مع التطور المتسارع في عصر التكنولوجيا والتواصل، يبدو أن حدود الإبداع في مجالات مختلفة منقطعة داخل المؤسسات السورية. ومن بين هذه المجالات، يبرز قطاع الهجرة والجوازات في سوريا بطلب جديد ليس له تفسير في الإجراءات وتوثيق حضور المواطنين السوريين في الخارج. 

قطاع الهجرة والجوازات في سوريا يضفي من جديد لمسة فيها بعض الغموض على عملية توثيق وجود المواطنين خارج البلاد تحت جملة “صورك حالك فيديو”، وهو طلب من دائرة الهجرة لكل سوري يعيش في الخارج ليثبت أنه ما زال خارج البلاد، متجاهلة أن هناك إجراء حكومي يتضمن “طلب ورقة إثبات دخول ومغادرة” التي تصدر فعليا من ذات الجهة.

لكن ما هو الدافع وراء هذا الإجراء المثير للجدل، وهل هو مجرد تجربة لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في تسهيل التوثيق، أم أن هناك رؤية أمنية تدور حولها، وهل هو تقليد لممارسات دول أخرى أم تفاعل مع تحديات أمنية معينة، هذه التساؤلات تدور في فلك كل مواطن تعرّض لهذا الطلب.

انقطاع الجوازات.. مخاوف أمنية

أهمية هذا الموضوع تتجلى في النقاش المستمر حول التوازن بين مصالح الدولة والحاجة إلى الأمان، وبين حقوق المواطنين وحرياتهم الشخصية. ففي عصر يمتاز بزخم التكنولوجيا، يعلو الصوت في مناقشة ما إذا كان يجب تقديم المزيد من البيانات والمعلومات الشخصية من أجل تحقيق أمن أكبر، أم يجب الحفاظ على خصوصية وحرية الأفراد.

بعد إيقاف استخراج الجوازات مع عدة سفارات سورية في بلدان مثل الأردن وألمانيا والبحرين منذ نحو شهرين بشكل مفاجئ ودون أي تبرير، رصد “الحل نت” بعض الاستفسارات من سوريين يعيشون في الخارج على مواقع التواصل الاجتماعي، تفيد معظمها بأمنية إرسال فيديو مصور للشخص داخل البلد الذي يعيش فيه، من أجل إثبات خروجه من سوريا.

أحمد العلي، أحد آخر المستفسرين، يروي لـ”الحل نت”، أنه بعد توقف استخراج من السفارة السورية في الأردن، قام بتوكيل محامي داخل البلاد لاستخراج جواز سفر، ولكن المحامي أبلغه بطلب دائرة الهجرة والجوازات تصوير فيديو يظهر فيه شخصيا أمام أحد المعالم الرسمية في الأردن.

تخوف أحمد ساقه إلى الاستفسار عن أحقية وسلامة الإجراء داخل مجموعات السوريين على موقع “فيسبوك”، إذ يرى أن هذا الطلب غريب بعض الشيء وفيه اختراق للخصوصية، فضلا عن أنه قد يعرضه للخطر في حال استخدام الفيديو من قبل عناصر الدولة، لا سيما وأن الإجراء لا يوجد له بند داخل موقع الدائرة الرسمي.

فضلا عن ذلك، يشير أحمد الذي دفع ما يقرب 900 دولار من أجل استخراج الجواز داخل سوريا، إلى أن هذا الإجراء لم يوفّر شروطا لاتباعها، فعلى سبيل المثال عند التصوير داخل المدرج الروماني وهو معلم أثري يقع في وسط العاصمة الأردنية عمّان، طلب منه إعادة التصوير ولكن عند سارية العلم الأردني الذي يقع قرب القصور الملكية، وهو ما أثار تخوّفاته الأمنية.

السماسرة وجوازات السفر

طلب التصوير فيديو ليس إجراءً جديدا، فخلال السنوات السابقة ورغم توفر طلب استخراج ورقة مغادرة القطر داخل دائرة الهجرة السورية، إلا أن الدائرة اعتمدت مبدأ تصوير الفيديو للمغادرين غير الشرعيين وخصوصا من فئة الشباب، تحت بند إثبات وجوده خارج القطر.

لعل اتساع هذه الظاهرة بعد توقف معظم السفارات السورية بشكل مفاجئ عن استخراج جوازات للسوريين، حيث ارتبط ذلك بإصدار وزارة الداخلية السورية قرارا قبل أيام، يقضي بزيادة رسوم إصدار جواز السفر الفوري إلى 300 ألف ليرة سورية، بدلا من 102 ألف ليرة.

بحسب القرار الصادر عن الوزارة، يمكن الحصول على جواز السفر الفوري دون الحاجة لحجز دور عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لجوازات السفر، على أن يتم تسليم الجواز لصاحب العلاقة بنفس اليوم. في حين لا تزال منصة حجز الدور الإلكتروني للحصول على جواز سفر لا تعمل بشكل جيد، وقد تستغرق ساعات طويلة ليتمكن الشخص من إدخال البيانات المطلوبة وحجز دور للحصول على جواز سفر.

أما دور السماسرة الذي ازداد مؤخرا، كان نتيجة أن الشخص قد يحصل على دور يصل إلى ستة أشهر لتقديم الطلب ودفع الرسوم، ومن ثم ينتظر أكثر من شهرين للحصول على الجواز.

رغم وعود الحكومة بإنهاء أزمة جوازات السفر التي وصفتها بالمؤقتة في آذار/مارس الماضي، عبر حجز دور على المنصة الإلكترونية تفاديا للازدحام، إلا أن أزمة جوازات السفر لم تنتهِ ويصعب على السوريين الحصول على موعد لإصدار الجواز.

معضلة استخراج جواز السفر لدى السوريين

السوريون في الداخل والخارج على حد سواء يعانون منذ سنوات صعوبات كبيرة في الحصول على جوازات سفر سارية المفعول، تحدّ من حرية تنقلهم وتعرّضهم للخطر. وهناك عدة عوامل تلعب دورا في تفاقم هذه المشكلة.

استخراج جواز السفر السوري في الخارج هو عملية معقّدة ومكلِفة تتطلب الكثير من الوقت والمال والموافقات الأمنية، فمع ارتفاع سعر السوق السوداء، بدأت الحكومة السورية تدرك أنها تجلس على منجم ذهب، وبدأت في إصدار جوازات سفر حقيقية كمصدر رئيسي للنقد الأجنبي. 

جوازات السفر السورية تُعد الآن الأغلى في العالم، إذ ارتفع سعرها ثمانية أضعاف إلى 400 دولار في عام 2015، ومؤخرا إلى 800 دولار للمستعجل و300 دولار للجواز الذي يستغرق شهرا، ولا يمكن دفع الرسوم إلا بالدولار أو اليورو.

مئات السوريين الذين فرّوا من بلادهم دون أوراق يترددون إلى القنصلية أو السفارة كل يوم، سعيا للحصول على إثبات رسمي للهوية يحتاجون إليه لتأمين العمل والسكن والرعاية الصحية. جواز السفر هو وثيقة الهوية الأصلية الوحيدة التي يمكن أن يحصل عليها المغترب السوري، والسفارة السورية هي المكان الوحيد للحصول عليه.

الإجراء القياسي يتضمن أولا الحصول على موعد لتأكيد هوية الشخص كمواطن سوري وطلب الإذن بالتقدم بطلب للحصول على جواز سفر. وتتضمن هذه الخطوة الأولية فحصا أمنيا كاملا من وزارة الداخلية السورية، وهو احتمال مخيف لعدد كبير من الرجال السوريين الذين تهرّبوا من التجنيد العسكري.

بعد هذه الفحوصات الأولية، يستغرق الأمر 45 يوما أخرى للحصول على رد على طلب جواز السفر. وفي حالة القبول، يتطلب تقديم الطلب وتقديم البيانات الشخصية اللازمة موعدا آخر. وعادة ما يتم إصدار جواز السفر بعد 45 يوما من هذه المقابلة النهائية. وبشكل عام، يجب أن يستغرق الأمر متوسط ​​فترة ثلاثة أشهر للحصول على جواز السفر بعد الفحص الأول.

رغم أن جواز السفر السوري هو أحد أضعف جوازات السفر في العالم، حيث يسمح فقط بالدخول إلى 32 دولة بدون تأشيرة، إلا أن ازدياد الطلب على تصوير فيديو يوثق خروج المواطن من البلاد واختيار أماكن معينة للتصوير أمامها، يضع العديد من اللاجئين والمغتربين في تخوّف من هذا الإجراء، الذي ربما يؤدي إلى عزوفهم عن استخراج الجواز حتى لا يقعوا ضمن مسائلة قانونية في البلد الذي يعيشون فيه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات