في الآونة الأخيرة، ازدادت حدة التوترات في السويداء، بعد اندلاع احتجاجات شعبية واسعة ضد الحكومة السورية والفساد والأزمة الاقتصادية، وطالبت بطرد القوات النظامية من المحافظة، ورحيل السلطة السياسية في سوريا. كما تداولت وسائل إعلام وصفحات محلية بسوريا، أخبارا حول توجه حراك السويداء لتشكيل مجلس عسكري يقود المحافظة. وهذه التطورات تثير تساؤلات عديدة حول مستقبل السويداء ومصيرها في إطار التسوية السورية المحتملة.

منذ بداية الأزمة في سوريا وحتى اليوم، لم تتوقف التحولات والتطورات على الساحة السورية عن الاستمرار في تجسيد مأساة الشعب السوري. وفي هذا السياق، تبرز محافظة السويداء كإحدى المناطق التي شهدت تحولات ملموسة على مستوى الأوضاع العسكرية والسياسية. حيث تعد محافظة السويداء جنوب سوريا، موقعا لأحداث متلاحقة، تركزت حول مطالبة سكانها بالتخلص من القيود والضغوط النظامية التي استمرت لفترة طويلة.

منصة الاحتجاجات وصولا إلى تكوين مجلس عسكري يُقود المحافظة، هي مسار يجسّد تجربة مهمة؛ فالسويداء لم تكن مجرد رمز جغرافي في الجنوب، بل أصبحت مسرحا للتحولات الكبيرة التي تجري داخل البنية السورية. وتجربة تشكيل مجلس عسكري في السويداء تعكس تصاعد الصراع بين مطالب الشعب وبين إصرار دمشق على المحافظة على قبضتها.

حقيقة المجلس العسكري

بحسب مصادر محلية فإن عددا من الضباط المتقاعدين من أبناء محافظة السويداء أعلنوا في بيان، عن نواة مقترحة لتشكيل مجلس عسكري، ومن الواضح أن هذه الأحداث لها تأثيرات جذرية ليس فقط على مستقبل السويداء بل وعلى الساحة السورية بأكملها. حيث تكوين مجلس عسكري يأتي كنتيجة لعدم الرضى عن الوضع الحالي، وهي خطوة تُظهر تصاعد الطموحات لدى السكان للحصول على حقوقهم ومشاركة فعّالة في تشكيل مستقبلهم.

طبقا للبيان فإن البنود التي طرحها الضباط تضمنت، دعم مطالب المحتجين وفق القرار الأممي “2254”، والدعوة إلى تشكيل مجلس إدارة مؤقت لإدارة شؤون المحافظة وتسيير عمل الجهات الخدمية، وتشكيل لجنة بإشراف العميد نايف العاقل لتوحيد الفصائل في السويداء والإشراف على عملها.

البيان الذي حمل 8 بنود لتنظيم العمل وإدارة المحافظة، طالب بسحب  الثقة من أعضاء مجلس الشعب وأعضاء الإدارة المحلية على مستوى المحافظة وتشكيل مجلس إدارة مؤقت لإدارة شؤون المحافظة. وطالب الضباط المتقاعدين أيضاً بفتح معبر حدودي مع المملكة الأردنية لتعزيز التنمية الاقتصادية على مستوى المحافظة.

العميد المتقاعد نايف العاقل، ذكر أن ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، ليس إعلانا عن مشروع جديد، إنما هي اقتراحات فقط، وخطة عمل مستقبلية للخروج من الواقع الرهن. مشيرا إلى أن هذه المقترحات سيتم نقلها إلى كل الفعاليات الدينية والاجتماعية، ولا يمكن تبنيها دون توافق عام من جميع الفئات في السويداء.

علاوة على ذلك، ذكر العاقل أن الغرض من اقتراح تشكيل هيئة اختصاصية، “جاء نتيجة للشلل الحاصل داخل مؤسسات الدولة بسبب الفساد المستشري والمحسوبيات وسوء الاختيار”.

احتجاز ضباط من أجل أيمن فارس

مختلف جوانب هذه التحولات، من تأثيراتها الاقتصادية إلى تداعياتها السياسية والأمنية، مرتبطة بهذا التطور وتأثيره على ديناميات القوى داخل سوريا، وكيف يمكن أن يشكل هذا النموذج قاعدة لتحولات مماثلة في مناطق أخرى من البلاد.

فالتحرك العسكري لم يكن على مستوى التنظيم والمجلس فقط، حيث تبرز صورة أخرى في التحرك عسكريا داخل السويداء بعد الإعلان من قبل الشيخ سليمان عبد الباقي، قائد “تجمع أحرار جبل العرب” أمس الأحد، عن احتجاز عدد من الضباط في الجيش السوري من أجل عملية تبادل أسرى.

عبد الباقي وخلال كلمة ألقاها في قرية داما بريف السويداء الغربي، شارك فيها العشرات من أبناء القرية والقرى المجاورة، ذكر أن اعتقال الناشط أيمن فارس ابن الساحل السوري في أثناء محاولته الالتجاء إلى السويداء، غير مقبول، وقد تم احتجاز ضباط للتفاوض وإطلاق سراحه.

ما يعزز تحول المشهد في السويداء نحو مؤسسات محلية، هي السابقة التي لم تشهدها المحافظة منذ استلام حزب “البعث” السلطة في سوريا، حيث دخل العصيان المدني في السويداء أسبوعه الثاني على التوالي. وتظاهر الناس في الشوارع وأغلقوا المزيد من الفرق الحزبية، كما واصلوا إقفال الدوائر الحكومية، باستثناء الخدمية منها. 

وفقا لما نقله موقع “السويداء 24” المحلي، فقد أغلق المحتجون فرقا حزبية جديدة يوم أمس الأحد، بداية من قيادة فرع الحزب في المدينة، ووصولا إلى قرى ملح صما البردان، والمزرعة. وكان المحتجون قد أغلقوا في الأيام السابقة الفرق الحزبية في المناطق التي شهدت مظاهرات تطالب برحيل السلطة السياسية في البلاد. 

“ساحة الكرامة” التي باتت رمزا للاحتجاجات في المحافظة والتي تبعد أمتارا قليلة عن قيادة الشرطة ومبنى المحافظة وسط مدينة السويداء، شهدت لليوم التاسع على التوالي، مظاهرات حاشدة. 

وردا على هذا الإجراء، بدأ حاجز “المسمية” التابع للمخابرات العسكرية، بين دمشق والسويداء، بمنع أفراد الجيش والشرطة من دخول محافظة السويداء، ومحاولة الضغط بوسائل مختلفة لإزالة الحواجز الأهلية التي نصبت خلال الأيام الماضية، التي تبدو أنها تشكل قلقا للأجهزة الأمنية. 

الحراك إلى أين؟

المشهد العسكري في جنوب سوريا بحسب المحلل السياسي المنحدر من مدينة السويداء، كمال عبد الهادي، هو نتيجة لتداخل عدة عوامل محلية وإقليمية ودولية، ودلالة على انفصال تام للمحافظة عن الحكومة، وفي ذات الوقت يضع تحديات أمام حراك السويداء.

طبقا لحديث عبد الهادي لـ”الحل نت”، فالصراع بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة الذي اندلع في عام 2011، وتحول إلى حرب أهلية معقدة، شاركت فيها قوى خارجية متحالفة مع أحد الطرفين أو بأهدافها الخاصة، أدى إلى تشكيل نواة للمجلس العسكري.

أيضا تفاقم التهديد الذي يشكله أعوان الحكومة السورية المتمثلين بإيران وروسيا والخوف من شن هجمات دامية على المدنيين كان له تداعيات للدعوة لتشكيل المجلس العسكري في السويداء، خصوصا أن ما يسمون بأبواق دمشق مثل الإعلامي حسين مرتضى، والمستشارة الإعلامية للرئيس السوري، لونا الشبل، هددوا علنا  أهالي السويداء بالانتحاريين والإرهابيين.

تشكيل حركات محلية في جنوب سوريا، تتبنى مطالب اجتماعية وسياسية وأمنية وتتصادم مع دمشق بحسب عبد الهادي، تهدف إلى تغيير موقف دول الغرب والخليج من دعم قرارات دمشق سياسيا، بعد فشل مشروع التغيير السياسي للحكومة السورية، والترويج بانشغالهم بمكافحة التطرف واللاجئين والأزمات الأخرى مثل المخدرات.

إن ما يجري في السويداء ليس مجرد أخبار عابرة، بل هو محط أنظار الجميع؛ فهو يلخص بوضوح توجُّهات الشعب السوري نحو تحقيق الحرية والمشاركة الفعالة في صناعة مستقبلهم، والدعوات إلى تشكيل إدارة مؤقتة لإدارة شؤون المحافظة سيكون له تأثيرات كبيرة على المشهد السوري وربما على مسار الأحداث في المنطقة بأكملها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات