يبدو أن الارتفاع التدريجي بأسعار كافة السلع في سوريا بدأ يظهر، وكما يقول المثل الشعبي “الحبل عالجرار”، فبعد ارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية وبعض المنتجات الأخرى في الأسواق، بدأ سوق الهواتف المحمولة “الموبايلات” يأخذ حصته من هذه الارتفاعات.

فقد ارتفعت أسعار اكسسوارات الموبايلات وأجور صيانتها في الفترة الأخيرة التي سجل فيها ارتفاع أسعار طال جميع السلع والخدمات، حيث وصلت تكلفة تغيير شاشة الموبايل لأكثر من 150 ألف ليرة سورية في العاصمة وريفها، فيما لا تزال الموبايلات تُسعّر وفق سعر الصرف، فضلا عن أن شركتي “سيريتل و إم تي إن” للاتصالات الخليوية، أوقفتا عمل آلاف الأجهزة غير المجمركة على الشبكة السورية، وسط غلاء تكاليف جمركة الهواتف المحمولة.

تكاليف صيانة الموبايلات

في جولة على محال الموبايلات في دمشق وريفها، لمعرفة أسعار إكسسوارات الأجهزة وأجور الصيانة، تبين أن سعر ”كفر” الموبايل يبدأ من 10 آلاف ليرة إن كان سيليكون، ليصل لـ 20 ألف في حال كان مبطّن، ويتخطى الـ 30 ألف في حال كان بلاستيكي ومبطّن، وفق ما أورده موقع “أثر برس” المحلي قبل يوم الثلاثاء الفائت.

بينما يبدأ سعر وصلة الـ”يو إس بي” من 25 ألف وأكثر، وبالنسبة للشواحن الأصلية فتتأرجح أسعارها ما بين 70 – 100 ألف ليرة سورية، بينما تتراوح أجور الصيانة كـ “السوفت وير” بين 20 – 50 ألف بحسب نوع الجهاز، بوقت تصل كلفة تغيير الشاشة لـ 150 ألف، وإصلاح مأخذ الشحن يبدأ من 30 ألف.

تقول إحدى المواطنات من دمشق في هذا الصدد، إنها حاولت إصلاح هاتفها عن طريق “ضبط المصنع”، لكن دون جدوى، وظل أداؤه ضعيفا ويتوقف أحيانا، وعندما أخذته إلى مصلّح الجوالات طلب أجرة “السوفت وير” 50 ألف ليرة، وبرأيها أن هذا الحل أفضل عن شراء جهاز جديد.

بدوره أوضح مواطن آخر يملك هاتفا نقالا قديما، أن جهازه يحتاج إلى “سوفت وير” كل 6 أشهر ولا يتحمل ضغطا كبيرا من البيانات والملفات، وتفاجأ بأن ذلك سيكلفه 15 ألف ليرة سورية بعد أن كان يصرف مبلغا أقل، حوالي 7500 ليرة في السابق على نفس العطل، وبالتالي هو الآن مضطر لتأجيل إصلاح موبايله إلى وقت آخر، ذلك لأن هناك أشياء كثيرة أكثر أهمية بالنسبة له، كالمواد الغذائية وغيرها من المستلزمات الحياتية اليومية.

عدد من أصحاب المحلات وبائعي الموبايلات صرّحوا للموقع المحلي أن أجرة “السوفت وير” تختلف من جوال لآخر حسب نوعيته وحداثته فكلما كان حديثا كان أغلى، موضحينَ أن تغيير الأوضاع الاقتصادية له دور كبير بارتفاع سعره لأن تحديث نظام الجوالات يحتاج إلى شبكة قوية وإنترنت سريع وذلك مكلف بالنسبة لهم، وبالتالي يوجد الكثير من البائعين يسعّرون “السوفت وير” بأسعار مختلفة بما يناسب التكلفة ويحقق الربح، مضيفينَ أن هذه العملية أقل تكلفة من تغيير إحدى قطع الجوال أو تبديلها.

ماذا عن أسعار الموبايلات؟

وسط تقلبات سعر الصرف في سوريا، شهد سوق الموبايلات خلال الأيام الحالية تحولات جذرية في أسعار الهواتف الذكية، حيث تأثرت هذه الأسعار بشكل كبير بالتّقلبات الحادة في سعر الصرف. فقد شهدت الليرة السورية انخفاضا كبيرا في قيمتها مقابل الدولار، حيث تجاوز سعر الصرف حاجز 13 ألف ليرة سورية للدولار الواحد. وقد كان هذا الانخفاض الكبير في قيمة الليرة السورية عاملا رئيسيا في ارتفاع أسعار الموبايلات بشكل ملحوظ، على اعتبار أن مبيع هذه الأجهزة يكون وفق سعر الصرف.

بالتالي، سجلت أسعار الموبايلات في سوريا ارتفاعا جديدا، حيث وصلت الزيادة بالأسعار لـ 10 ملايين بأحد الأجهزة خلال شهر واحد فقط. وأكد أحد بائعي أجهزة الموبايل للعديد من المواقع المحلية، أن الأسعار الجديدة للهواتف النقالة باتت تتغير بشكل شبه يومي، وارتفعت بنسبة كبيرة خلال شهر واحد فقط، مبيّنا أن سلسلة “سامسونغ” هي الأكثر مبيعا.

هذا وسُعّر جهاز “آيفون 14 برو ماكس” قبل يومين بحوالي 43 مليون ليرة سورية، وجهاز “آيفون 14 برو” حوالي 39 مليون، وموبايل “آيفون 14” حوالي 28 مليون ليرة.

بينما موبايل “كالاكسي إس 23 ألترا” يتجاوز 34 مليون ليرة، وجهاز “سامسونغ كالاكسي زد فولد3 جي5” صار سعره 31 مليون ليرة سورية، وجهاز “جي كالاكسي إس 22 ألترا5” 27 مليون ليرة، و “كالاكسي آي73 جي5” كان سعره قبل شهر حوالي 6.5 مليون أصبح سعره حوالي 11 مليون.

بعض أصحاب المحلات يقولون إنه بعد انخفاض سعر الصرف بنحو ألف ليرة سورية اليوم مقارنة بالسعر السابق قبل ثلاثة أيام، انخفضت أسعار الجوالات بشكل طفيف، لكن لا أحد من بائعي الهواتف يبيع بالليرة السورية، بسبب عدم استقرار الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، وبالتالي يبيعون بالدولار الأميركي، حتى لو كان ذلك في الخفاء، وسط ركود كبير في عمليات البيع والشراء في هذا السوق.

الجمركة “خيالية”

في المقابل، إذا قورنت أسعار “الآيفون 14 برو ماكس” في عدة دول عربية، فستكون سوريا الأغلى والأرخص بالسعر الرسمي في أميركا. وإزاء هذا الفارق الكبير انتقد العديد من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي هذا الأمر، ومن بينهم مراسل قناة “الميادين”، السوري رضا الباشا، حيث كتب “سعر موبايل الآيفون في سوريا يتجاوز 3 آلاف دولار، في حين أن سعره في دبي 1200 دولار بعد حساب ربح التاجر، وفي العراق 1250 دولار”.

الباشا انتقد سياسات الحكومة السورية، قائلا “عندما نتحدث عن الأتمتة والحوكمة الالكترونية، اقلها دعوا لنا ما يمكننا من اقتناء أدنى مقومات التكنولوجيا، لن اتحدث عن الآيفون بل عن اي موبايل أندرويد، فسعره اليوم يتجاوز ملايين الليرات وهو لا يصلح لأكثر من تفعيل واتسآب، كفانا شعارات عن أتمتة وتكنولوجيا وما شابه، التكنولوجيا بحسب أسعار هذا البلد مخصصة لمافيا الحرب ومن يحصل أمواله بطرق ملتوية حالها كحال كل تفاصيل الحياة بسوريا.. هذا البلد الذي يفتقد لأدنى مقومات الحياة”.

بينما انتقد آخرون بقولهم “لأ و فوق كل هاد كل شيء على الموبايل مقفول وما بيفتح ولا بيشتغل و المزايا ع الفاضي، شركة أبل اذا بتفتح فرع بسوريا لتكيف وتسكر كل فروعها بدول العالم، سبقوا الشركة المصنعة، كل موبايل بيربح مع جماعتنا 3 أضعاف الكلفة”.

في السياق، قالت بعض الصفحات المحلية المشهورة على منصات التواصل الاجتماعي، إن شركتي “سيريتل و إم تي إن” للاتصالات الخليوية أوقفتا آلاف الهواتف النقالة، بسبب عدم جمركتها على الشبكة السورية، ونظر لأن تكاليف الجمركة كبيرة، فإن الناس يلجؤون لمبرمجينَ بغية تغيير “سيريال” أجهزتهم لتعمل على الشبكة السورية مقابل مبلغ زهيد مقارنة بأسعار الجمركة المرتفعة.

حيث أن تكاليف الجمركة عبر شركات الاتصالات تعادل سعر جهاز محمول لبعض الموديلات مثل “آيفون وفئة معينة من سامسونغ”. ومؤخرا، رفعت الحكومة السورية أسعار جمركة الموبايلات “التصريح الجمركي” للمرة الرابعة منذ مطلع 2023، وكانت نسبة الارتفاع ما بين 15 و25 بالمئة، وذلك من دون إعلان رسمي عن القرار.

مع ارتفاع سعر الصرف فإن جمركة الموبايلات ترتفع معها تلقائيا، وكأنها تسعّر بالدولار وليست بالليرة السورية، وهذا استغلال واضح لجيوب المواطنين من قِبل هذه الحكومة التي باتت تحصل الأموال من كل حدب وصوب على حساب المواطنين.

“ضربة موجعة للمغتربين”

مؤخرا، طالت موجة انتقادات ساخرة الحكومة السورية وقراراتها مجددا، وهذه المرة تم انتقاد “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” بشأن تفعيل ميزة التجوال المحلي مؤقتا بين شركتي “سيريتل، و إم تي إن” للاتصالات الخليوية، بحيث يمكن لمشتركي الهاتف الخلوي إجراء المكالمات وإرسال الرسائل واستخدام الإنترنت من خلال شبكة الشركة التي يتوفر عليها التغطية، حتى لو كان المستخدم من مشتركي الشبكة الأخرى.

البعض اعتبر أن هذا القرار بمثابة أداة جديدة للاحتيال والنصب على المواطن، باعتبار أن ضعف الشبكة الخلوية يهدر رصيد المتصل نتيجة تكراره استخدام الشبكة، وبهذه الطريقة يمكن للكثيرين أن يضيعوا أرصدة اتصالاتهم دون الاستفادة منها بشكل كافٍ ومجدي.

علق أحدهم بالقول “ضربة موجعة للمغتربين، فضلتو ع بوزو للمشترك. طبعا فينا كمان نستخدم عليها شبكة وفا مجانا كمان، يا سلام على هالنصبة، الشبكتين اضرب من بعض. أي الحمدلله لأن بصراحة نحكي 5 دقايق مانفهم من بعض 5 كلمات”.

بينما اعتبر آخرون أنها خطوة لزيادة أجور الاتصالات وأضافوا “ميزة جديدة لزيادة أجور الدقيقة بالتبادل المتناوب بين الشركتين بحجة التغطية. هي تبادل منافع بين الشركتين لشو أساسا الأجور الإضافية. لأنه بدونها لا تفعل الناس باقات انترنت، مامعون حق ابراج هيك بيوفروا حق أبراج جديدة وعلى قص بالأرباح، ماهني بروحو الشبكتين سوى بس تنقطع الكهرباء”.

البعض الآخر أشاروا إلى أن “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” تقول إن الميزة مفعّلة في مناطق معينة، وسيقولون غدا إنها تدعم أجهزة محددة، وبالتالي ستجبر الكثير من الناس على اقتناء أجهزة حديثة، من أجل أن تستفيد الحكومة من جمركة هذه الأجهزة، خاصة وأن نسبة كبيرة من الناس يستخدمون الهواتف المحمولة القديمة للاتصالات والجديدة غير المجمركة لشبكات الـ”واي فاي” واستخدام الإنترنت.

هذا وبينما أصبح همّ المواطن في هذا البلد المتعب الاستمرار بالحياة وبأقل التكاليف، فإن الطبقة المخملية تشتري موبايلات “الآيفون” مقابل 43 مليون ليرة سورية.

حيث لا يمكن لأغلب السوريين توفير هذا المبلغ اليوم لأكثر من 15 سنة عمل متواصلة، بسبب رواتبهم وأجورهم الضئيلة، والتي يبلغ متوسطها من 200 إلى 260 ألف ليرة سورية، في حين أن أمراء الحرب وتجّارها يستطيعون دفعها من أطراف جيوبهم كما يقولون.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات