على إثر القرارات الحكومية الأخيرة بشأن زيادة أسعار المشتقات النفطية وزيادة الرواتب بنسبة 100 بالمئة، ارتفعت أسعار جميع السلع الغذائية تقريبا، وخاصة الخضار والفواكه، بالإضافة إلى زيادة مرتقبة في تسعيرة المطاعم والوجبات السريعة والمأكولات الشعبية، الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيض شراء السلع من قِبل العائلات السورية، وبالتالي ضم سلع جديدة لقائمة المنسيات لدى المواطنين.

الأمر لا ينتهِ هنا، فقاطرة الغلاء تشمل جميع السلع اليوم، حتى أن الطلب على الآيس كريم “البوظة” أصبح ضعيفا جدا، ويبدو أنه سيخرج من حسابات السوريين، بعد أن كانت البوظة والمرطبات من أكثر المأكولات الصيفية الشعبية المتداولة بين السوريين، وسط الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تعصف بالبلاد.

زيادة أسعار الخضار والفواكه

في سياق التحاق أسعار الخضر والفواكه ركب الارتفاعات الكبيرة التي شهدتها أسعار معظم أنواع المواد في أسواق دمشق والتي تأثرت بمعظمها بتغييرات سعر الصرف اليومية، برّر عضو لجنة تجار ومصدّري الخضر والفواكه موفق الطيار لصحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الأربعاء أن هناك عدة عوامل أدت إلى ارتفاع أسعار الخضر مؤخرا أبرزها موجة الحر الشديدة التي أثّرت بشكل كبير على الإنتاج، وأدت إلى تعرّض العديد منها للضرر والتلف مثل البطيخ، ما أدى إلى قلة العرض في السوق مقارنة بالطلب.

إضافة إلى الارتفاع الكبير بأجور النقل مؤخرا من المحافظات المنتجة إلى سوق الهال بالزبلطاني، مشيرا إلى أن أجرة سيارة النقل من اللاذقية إلى سوق الهال بالزبلطاني والتي تتسع لكمية 6 أطنان من الخضر والفواكه المتنوعة أصبحت اليوم بـ 2.5 مليون ليرة سورية بعد أن كانت بحدود المليون ليرة منذ نحو الشهر، كما أن أجرة سيارة النقل المحملة بالكمية نفسها من درعا إلى سوق الهال بدمشق أصبحت اليوم 1.5 مليون ليرة.

بينما يتم تبادل الاتهامات بين كبار التجار وتجار المفرق حول أسباب ارتفاع الأسعار في الأسواق، يشكو التجار من عدم تعديل الأسعار بعد زيادة تكاليف الإنتاج والنقل، بينما توقف بعض تجار المفرق عن العمل حتى تستقر الأسعار، بينما يبيع آخرون حسب أهوائهم ولا التزام بالتسعيرة الرسمية أي “كل شخص عم يبيع على كيفه”.

بالتالي ينظر المستهلك إلى الأسعار ويختار إما الشراء بالحبة أو مقاطعة الشراء، ومنهم من يستغرب سبب هذا الارتفاع غير المبرر لأسعار الخضار والفواكه، إلا أن بعض التجار يرجعون السبب إلى ارتفاع أسعار الصرف في الأسواق، ومنهم من يُرجعها إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، ومنهم من يُرجعها إلى التصدير وعدم وجود بضاعة في الأسواق.

أحد تجار المفرق يقول، إن “الأسعار محكومة بتوفر البضاعة في سوق الهال، ومع ذلك الناس منقسمة، البعض يتسوق وفاتورته تصل إلى 100 ألف ليرة وهم قلائل بالطبع، ومنهم من يشتري بالقطعة أو بقيمة ألفين ليرة فقط، ونحن كباعة لا توفي معنا البيع بكميات قليلة كوننا نخسر ثمن الكيس، لكن ندرك أن الناس ليس باستطاعتهم الشراء أكثر من ذلك، وحفظنا بعض الزبائن التي كانت تشتري بالكيلو قبل عام، اليوم تشتري بالحبة وهذا دليل مؤكد على ضيق الأحوال المعيشية”.

أسعار الخضار والفواكه في سوريا كأنها مرتبطة بسعر الصرف، ويبدو أنها تحولت لبورصة مثل العديد من السلع الأخرى، فنتيجة ارتفاع الأسعار بات الناس يقنّنون من شراء هذه السلع، وأصبحت الفاكهة بجميع أنواعها رفاهية لمعظم المواطنين اليوم، وسط تدني الرواتب والأجور.

“البوظة من المنسيات”

من جانب آخر، أكد عدد من المواطنين لصحيفة “تشرين” المحلية يوم أمس الأربعاء، أن البوظة باتت من المنسيات، وخاصة أنه لم يعد بالإمكان الاحتفاظ بها في المنازل بعد أن كانت في الماضي ضيافة أساسية للزوار، أما حاليا فسعرها المرتفع وعدم توفر الكهرباء أسهما بشكل كبير بعدم التفكير بشرائها.

كما وأشاروا إلى الارتفاع الكبير في الأسعار، فـ”طابة” البوظة يتراوح سعرها بين 3000- 4000 ليرة سورية، مضيفين “عندما نشتهي تناولها نقوم بشراء طابة على أقل تقدير وغالبا يتم تناولها في الشارع وهو ما أدى لقلة الإقبال على شرائها”.

هيثم جعارة عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الحرفيين قال، إن الإقبال على شراء البوظة يتناسب طردا مع ارتفاع الأسعار، فكلما ارتفعت الأسعار قلّ الإقبال على المادة باعتبار أن البوظة مادة رفاهية وغير ضرورية، فالإقبال حاليا على المواد الأساسية اليومية. أي أن الناس باتوا يشترون السلع الأساسية فقط.

جعارة نوّه إلى انخفاض عدد المعامل الذي وصل اليوم إلى 10 معامل فقط وذلك بعد أن كان في السابق 35 معملا، موضحاً أن عوامل عدة أسهمت في إغلاق هذه المعامل منها ارتفاع أسعار المواد الأولية، عدم الإقبال على المادة.

إلى جانب ارتفاع أسعار الكهرباء وعدم توفرها وانقطاعها لساعات طويلة، فضلا عن ارتفاع أسعار المحروقات، والتصنيف الضريبي من قبل الاستعلام الضريبي الحكومي الذي سبّب إغلاق منشآت كثيرة وإفلاسها، طبقا لحديث جعارة.

ما يعمّق فجوة الوضع المعيشي في سوريا ويبعث بمدى عجز الحكومة في تأطير أو حلحلة الأوضاع الاقتصادية قليلا، هو أن المواطن بات يبحث عن حلول غذائية بديلة علّها تخفف همّه الاقتصادي ونفقاته المعيشية، والابتعاد عن السلع التي باتت تُصنّف اليوم من الرفاهيات والكماليات، كالبوظة والفواكه وحتى اللحوم.

المطاعم للأغنياء والسياح!

في سياق تدهور الأحوال الاقتصادية في البلاد، يبدو أن تسعيرة جديدة للمطاعم والمقاهي ستصدر خلال اليومين المقبلين، بعد رفع أسعار المشتقات النفطية، حيث كشف زياد البلخي مدير الجودة والرقابة في وزارة السياحة في هذا الصدد لصحيفة “تشرين” المحلية في تقرير آخر، أنه يتم العمل حاليا على صدور قرار أسعار جديدة للمنشآت، ضمن آلية التسعير التي أقرتها اللجنة المركزية للتسعير والتي تضم ممثلين عن “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ووزارة المالية ووزارة الإدارة المحلية والبيئة واتحاد غرف السياحة”.

البلخي، بيّن أنه فيما يتعلق بالمنشآت الشعبية خارج التصنيف السياحي فلا تخضع لتسعير أو رقابة “وزارة السياحة”، لكن مع كل قفزة في سعر الصرف أو ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، يرفع أصحاب المطاعم الوجبات السريعة والمأكولات الشعبية الأسعار دون الرجوع إلى التسعير الرسمي أو الالتزام بها، وهو ما يعني أن معظم قرارات التموين والتسعيرات الرسمية التي تصدر عنها ليست سوى حبر على ورق، ولا يُعترف بها، نظرا لعدم إنصافها.

لم يعد ارتفاع الأسعار بشكل عام في سوريا أمرا يثير الدهشة بالنسبة للمواطنين السوريين، حيث أصبح ارتفاع الأسعار أمرا معتادا في المشهد العام للحياة اليومية في سوريا، بسبب انهيار الليرة بين فترة وأخرى، وارتفاع أسعار حوامل الطاقة من قبل الحكومة مما يساهم في ارتفاع الأسعار في كل مرة، وهو ما يعني زيادة أعباء المواطنين الذين يعانون بالفعل من هذا الغلاء المستمر دون زيادة رواتبهم وأجورهم.

فقد تراوح سعر كغ الشاورما ما بين 140-150 ألف ليرة سورية، تبعا لاسم المطعم ومكانه، أما في محلات الفروج والشاورما ثمة ضعف في الإقبال على هذه السلع، وفي حال أراد شخص شراء سندويش لأسرته المؤلفة من 5 أشخاص، فهو بحاجة إلى قرابة الـ 80 ألف ليرة، علما أن هذه السندويشة غير “مُشبِعة” ويحتاج الشخص إلى سندويشتين حتما لتصبح الكلفة 160 ألف ليرة، عدا سعر البطاطا المقلية واللبن “العيران”، وهذا سيُعادل راتب موظف كامل حتى بعد زيادة الرواتب بنسبة 100 بالمئة.

المغتربون السوريون يأتون إلى سوريا ويقضون عطلتهم في أجمل الأماكن والمطاعم وأكثرها فخامة، وكذلك السياح العرب والأجانب، بينما يعاني السوريون بشكل كبير حتى يتمكنوا من تأمين لقمة عيشهم اليومية وبشق الأنفس.

لأجل ذلك كله، يبدو أن ارتياد المطاعم والمقاهي سيقتصر على الأغنياء والسياح من المغتربين والأجانب، وحتى الطلب على الوجبات السريعة مثل “الشاورما والكرسبي”، بالإضافة إلى الأكلات الشعبية “الحمص والفلافل والفتة، والفول”، سينخفض ​​بشكل كبير، وسوف تنضم إلى قائمة المقننّات أو المنسيات لدى شريحة واسعة من السوريين في الداخل.

بالتالي فإن هذه الفجوة بين حياة الناس داخل سوريا والسائحين والمغتربين القادمين إلى سوريا تخلق نوعا من اليأس والحزن، الأمر الذي قد يدفع الكثير من المواطنين إلى التفكير بالهجرة أو اللجوء إلى أعمال غير مشروعة، من أجل تحقيق هذه الرفاهية المحرومة عليهم، وسط تعاقب الأزمات الاقتصادية وانخفاض مستوى الرواتب والأجور.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات