قطار الأسعار دهس خطط الحكومة السورية.. الارتفاعات السعرية ضخمة ومخيفة!

في ظل استمرار الحكومة السورية الحديث عن خطة لزيادة الرواتب والأجور للعاملين في مؤسّساتها، سعيا منها لتخفيف الضغط على المواطنين خلال مواجهتهم لارتفاع معدلات التضخم وانحدار مستوى المعيشة، يبدو أن الواقع الاقتصادي تحوّل إلى قطار سريع يدهس في طريقه جميع الخطط الحكومية العاجزة عن مواكبة الأزمة وإيجاد سبل مواجهتها.

“الأسوأ لم يأتِ بعد”، أصبحت هذه الجملة واحدة من العبارات الأكثر تداولا بين السوريين خلال الفترة الماضية، فرغم كل الانهيارات التي صاحبت المستوى المعيشي في البلاد، فإن التوقعات ما تزال تشير إلى أن القادم أسوأ، خاصة في ظل انعدام ردة الفعل من قبل الحكومة لمواجهة السقوط الحر لقيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية.

كأنها في عالم موازي، تعلن الحكومة السورية بشكل دوري عن وجود خطط لمساعدة المواطن على مواجهة الأزمة المعيشية، لكن الواقع وما يحصل في الأسواق، يبيّن مدى العجز الحكومي، بل حتى إن الزيادة في الرواتب التي فقدت قيمتها قبل إقرارها، بدت الحكومة عاجزة عن تنفيذها حتى اللحظة.

سيناريوهات كارثية

فقبل نحو أربعة أشهر كانت التسريبات الحكومية تشير إلى خطة لزيادة الرواتب بنسبة لا تقل عن 70 بالمئة، وذلك نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وكان سعر الدولار الأميركي وقتها 8000 ليرة سورية للدولار الواحد.

أما اليوم فقد بلغ سعر صرف الدولار الأميركي نحو 14 ألف ليرة للدولار الواحد، وما تزال زيادة الأجور والرواتب في سوريا قيد الدراسة ولم يتم إقرارها بشكل رسمي، في وقت لا يتوقف قطار ارتفاع الأسعار عن السّير بسرعة كبيرة، حيث شهدت الأسواق تضاعف جميع أسعار السلع والخدمات في البلاد.

التغيرات في أسعار السلع والخدمات في سوريا، فاقت كل التوقعات خلال الأشهر الأخيرة، وقد أشارت صحيفة “قاسيون” المحلية، إلى أن الارتفاعات السعرية على السلع والخدمات مستمرة، وبنسب استغلالية كبيرة غير مسقوفة، في ظل استمرار المبررات والذرائع، الرسمية وغير الرسمية، المرتبطة بسعر الصرف والعقوبات والحصار، والأهم بسبب استمرار سياسات تقويض الإنتاج وتهميش دور الدولة وإنهائه تباعا.

تقرير الصحيفة حمّل الحكومة الجزء الأكبر من المسؤولية عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية، خاصة في ظل سياسات تحرير الأسعار وتخفيض الدعم وسياسات تخفيض الإنفاق العام، التي كان لها أثر سلبي كبير على السوق، وبالتالي على تكاليف الإنتاج وأسعار السلع والخدمات، لتُضاف إلى بقية التأثيرات السلبية لمجمل السياسات الليبرالية المتّبعة بنتائجها الكارثية على حياة ومعيشة المواطنين.

قد يهمك: الغش والتصدير مؤشرات للتحكم بأسعار السلع السورية.. الزيت تجاوز المليون!

عن نسبة الارتفاع في الأسعار داخل سوريا، أشار تقرير الصحيفة إلى أن نسبة الزيادة بسعر الصرف الرسمي للدولار مقابل الليرة بلغت 234.99 بالمئة منذ مطلع العام وحتى تاريخ نشرة “المصرف المركزي” بتاريخ 9/8/2023، والتي حددت سعر صرف الدولار مقابل الليرة بـ 10100 ليرة.

كذلك ومنذ بداية العام الحالي، ارتفعت أسعار المشتقات النفطية رسميا بنسبة تتراوح بين 50-200 بالمئة، وارتفعت أسعار الإسمنت رسميا بنسبة تراوحت بين 76-95 بالمئة، وارتفعت أسعار خدمات الاتصالات بنسبة 50 بالمئة تقريبا، وارتفعت أسعار الأدوية رسميا بنسبة تتراوح بين 130-150 بالمئة، وارتفعت أجور المواصلات بنسبة تقارب 50 بالمئة.

وبحسب الصحيفة فقد تراوحت نسبة الزيادات السعرية خلال 8 أشهر بين 130-300% ، فكل السلع والخدمات الخاصة بالمؤسسات والجهات الحكومية تمت زيادتها بنسب كبيرة منذ مطلع العام وحتى تاريخه، بما في ذلك بعض الرسوم المباشرة وغير المباشرة، والمبرّر والذريعة هي التكاليف التي تُعاد عمليات حسابها بين الحين والآخر.

هذه النسب من الزيادات على مختلف السلع والخدمات في سوريا هي لثمانية أشهر فقط، وهي تُضاف إلى سلسلة الارتفاعات التي أصابت السلع والخدمات خلال السنوات الماضية، إذ تقول الصحيفة إنها جاءت نتيجة “النهب والفساد، لتزيد بالمحصلة من بؤس المفقّرين وتدفعهم نحو المزيد من الإفقار والجوع”.

مزيد من الانهيار؟

خبراء اقتصاديون، بدأوا بالتحذير من المزيد من الانهيارات الاقتصادية القادمة على سوريا، حيث أشار الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق البروفيسور الياس نجمة، إلى أن “عمل التضخم هو كالأواني المستطرقة، فما أن يصيب سلعة حتى ترتفع أسعار جميع السلع الأخرى، ولذلك فإن ما يُشاع عن نيّة الحكومة رفع أسعار بعض السلع يعني أن البلاد ستكون مقبِلة على موجة كارثية من التضخم، وهي غير مؤهلة للتعامل معها وفق الإمكانيات المتاحة حاليا”.

نجمة، أضاف في تصريحات نقلها موقع “أثر برس” المحلي، أن “أثر الجر” مطبّق في الأسواق السورية، وبالتالي فإن أي ارتفاع في سلعة أساسية، سيؤدي بطبيعة الحال إلى جرّ أسعار سلع أخرى نحو الارتفاع، بالتالي فإن الحديث عن خطة لزيادة الأجور والرواتب لم يعد له أي فائدة في حال خروج الأمور عن السيطرة ضمن أسواق السلع الأساسية.

هذا الانحدار في مستوى المعيشة بسوريا، يأتي في ظل عجز شبه كامل للحكومة السورية عن التدخل لتحسين الواقع الاقتصادي، لتتحول الحكومة إلى “شاهد زور” على معاناة الأهالي، بحسب رأي مختصين ومطّلعين على الوضع الاقتصادي في البلاد.

الانهيار في قيمة متوسط أجر المواطن السوري، أصبح مؤخرا يهدد الأمن الغذائي في سوريا، كما أفضى انهيار القوة الشرائية لمتوسط الدخل في سوريا، إلى تلاشي الطبقة المتوسط، التي كانت تمثّل سابقا السواد الأعظم من السوريين.

منذ بداية العام الجاري واجه راتب الموظف السوري صعوبات كبيرة في مواجهة الحد الأدنى من تكاليف المعيشة السورية، فرغم أنه مع بداية العام كان لا يحقّق الحد الأدنى من تكاليف الحصول على غذاء لأُسرة مؤلفة من ثلاثة أفراد، إلا أنه واصل النزيف أمام ارتفاع أسعار السلع والخدمات في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات