشاي والمتة والزيت.

قلّة الموارد وارتفاع أسعار المنتجات الأساسية جعلت الهدايا الفاخرة والتجميلية من الماضي. حيث بدأت الأسر تفضّل تقديم الأشياء الضرورية التي يمكن أن تخفف من عبء الحياة اليومية للآخرين. من بين هذه الهدايا الجديدة، يبرز صابون الملابس كخيار شائع ومقبول في العديد من المناسبات.

محمد، أحد الشباب من أحياء دمشق القديمة، قال لـ “الحل نت”، “أصبحنا نفضل إهداء الصابون ومسحوق غسيل الملابس لأنها هدايا مفيدة وعملية. بينما كنت في الماضي أشعر بالحرج عندما أهدي هدايا فاخرة بسبب التكاليف الباهظة، والآن يعتبر الجميع هذا النوع من الهدايا جيدا”.

ارتفاع الأسعار يؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمستهلكين، ويجعلهم غير قادرين على شراء السلع الضرورية بالكميات التي يحتاجونها. وهذا ينطبق بشكل خاص على منتجات النظافة الشخصية مثل الصابون أو غسول اليدين، التي تُعد من السلع الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة اليومية.

إن تراجع مبيعات الصابون بنسبة 60 بالمئة في مناطق القرى وبعض أحياء المدن، وانخفاض مبيعات غسول اليدين بنسبة 30 بالمئة يعكس الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه السوريون. فالأزمة الاقتصادية والتضخم العالي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع وتقلّص القدرة الشرائية، مما جعل الناس يقتصرون على الشراء الضروري ويتجنبون الإنفاق الزائد على المنتجات غير الضرورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات