في خضم ما يعانيه الشعب السوري في الداخل من مجموعة أزمات اقتصادية ولعل أبرزها تدهور قيمة الليرة السورية يوما بعد الآخر، خرج وزير الاقتصاد السوري محمد سامر الخليل، بتصريحات حديثة وصِفت بـ”الرنانة” والتي لا تمتّ للواقع بِصلة.

الوزير السوري يقول إن العديد من دول العالم تعاني من تغيرات كبيرة في سعر الصرف، والأمر ليس مقتصرا على سوريا فقط، وإن هناك أشكالا عديدة من الدعم الحكومي في البلاد لم تعد موجودة في العالم، الأمر الذي أثار موجة انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

“انفصال عن الواقع”

نحو ذلك، صرّح وزير الاقتصاد السوري لـ”التلفزيون السوري” الرسمي، يوم أمس الأربعاء، أن العديد من دول العالم تعاني من تغيرات كبيرة في سعر الصرف، مدّعيا أن “شائعات الحرب تلعب دورا كبيرا في المضاربة على الليرة السورية”.

كما وزعم أن القرارات التي تم اتخاذها مؤخرا، من حيث رفع الرواتب وزيادة أسعار المشتقات النفطية، لا ترفع سعر الصرف، والتغييرات الأخيرة في سعر صرف الليرة غير مبررة وغير اقتصادية، مشيرا إلى أنه تمت مراجعة قوائم المستوردات وحذف مواد منها لتخفيف الطلب على القطع الأجنبي، إضافة إلى وجود اهتمام مستمر وتركيز على دعم عملية الإنتاج وتشجيع الاستثمار.

نُشرت تصريحات وزير الاقتصاد في عموم الصحف والمواقع الإعلامية المحلية تقريبا، ومنها إذاعة “نينار إف إم” وراديو “المدينة إف إم” وموقع “صاحبة الجلالة“. لكن اللافت للنظر أن هذا الخبر على جميع صفحات هذه المؤسسات الإعلامية قوبل بموجة من الانتقادات الساخرة من الشارع السوري.

حيث علّق البعض بشكل ساخر، بالقول “هاد وزير الاقتصاد ولا أبو عبدو السمان، إذا أنت وزير الاقتصاد بتحكي هيك لا عتب على العالم. انفصام بالشخصية وانفصال عن الواقع يعني يطلع بحالو بالمراية الوزير هو وعم يتبرز هيك حكي من تمو كان استحى على حالو شوي. صحيح بالبنك المركزي السوري لسا مارفعتوا بس بتعرف اديش صار سعر الصرف بالسوق السوداء”.

فيما اعتبر البعض أن الحكومة عبارة عن “حكومة فاشلة” بكل المقاييس، وأضافوا “حكومات فاسدة تعلق فشلها بأي سبب”، مطالبين في الوقت ذاته إلى استقالة الحكومة “كلام غير منطقي الأفضل أن يستقيل لحفظ ماء الوجه، ويشرحلنا ليش ارتفع سعر الصرف خلال شهر واحد بأكثر من 8000 ليرة وخلال 12 سنة 7000 ليرة”.

البعض الآخر أشار إلى أن الحكومة سبب تدهور الأحوال المعيشية، وتراجع الإنتاج المحلي، نتيجة القرارات الخاطئة، إلى جانب عجزها على توفير أدنى شروط الاستثمار، فكتبوا “عن أي إنتاج عم تحكي ونحنا عايشين ببلد منهوبة خخفو سرقة حتى يكون في إنتاج المنتجين كلن صارو برا لبلد، مو صفيان غير الحرامية والموظف والعسكري.. بوجود هيك حكومة لا يمكن لعجلة الإنتاج أن تعود أبدا”.

الدعم الحكومي سبب الفساد

وزير الاقتصاد السوري يقول إن هناك العديد من أشكال الدعم الموجودة في سوريا لم تعد موجودة في العالم، وهو ما قوبل بموجة انتقادات ساخرة على صفحات المواقع الإعلامية المحلية، فذكروا “قلتلي هناك أشكال دعم ليست موجودة بالعالم إلا بسوريا وأنا بقلك كمان ما في راتب موظف بعادل 9 دولار إلا بسوريا كيفك فيااا.. أنتو بس ثبتوا سعر الصرف ويكتر خيركن، بكفي كل دول العالم بتعطي رواتب متل البشر إلا سوريا شحادة عشرة دولار وضاربين بمنية.. تحياتي سيدي الوزير بدي اسألك انت مقتنع بهالكلام اللي عم تحكيه إذا سعر الصرف غير مبررة من مهمتك أنت تدخل وتسيطر ع الوضع”.

كنوع من أشكال الدعم، قامت الحكومة السورية بإصدار ما يسمى بـ”البطاقة الذكية” منذ حوالي 3 سنوات، حيث تُمنح هذه البطاقات للعائلات في سوريا ولبعض القطاعات الخدمية العامة والخاصة، لتوفير بعض المواد الخدمية والغذائية بسعر حكومي مدعم.

الحكومة تدّعي أن مشروع “البطاقة الذكية” الخاص بها يهدف إلى أتمتة توزيع المشتقات النفطية وغيرها من المواد والخدمات على المواطنين، من أجل منع تهريب هذه المواد والاتجار بها، إلا أن الفساد والاتجار بهذه المواد بات أكثر انتعاشا ورواجا، من قبل إصدار ما يسمى بـ “البطاقة الذكية”، فضلا عن حدوث أزمات عديدة، مثل أزمة المواصلات وأزمة الخبز والمحروقات والسكر وغيرهم.

قرار الدعم الحكومي أثار جدلا كبيرا آنذاك، ووجهت انتقادات واسعة للحكومة السورية، حيث اعُتبر هذا الإجراء من جهة تعبيرٌ عن عجز الحكومة  توفير مستلزمات الحياة، ومن جهة أخرى دليلٌ على تأزيم اقتصاد البلاد بشكل كبير ومحاولاتها في تحسين اقتصادها على حساب المواطنين، فضلا عن إرهاق المواطنين بمثل هكذا أساليب للحصول على الاحتياجات اليومية.

الدعم الحكومي ساهم في زيادة الفساد والأزمات-“إنترنت”

خبراء يرون أن الحكومة تملك مشتقات نفطية كافية، ولكنها تريد أن تبيعها للمواطنين بأسعار محررة، وتبيعها بالدولار للمغتربين والسياح، بغية تحصيل القطع الأجنبي قدر الإمكان، على الرغم من أن البلاد تعاني من أزمة مواصلات عامة، وغلاء في أجور التنقلات، على إثر ندرة المحروقات كما تزعم دوما.

الحكومة شريكة الأزمة الاقتصادية

منذ أن اعتمدت الحكومة السورية على نظام “البطاقة الذكية” في توزيع المشتقات النفطية وبعض السلع الغذائية الأساسية، والأزمات في الأسواق لا تنتهِ، فقد أصبح لكل السلع سوق موازية “سوداء”، فمثلا تم إنشاء سوق سوداء للمحروقات وهذا ما ساهم بشكل كبير في تعزيز احتكار البنزين والمازوت، وخلق بورصات وأسواق جديدة لهذه المواد ليتم بيعها بأعلى سعر ممكن من قبل أولئك الذين يتحكمون بها.

إن احتكار المواد من قبل المؤسسات الحكومية يؤدي إلى اختلاق الأزمات وخلق المشكلات وظهور السوق السوداء التي يدفع ضريبتها في نهاية المطاف المواطن السوري المحتاج، والتحكم بأسعار هذه السلع يتم عبر المسؤولين عن المعتمدين الحكوميين، وسط غياب الرقابة والتموين، هذا إن لم يكن هناك تقاعس الجهات المعنية مع المعتمدين وأصحاب محطات الوقود من أجل تقاسم الأرباح.

خاصة وأن المزود الرئيسي لهذه المحطات هي شركة “محروقات” الحكومية، نظرا لأنه كيف تصل هذه الكميات الكبيرة من الوقود إلى السوق السوداء، وهي غير متوفرة في المحطات بأسعار مدعومة. إجابة هذا التساؤل يجب على المسؤولين الحكوميين الإجابة عليه بكل شفافية ووضوح.

من جانب آخر، “صالات السورية للتجارة” ترفع أسعار بعض السلع أكثر من الأسعار المتداولة في الأسواق، وبالتالي تُرتفع الأسعار تلقائيا في المحال التجارية الخاصة معها، إذاً الحكومة تساهم بشكل كبير في تصاعد الأسعار وخلق الأزمات.

كذلك، من بين الإجراءات والقرارات الحكومية التي تساهم في زيادة الأزمات وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، هو تشكيل “لجنة مشتركة” بين مجلس الشعب السوري والحكومة، بهدف إعداد حزمة متكاملة من المقترحات للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي، وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف، وتحسين الأوضاع المعيشية للعاملين في الدولة، على أن تُقدّم هذه اللجنة مقترحاتها لمناقشتها وإقرارها.

على إثرها أطلقت الحكومة سلسلة من القرارات، تتعلق بمزيد من رفع لأسعار السلع والخدمات في سوريا، إلا أن هذه الارتفاعات جاءت في وقت تقول فيه الحكومة، إنها تعمل على تحسين الواقع المعيشي، لكن أفعال الحكومة لا تتوافق أبدا مع أقوالها.

إذ إن جميع القرارات الحكومية الصادرة مؤخرا ساهمت في زيادة معاناة السوريين في التعامل مع الأزمة الاقتصادية.

في العموم، خلال السنوات الأربع الماضية، ونتيجة لقرارات حكومية خاطئة، كما وصفها العديد من الخبراء والشارع السوري، الأمر الذي أدى إلى زيادة تدهور الليرة السورية وانفلات الأسعار في الأسواق، فضلا عن خلق العديد من الأزمات، حيث تعيش سوريا اليوم أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها الحديث. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات