يبدو أن الأسعار المرتفعة ستدفع العديد من المصنّعين المنتجين والتجار إلى إدخال مواد مغشوشة في منتجاتهم من أجل بيعها وترويجها بسهولة، وعدم تكديس البضائع نتيجة قلة الطلب عليها من قبل السوريين في الداخل بسبب ارتفاع أسعارها التي لا تتناسب مع رواتب ومداخيل نسبة كبيرة من المواطنين.

لعل أبرز السلع المغشوشة التي تجتاح الأسواق السورية مؤخرا، هي منتجات الألبان والأجبان وزيت الزيتون، فضلا عن العسل المغشوش الذي يملأ الأسواق. وظاهرة الغش والاحتيال في الأسواق السورية ليست بجديدة ولكنها في تزايد مستمر، وكل ذلك يعود إلى ضعف دور هيئات الرقابة والتموين في ضبط الأسعار بالأسواق السورية، والتصدير وسياسة تسعير التوريد التي تتّبعها الجهات المعنية في “وزارة التجارة الداخلية السورية” التي لا تأخذ كل التكاليف بعين الاعتبار ولا سيما غير المرئية.

أسواق بدون رقابة صحية

بحسب ما أورده تقرير لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الثلاثاء، فإنه نتيجة ارتفاع أسعار الألبان والأجبان المصنوعة منزليا، والتي لا تستطيع مئات العائلات السورية الآن شراءها، منح أصحاب المصانع والمعامل، الذين يعمل معظمهم خارج دائرة الرقابة الصحية، تأشيرة عبور خضراء لتصدير منتجاتهم إلى السوق.

هذه المنتجات تُعرض بأسعار أقل من المصنوعة منزليا، ولذلك تشهد إقبالا على شرائها، على الرغم من خفض جودتها وغير معروفة المصنع الذي صنعها، كما أنها غير موسومة بتاريخ الإنتاج. فمحال بيع الألبان والأجبان في عموم الأسواق السورية ومنها محافظة السويداء، تغص يوميا بالعشرات لشراء ما هو معروض على واجهاتها من هذه المنتجات، على اعتبار أنه لم يعُد بمقدورهم شراء المنزلية منها.

لاسيما بعد أن وصل سعر الكيلو الواحد منها، كامل الدسم إلى 30 ألف ليرة للبنة و40 ألف ليرة للجبنة، بينما أسعارها في هذه المحال للبنة تتراوح ما بين 10 آلاف ليرة وصولا إلى 17 ألف ليرة للكيلو الواحد، بينما أسعار الجبنة تتراوح ما بين 15 ألفا وحتى 20 ألفا.

في هذا الإطار أكد العديد من المتسوقين للموقع المحلي أن النوعية المشتراة من هذه المحال غير جيدة ولا تشبه طعم اللبنة أو الجبنة ويغلب عليها النشاء، إلا أن غالبية الأُسر وفي ظل موجة الغلاء التي طالت كل المواد الغذائية وغير الغذائية، أصبحت تبحث عن السلعة الأقل سعرا بغض النظر عن نوعيتها وجودتها. 

من جانبه، اعترف مدير الشؤون الصحية بمجلس مدينة السويداء الدكتور مروان عزي، أنه بات من الضروري تحديث وتطوير القوانين الخاصة بصناعة الألبان والأجبان، من خلال الإشراف الطبي البيطري على شروط تصنيع هذه المنتجات قبل بيعها في الأسواق، ومراقبة شروط عمل المعمل أو المنشأة، كونه توجد ثغرات كبيرة في عمليات التصنيع، الأمر الذي أفرز حالات عديدة من الغش بالتصنيع، وأدى إلى وجود منتجات في الأسواق غير مطابقة للمواصفات من دون الجودة المطلوبة.

كذلك، أكد أيمن أبو حمدان رئيس حماية المستهلك في السويداء، وجود مواد مغشوشة في الأسواق، حيث قال إنه تم نهاية الأسبوع الفائت ضبط معمل لتصنيع الألبان والأجبان يقوم بالغش بعملية التصنيع من خلال إضافة مادة النشاء عليها، وبالتالي مخالفته للمواصفات الواجب توافرها في عملية التصنيع، إذ تم تنظيم ضبط تمويني بحق صاحب المعمل.

سلع غذائية مغشوشة

في المقابل، تملأ الأسواق السورية في الوقت الحالي العديد من أنواع العسل المغشوش، وعزا رئيس اتحاد النّحالين العرب في سوريا إياد دعبول، تراجع كميات إنتاج العسل للموسم الحالي نتيجة عدة عوامل أبرزها التقلبات المناخية التي تعرضت لها البلاد، وهو ما أدى لعدم خروج النحل من الخلايا وبالتالي تغيرت دورة حياته التي تعتمد على زيادة أعداده في توقيت معين، وفق تقرير آخر لموقع “غلوبال نيوز” المحلي.

أما السبب الآخر يعود لعدم زراعة اليانسون وحبة البركة التي تشكل عادة القيمة الأعلى إنتاجيا من كميات إنتاج العسل سنويا، مؤكدا أن كميات الإنتاج تراجعت إلى النصف هذا العام مقارنة بالعام الماضي ولم تتجاوز الكميات الألف طن، فيما سجلت أكثر من ألفي طن العام الماضي، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف وحدة الإنتاج على المربي.

طبقا لدعبول يتراوح سعر كيلو العسل من مختلف الأنواع “حمضيات– جبلي” ما بين 75- 100 ألف ليرة، ورغم ذلك تبقى أقل من التكاليف وغير مرضية مقارنة بالتضخم الكبير وتدني قيمة الليرة وتراجع الإنتاجية.

كما ولم يخفِ دعبول عدم تقديم الحكومة أي دعم للمربّين، الأمر الذي أدى إلى إحجام عدد منهم عن العمل، والتحول إلى مِهن أخرى تحقق لهم أرباحا تُعيلهم وأسرهم، حيث يبلغ عدد النّحالين المسجلين في الاتحاد نحو 5 آلاف نحّال، وعدد النّحالين في سوريا نحو 12 ألف نحال.

واقع الاستهلاك في الأسواق ليس بمنأى عن السلع الأخرى التي باتت من الرفاهيات، وأكد دعبول هنا أنها تراجعت بنسبة تتراوح بين 30- 40 بالمئة، كذلك هناك كميات تم تصديرها لكنها أرقام خجولة محصورة بالعراق ولبنان، محذرا من شراء العسل المغشوش الذي ينتشر بكثرة في الأسواق.

ارتفاع اسعار العسل بسوريا-“سبوتنيك”

ليس فقط العسل يسيطر الغش عليه، وإنما ثمة سلع أخرى يتم الغش فيها نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج من جهة، وبسبب تصدير كميات كبيرة منها إلى الخارج، حيث إن القرارات الحكومية المتعلقة بتصدير المواد الغذائية، ساهمت بشكل كبير بارتفاع أسعار العديد من السلع، وبالتالي أصبح التصدير سببا إضافيا في زيادة انتشار السلع المغشوشة وفي حرمان العائلات السورية من بعضها أيضا، كزيت الزيتون الذي أصبحت أسعاره بعيدة عن قدرة وطاقة معظم السوريين.

حديث زيت الزيتون على لسان كل سوري في الأيام الأخيرة، فسعر عبوة الزيت قفز من 300 ألف ليرة سورية إلى مليون ومئتي ألف ليرة، على فترة لم تمتد لأكثر من أربعة أشهر، الأمر الذي زاد من معاناة السوريين، الذين يعتمدون على زيت الزيتون بشكل رئيسي لتحضير وجباتهم اليومية نتيجة غلاء اللحوم بمختلف أنواعها.

غياب الدور الحكومي

انتشار الغش في الأسواق السورية مؤخرا، زاد من معاناة الأهالي، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى شراء المواد المغشوشة رغم علمهم بها، نتيجة عجزهم عن شراء المواد الأصلية المرتفعة الثمن.

فانحدار مستوى المعيشة، وصل إلى حدِّ تمكين المواد المغشوشة من الانتشار في الأسواق أكثر من المواد التي تراعي المواصفات القياسية المعتمدة، وذلك نتيجة الأسعار المرتفعة، حيث لم تعد الجودة هي المعيار الأول لشراء الغذاء بالنسبة للسوريين، بل الأهم الحصول على أسعار تناسب دخلهم المحدود جدا.

كما أن انتشار المواد المغشوشة في الأسواق، يأتي في ظل عجز حكومي تام عن ملاحقة تلك المواد، أو تحسين الواقع المعيشي إلى حدّ منعِ انتشارها، أو على الأقل لا يضطر معظم الأهالي إلى شرائها، بسبب عدم قدرتهم على تحمّل تكاليف المواد الأصلية.

تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية قبل أيام، نقل عن بعض المواطنين تأكيدهم أنهم “اشتكوا لحماية المستهلك بحماة فأنصفتهم وخالفت الباعة، فيما اكتفى آخرون بإعادة ما اشتروه لباعته واسترداد ثمنها”.

في حين لفت آخرون إلى أنهم تحملوا الخسارة، “ورموا ما اشتروه من لبن وجبن في حاوية القمامة، كيلا يعرّضوا الباعة للغرامات والعقوبات وقد تتضمن السجن، وهم لا يريدون أن يكونوا السبب في ذلك”.

خلال الأشهر الماضية، ازداد انتشار المواد الغذائية المغشوشة، حيث سجلت التقارير المحلية ارتفاع معدلات الضبوط المتعلقة بالمواد الغذائية، ومن بين هذه المواد كانت اللحوم الفاسدة والبهارات والقهوة ومشتقات الحليب والزيوت وغيرها، حيث يلجأ العديد من التجار إلى بيع موادٍ بمواصفات غير متطابقة لما يُكتب على غلاف المادة.

الخبراء يرون أن الجهات الرقابية والتموينية لا تفعل شيئا سوى الإدلاء بتصريحات رنانة وتكتفي بالقول إنها تعمل بكل ما في وسعها من أجل الحد من انتشار السلع الفاسدة، ولكن في الواقع، انتشار المواد الرديئة والفاسدة والتي تقتل البعض أحيانا منتشرة لسنوات عديدة وليست حديثة اليوم، وبالتالي الحدّ من الظاهرة لن ينتهِ ما دامت الإجراءات الفعلية غائبة والحكومة تقدم وعودا نظرية فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات