في الوقت الذي عادت فيه المطالبات بارتفاع جديد لأسعار الأدوية، فمع كل قفزة في سعر الصرف يرافقها ارتفاع في أسعار الأدوية بسوريا، يبدو الأمر كما لو أن الأدوية أصبحت بالفعل عبارة عن بورصة تتعلق بتقلبات أسعار الصرف، فضلا عن عدم فاعلية الأدوية بسوريا وضعف أدائها واختفاء بعض الأصناف الرئيسية، أصبح هناك علاج وكأنه أشبه بموضة جديدة انتشر داخل سوريا وهو العلاج بالروائح.

بمجرد أن تجاوز سعر الليرة السورية حاجز 10 آلاف أمام الدولار، ووصول الليرة وفق تداولات اليوم لأكثر من 12 ألفا، بدأت الأخبار تتداول أن المعنيين بالصحة بدؤوا بدراسة زيادة أسعار الأدوية المصنّعة محليا، الأمر الذي لم يتم نفيه من قِبل نقابة الأطباء في سوريا، بل أكدت ذلك ونسبته لمنعه من الانقطاع عن السوق.

عطور مثبتة بعلب بلاستيكية

إن ارتفاع أسعار الأدوية في سوريا لم يعد مجرد خبرٍ يمر مرور الكرام، بل أصبحت هذه المسألة عبئا يثقل كاهل الكثيرين. فالتواصل المستمر بين ارتفاع أسعار الصرف وتلك الأدوية يشكل تحدّيا جديدا للمواطنين، إذا اعتبر أن الصحة حق أساسي، فإن عدم قدرة الفرد على تأمين الأدوية اللازمة قد يكون له تأثيرات كارثية على حياته وعلى مجتمعه بأكمله.

مع كل قفزة في سعر الصرف، يبدو أن الأدوية تتبع خطى متلاحقة في ارتفاع أسعارها. وإذا تعرضت الأدوية لهذه التقلبات المستمرة، فإن ذلك يؤثر سلبا على إمكانية الوصول إليها وقدرة المرضى على تلبية احتياجاتهم الصحية. هذه الظاهرة ليست مجرد مسألة اقتصادية، بل تتحوّل إلى قضية اجتماعية وصحية تلامس أرواح الملايين.

في هذا السياق، يظهر العلاج بالروائح كبديل يُروّج له على أنها فكرة مبتكرة تقوم على استخدام الروائح الطبيعية لتحقيق تأثيرات إيجابية على الصحة النفسية والجسدية. حيث اعتمدت محال العطارة والعطورات على حد سواء على اكتشاف علماء جامعة “كاليفورنيا” بأن العلاج بروائح الزيوت الطيارة الطبيعية، ويمكن أن يحسن الأداء المعرفي بنسبة 226 بالمئة.

الترويج لهذا العلاج في سوريا جاء بعد نشر مجلة “فرنتيرز نيروساينس” المتخصصة بعلوم الدماغ والأعصاب، دراسة على  43 متطوعا أعمارهم 60-85 عاما قُسِّموا عشوائيا إلى مجموعتين، استلم أفراد المجموعة الأولى علب صغيرة محتوية على زيوت طيارة مركزة، والمجموعة الثانية علب صغيرة فيها كمية بسيطة من العطر. وكانت هذه الزجاجات تحتوي على زيوت الورد والبرتقال والأوكالبتوس والليمون والنعناع وإكليل الجبل والخزامى.

هذه الزجاجات كانت تنشر بعد تثبيتها روائح مختلفة لمدة ساعتين في الليل خلال ستة أشهر، وكان العطر يغير كل أسبوع. وقد خضع جميع المشتركين إلى تقييم باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي قبل وبعد انتهاء الاختبارات، وكذلك خضعوا لاختبارات عصبية نفسية.

اتضح للباحثين أن أفراد المجموعة الأولى تحسنت لديهم الوظائف المعرفية بنسبة 226 بالمئة مقارنة بأفراد المجموعة الثانية. وأظهرت نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي تحسن عمل مناطق الدماغ المسؤولة عن اتخاذ القرار. كما أعلن أفراد المجموعة أن نوعية نومهم تحسنت كثيرا.

الإنترنت بوابة للترويج دون رقابة

بعد انتشار الدراسة على الصحف والمواقع  الإخبارية، انتشرت دعاية العلاج بالروائح على مواقع التواصل الاجتماعي السورية كالنار في الهشيم، حيث تم تبني العلاج بالروائح كبديل مناسب للأدوية التقليدية وكأنها ليس مجرد تجربة سطحية، بل هو انتقال نحو منهج جديد في الرعاية الصحية. 

يبدو أن الترويج للأدوية عبر الإنترنت قد أصبح أمرا شائعا وسهلا يمكن تحقيقه بسرعة وبساطة في سوريا. وهذا ليس مستغربا خصوصا وأن “سوق الحرامية” في العاصمة دمشق باتت البسطات فيه تبيع أدوية مختلفة بطريقة عبثية وكأنها سلع عادية فضلا عن أن مصدر تلك الأدوية غير معروف، أو إذا كانت منتهية الصلاحية أم لا.

فبعد غلاء الأسعار وتراجع القوة الشرائية للمواطن، بات من السهل كما يقول صاحب محل العطارة في درعا، محمد خطاب، لـ”الحل نت”، فقط قم بالبحث عن مصطلح طبي على محرك البحث وستظهر لك العديد من الروابط التي تعرض لك الحلول والعلاجات بالطب البديل.

الإنترنت بحسب خطاب، ساهم في زيادة انتشار التجارة الإلكترونية والتسوق عبر الإنترنت حيث أحدثت طفرة في طرق تسويق السلع والخدمات بشكل عام، بما في ذلك الأدوية، وهذا ينطبق على الزيوت العطرية التي كانت بالأصل تُباع في محال العطارة من قبل، لكن الآن بات الطلب عليها أكثر بعد الترويج للدراسة الجديدة. 

هيئة الغذاء والدواء السورية آخر من يعلم

رغم أن الترويج للعلاج بالروائح مثل الأدوية في “سوق الحرامية” الذي لا يحكمه قانون حماية المستهلك، إلا أن المستغرب هو غياب دور هيئة الغذاء والدواء السورية، حول شراء الأدوية دون استشارة طبية.

في سياق مناقشة الترويج للعلاج والأدوية عبر الإنترنت والتحديات المترتبة عليه، يشير خطاب إلى أن “هيئة الغذاء والدواء السورية آخر من يعلم”، وهذا يلفت إلى مشكلة جوهرية في النظام الصحي والرقابي في سوريا.

في وقت يعتمد فيه الأفراد على الأدوية لتحسين صحتهم وعلاج أمراضهم، يجب أن يكون هناك نظام صحي قائم على أسس علمية وقوانين رادعة لضمان سلامة المستهلكين وفعالية العلاج. فهيئةُ الغذاء والدواء هي الجهة التي يجب أن تلعب دورا حيويا في هذا السياق، حيث تعمل على تنظيم ومراقبة جودة الأدوية والمنتجات الطبية والغذائية.

إذا كانت هيئة الغذاء والدواء السورية “آخر من يعلم”، فهذا يمكن أن يفسر الوضع الذي تشهده الأسواق والمستهلكين في سوريا. ويمكن أن يعني ذلك عدم وجود رقابة كافية أو فعالة على تداول وتسويق الأدوية والمنتجات الصحية. ويشير إلى نقص في البنية التحتية للرقابة والتفتيش، مما يترك المجال مفتوحا لظاهرة الترويج غير القانوني للأدوية عبر الإنترنت وغيرها من القنوات.

الجدير ذكره، أنه مع استمرار ارتفاع أسعار الأدوية، والفقدان الذي ضرب أصناف عديدة من الأدوية، لا سيما المكمّلات الغذائية وحليب الأطفال، بدأ السوريون يلجؤون إلى سماسرة الأدوية، الذين يبيعون الأدوية ومستحضرات التجميل والمكمّلات الغذائية المهرّبة، بأسعار أقل من الصيدليات.

إذ إن ظاهرة جديدة بدأت بالانتشار في سوريا وهي صيدليات “الفيسبوك”، حيث انتشرت على موقع التواصل الاجتماعي، مجموعات عديدة خاصة بتسويق بعض الأدوية والمكمّلات الغذائية المفقودة من الصيدليات، وسط تحذيرات رسمية حول خطورة التعامل مع هذه المجموعات التي تأتي بالمنتجات من مصادر غير معروفة.

ارتفاع أسعار الأدوية في سوريا شبه دوري وعلى فترات متقاربة، وذلك وفق تقلبات سعر الصرف الذي يستمر في الصعود بين الحين والآخر، فمنذ عام 2021 ارتفع سعر الأدوية بنسبة تصل إلى 500 بالمئة، أي بنحو خمسة أضعاف عن أسعارها السابقة، ومع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين فتح الباب أمام البعض لاقتناص أي خبر على الإنترنت أو دراسة لم يتم اعتمادها من أجل الترويج واستغلال ضعف محدودي الدخل، كالترويج للعلاج بالروائح.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات