عندما تتردد أصداؤها في أروقة الصناعة السورية، تتحول الضرائب من مجرد مصطلح إلى واقع مؤلم تعاني منه قطاعات عديدة، ومنها القطاعات التي تمثّل الهوية للثقافة الغذائية السورية. فالبوظة والحلويات العربية، المنتشرة في شوارع دمشق القديمة وأزقتها الضيقة، تندرجان الآن ضمن الضحايا الصامتة لعبء الضرائب المرتفعة والتحديات الاقتصادية المتعددة.

في ظل تداعيات اقتصادية مستمرة، عانت الصناعات السورية من انخفاض التوريدات والتضخم السائد، وأصبحت الضرائب المفروضة على هذه القطاعات كالحمل الثقيل يعوق تطورها ويثقل كاهلها. حيث باتت الشركات السورية تقف على حافة الإغلاق، وأبوابها تُغلق واحدة تلو الأخرى، ليبدو المشهد كصورة تخطيطية للتحديات الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد.

في الأشهر الثلاثة الأخيرة، شهدت مناطق مختلفة في سوريا تصفية خمسين شركة، ما يمثل نحو 75 بالمئة من إجمالي الشركات التي أغلقت أبوابها منذ بداية العام. ويراها البعض وسيلة لتصفية نفوذ بعض الشخصيات لدخول شخصيات جديدة على السوق، فيما يدّعي قسم آخر أن أصحاب المعامل يغلقون شركاتهم للوي ذراع الحكومة.

رأس الهرم يشتكي سياسة الحكومة

في نهاية عام 2022، شهدت مناطق الحكومة السورية تصفية 50 شركة، أي ما يعادل 75 بالمئة من مجمل عدد الشركات التي حلّت نفسها، منذ بداية العام الجاري، والتي بلغت 79 شركة.

عبر صفحته الشخصية خرج رامي مخلوف، مهاجما السلطة السورية ورجال الأمن، دون أن يسمّي جهة أو أشخاص معينين، حيث قال إن الأسلوب الذي اتبعته السلطة السورية معه في قضية شركة الاتصالات السورية “سيريتل”، أسلوبٌ “يدرّس في النصب والاحتيال”، مشيرا إلى أن أيّة أرباح ستعلن عنها الحكومة في الشركة ستكون على حساب جودة الخدمة المقدمة للمشتركين.

مخلوف قال عبر التسجيل المصوّر الذي نشره على منصة “فيسبوك”، إن السلطة السورية عملت على التضييق على “سيريتل” وعدم السماح لها بالتطور، وذلك لفتح الطريق أمام المشغّل الثالث وهي شركة ”وفا تيليكوم”، لتمكينها من السيطرة والاستحواذ على سوق الاتصالات في سوريا.

بدوره رئيس “جمعية الحلويات والبوظة”، بسام قلعجي، ذكر عبر إذاعة “أرابيسك” المحلية، أمس الأحد، أنه بصفته “شيخ الكار” أغلق معمله الخاص للبوظة منذ أول الشهر، ومع ذلك تطالبه وزارة المالية أن يدفع مليونين ونصف ليرة سورية ضرائب، بينما كانت الضريبة مليون ليرة في العام الماضي.

تساؤلات تُثار حول دور الضرائب وتأثيرها الحقيقي. هل هي فعلا آلية لتحسين الإيرادات المالية وتعزيز الاقتصاد، أم أنها مجرد عقبة تعوق تطور الصناعات وتقويض الاستقرار الاقتصادي، فتصفية الشركات وإغلاق المصانع قد تكون لها تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة، بما في ذلك فقدان فرص العمل وتدهور الأوضاع المعيشية.

الدولار العملة الرئيسية للدولة؟

يبدو أن السّير نحو “الدولرة الصامتة” داخل أروقة المؤسسات السورية هو الأساس الذي يعتمد في القرارات الأخيرة، فالدولرة ليست مجرد اعتماد عملة أجنبية تعتمد كبديل للعملة الوطنية في بعض التعاملات التجارية. بل أنها أكثر من ذلك، إنها تدل على أن الدولة المعتمدة للدوار تثق به للاستقرار المالي.

قلعجي، لفت إلى اعتماد الحكومة السورية على سعر تصريف الدولار في إقرار الضرائب ورفع الأسعار، حيث بيّن أن السنة التي سبقت الماضية كان سعر كيلو الحلو العربي 85 ألف ليرة سورية أما اليوم حوالي 400 ألف، وبالنسبة لسعر كيلو البوظة فيترواح بين  30 ألف و80 ألف ليرة تبعا لاختلاف نوعها.

أيضا نوّه قلعجي، إلى أن كبار المحلات يطالبون بوقف تصدير الفستق الحلبي، لأنه يرفع سعر الحلويات بشكل كبير وتأتي أهميته بالدرجة الأولى.

المؤشرات الاقتصادية، تصبّ باتجاه فرضية تؤكد نيّة دمشق تعويم الليرة السورية، وبخطوات سريعة وعلى المستوى الرسمي. إذ بالنظر إلى العتبات السعرية التي حددها “المركزي” السوري، والتي حدد فيها سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، مع ملاحظة الهوامش الزمنية الضئيلة بين العتبة والأخرى، والتي انتهت عند 10100 ليرة مؤخرا، تؤكد أن السوق الموازي “السوداء”، هي الفاعل الحقيقي بتحديد السعر و”المركزي” يتماهى معه.

هل تصبح سوريا بلا حلويات عربية؟

في حديث سابق، المُحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حسن حزوري، أشار إلى أن سياسات الحكومة حوّلت الاقتصاد السوري من اقتصاد منتج إلى اقتصاد خدمي، من خلال تشجيع قطاعات مثل السياحة والتجارة، على حساب قطاعات الإنتاج الحقيقي مثل الزراعة والصناعة، واتهم حزوري الحكومة بتبني سياسات تفضل جباية الأموال أولا على حساب رعاية الإنتاج.

في خضم الغلاء الجامح الذي يعصف بالبلاد من كل حدب وصوب، ارتفعت أسعار الحلويات أيضا بالتزامن مع انهيار الليرة والحملة الشرسة على معامل البوظة والحلويات، وفي هذا الصدد قال رئيس “الجمعية الحرفية للحلويات والبوظة” في دمشق بسام قلعجي، إن ارتفاع أسعار الحلويات تأثّر كغيره من السلع بارتفاع سعر الصرف مقابل الدولار والذهب.

فمع تجديد المكتب الاقتصادي التابع للقصر الجمهوري في العاصمة السورية دمشق، فرض إتاوات على التجار والصناعيين تفوق قدراتهم المالية، عادت حملات التضييق وابتزاز أصحاب رؤوس الأموال من قبل المكتب المالي للفرع “251” أو ما يعرف باسم “فرع الخطيب” التابع لإدارة المخابرات العامة.

أصحاب المحال التجارية فوجئوا مؤخرا بتلقيهم فواتير مالية مستحقة الدفع وهي عبارة عن ضرائب تكميلية للضرائب التي دفعوها سابقا، مما دفع بعض أصحاب المؤسسات إلى إغلاق شركاتهم بشكل مؤقت أو دائم. 

 أصحاب محال الحلويات باتوا يعملون بأدنى طاقة إنتاجية، كذلك الأغنياء فقد تأثروا بارتفاع الأسعار وتراجع استهلاكهم للحلويات التي ارتفعت أكثر من 30 بالمئة منذ العام الماضي.

بالرغم من تفاوت أنواع وجودة الحلويات إلا أن أسعارها فاقت كل التوقعات خلال الفترة الماضية، بل وأصبحت مثل “نكتة” بالنسبة للبعض، ففي حادثة تبدو غريبة بعض الشيء، يقوم بعض المواطنين اليوم باستبدال حشوات الحلويات بأنواع أرخص، مثل استبدال الفستق الحلبي بالفاصوليا الخضراء، بحسب ما نشرته صفحة “مطاعم ومأكولات دمشق“. وحظي المنشور بتفاعل كبير من المتابعين، معربّين عن استيائهم للوضع المعيشي البائس الذي وصل إليه المواطن السوري.

يبدو أن قطاع الحلويات العربية السورية سيتحمل أعباء هذه السياسات الضريبية بشكل غير عادل. فالمعاناة التي يواجهها أصحاب المصانع والورش ليست مجرد تحديات اقتصادية، بل قد ترتبط بمصير ثقافي يتجذر في أعماق التاريخ والهوية المحلية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات