في استطلاع لإحدى الإذاعات المحلية، تبيّن أن هناك فوضى كبيرة في أسعار سيارات الأجرة “التكاسي” بسوريا. ومن خلال التقرير الاستطلاعي، ينفي جميع “السائقين” أنهم يقومون بملء الوقود من السوق السوداء “الحر”، بل أكدوا أنهم يعبّئون بانتظام من محطات الوقود وبالسعر الرسمي.

غير أن المواطنين ينفون ذلك، ويقولون إن سائقي سيارات الأجرة يدّعون في كل مرة أنهم يعبّئون من السوق السوداء، بهدف رفع أجرة “التوصيلة”. لذلك، يبدو جليا أن أصحاب “التكاسي” يتجنّبون الاعتراف بأنهم يقومون بالتعبئة من السوق “الحر” أمام الكاميرات ووسائل الإعلام، خوفا من وقوع أي مخالفة بحقهم أو ما شابه ذلك، إضافة إلى أن الاستطلاع كشف عن حالة فوضى كبيرة في أسعار المواصلات الخاصة والتي وصفت بحسب الأهالي بالـ”خيالية”.

فوضى في أجور توصيلات التكاسي

في تفاصيل الاستطلاع الذي أجرته إذاعة “نينار إف إم” المحلية، يوم أمس الإثنين، في محافظة حلب، تردد أن هناك فوضى في أسعار “التكاسي”، فيما نفى جميع السائقين مَن أجرت الإذاعة المحلية مقابلات معهم، أنهم يعبئون من السوق السوداء، وأشاروا إلى أن سعر ليتر البنزين في السوق السوداء يقارب الـ 20 ألف ليرة سورية.

أثار هذا الاستطلاع موجة انتقادات من الشارع السوري على مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب أحدهم “اشتهيت واحد يكون زلمة ويقلن اشتريت حر مع العلم كلهم معبين من السوق السوداء.. الزلمة كان مرضان ومبارحة من 3 أيام عبا من الكازية وبعمرو ما عبا من السوق والزلمة عميطلب الأجرة من المريخ. هه هاد الحكي لأنن خايفين عبقلك ماعبينا حر قسما بالله من سنة لهلق شتهيت وقف تكسي يقلي معبي من الكازية كلو بيحلفلك فراس ولادو معبي حر”.

عند سؤالهم عن تكلفة “توصيلة” عادية داخل مركز مدينة حلب، أجاب جميع أصحاب “التكاسي” أنها تتراوح ما بين 8-12 ألف ليرة سورية، وهو ما يعتبر أجرة غالية. وفي هذا السياق، أشار بعض المتابعين إلى أن أصحاب سيارات الأجرة يتقاضون 20 ألفا، وليس 10 آلاف، مقابل هذه “التوصيلة” البسيطة، لكن السائقين ذكروا هذا المبلغ تحسّبا لأي محاسبة من الجهات الحكومية.

بالتالي فإن فوضى الأسعار في الأسواق العامة سارٍ على قدم وساق، كما يقولون، لكن لا أحد يجرؤ على القول أمام وسائل الإعلام ما هو حقيقي وواقعي، ويفسر البعض حقيقة حصول سائقي “التكاسي” على هذه الأجور على أنها نتيجة ارتفاع تكلفة كل شيء في البلاد، بالإضافة إلى تكاليف الصيانة وقطع الغيار التي تكلفهم مبالغ كبيرة.

خلال الأيام الماضية، شهدت عموم المحافظات السورية إضرابا لوسائل النقل الخاصة بعد رفع الحكومة السورية أسعار الوقود، ما أدى إلى حالة إرباكٍ لدى الناس والطلاب في معظم المحافظات السورية.

فبعد ساعات من إصدار الرئيس السوري بشار الأسد، منتصف آب/أغسطس الجاري، مرسوما تشريعيا يقضي بزيادة الرواتب والأجور للعاملين في القطاع العام بنسبة 100 بالمئة؛ صدرت تعديلات الزيادة على أسعار المازوت والبنزين والفيول والغاز السائل.

ارتفاع أسعار المحروقات

في المقابل، وللمرة الثانية خلال أسبوعين، رفعت الحكومة أسعار المحروقات في سوريا، موضحة أن أسعار المشتقات النفطية التي صدرت تسعيرتها ليلا، تشمل المشتقات التي تبيعها الشركات الخاصة إلى القطاع الخاص، وليست أسعار الدولة للقطاعات المحددة بالقرارات السابقة.

القرار الذي صدر عن “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية”، تم بموجبه رفع أسعار البنزين “أوكتان 95” والمازوت الحر والفيول والغاز “السائل دوكما” الموزعة للقطاع الصناعي والقطاعات الأخرى.

طبقا للقرار الجديد، أصبح سعر لتر البنزين “أوكتان 95” 14700 ليرة سورية بدلا من 13500، ولتر المازوت الحر 12800 ليرة بدلا من 11550. فيما حددت الوزارة سعر مبيع الفيول بثمانية ملايين و532 ألف و400 ليرة سورية للطن الواحد، والغاز السائل دوكما بسعر عشرة ملايين و40 ألف ليرة سورية للطن الواحد.

الحكومة السورية بعد نشرها للقرار أغلقت التعليقات على صور القرار في صفحتها على موقع “فيسبوك”، فيما فسّره مواطنون بأنه على ما يبدو حفاظا على “هيبة الدولة” من غضب السوريين، لا سيما وأن القرار الذي صدر قبل أسبوعين تسبب بموجة احتجاجات ما تزال مندلعة لليوم التاسع على التوالي.

معظم تعليقات السوريين التي رصدها “الحل نت” كانت تتبلور حول عدم فهم آلية وسياسة الحكومة مع الشعب، خصوصا أن الاحتجاجات على القرار الأخير لم تنتهِ، وربما بعد هذا القرار ستتوسّع الدائرة لتشمل محافظات عديدة غير السويداء ودرعا ودمشق وجبلة.

ما يذكره السوريون داخل صفحاتهم كان كالتالي، “لم يعد الكلام يجدي نفعا عجزت الأرض عن الحلول”، “على هالحكي اليوم ما في سرافيس والعالم ما بتروح على الوظيفة”، “إن لم تستح ففعل ما شئت”، “بالفعل سكت الكلام، خلّصنا كل الأبجدية، القادم أجمل وأحلى وأفظع”.

بينما كان السوريون ينتظرون بصبر وتحمّل تراجعا عن القرارات السابقة التي تسببت بالاحتجاجات، إذ ترتبط مأساتهم بأكثر من مجرد زيادة في أسعار المحروقات، فهي تلمس أعمق مشكلات الاقتصاد والبنية التحتية التي يعاني منها الشعب، بات من المؤكد أن هناك تحدٍّ تمثله هذه الكارثة.

فساد في قطاع المحروقات

في سياق متّصل، غالبا ما كانت الآليات التي تقرّها الحكومة السورية بشأن إعادة هيكلة الدعم، أو توزيع المحروقات على المواطنين بأسعار مدعومة، محل جدل واسع في الشارع السوري، فالحلول التي تقدمها الحكومة، فتحت العديد من الأبواب أمام الفساد وسرقة حصة المواطن من المواد الأساسية، في ظل غياب أي رقابة حكومية أو دور جاد للحرص على وصول الدعم لمستحقيه.

منذ سنوات عندما أقرت الحكومة أوّل آلية لتوزيع المواد النفطية على الأهالي بأسعار مدعومة، لا يكاد يمر شهر واحد إلا وتعاني أحد المواد من نقص حاد كالبنزين والغاز وغيرها، فيضطر المواطن إلى شراء المادة بالسعر الحر والذي في العادة ما يكون أعلى من السعر المدعوم بنسبة لا تقل عن 200 بالمئة.

ذلك يأتي في ظل وجود العديد من قضايا الفساد والسرقة، والتي عادة ما تتعامل معها الحكومة بإطلاق الوعود بمحاسبة المسؤولين، أو الإعلان عن تنظيم بعض الضبوط هنا وهناك، من دون وجود أي نتائج ملموسة تنعكس بشكل إيجابي على الأهالي.

تقرير لـ”تلفزيون الخبر” المحلي، كشف عما سماها “فضيحة” تخص شركة “تكامل” المسؤولة عن توزيع المواد النفطية المدعومة عبر “البطاقة الذكية” على العائلات السورية، إذ تشير المعلومات إلى وجود سرقات بالمليارات كانت تتمّ في محطات البنزين في مدينة حلب، في وقت كانت المدينة تعاني من شحٍّ كبير في المحروقات.

التقرير المحلي الذي نُشر مؤخرا، كشف عن وجود العديد من المتورطين في قضايا سرقة المحروقات المدعومة في حلب، وهم من أصحاب الكازيات ومنهم من فريق محافظ حلب، الأمر الذي يكشف شبكة فساد كبيرة بقيادة مسؤولين حكوميين، يُفترض أنهم في مواقعهم للحفاظ على آليات توزيع المواد المدعومة بشكل عادي.

السرقات كانت تتم بتنسيق على ما يبدو بين كوادر محطات البنزين والتقنيين في شركة “تكامل”، وذلك عبر قطع حصة المواطنين من المحروقات بشكل دوري، وهنا أوضح التقرير ”التلاعب بدأ منذ إصدار البطاقة الذكية، وحتى تاريخ إقرار نظام الرسائل، للسيارات الخاصة والعامة العاملة على المازوت”.

عمليات الفساد والسرقة هذه، يتحملها ليس فقط المسؤولين عن القضية، بل إن من وضع هذه الآلية كان يجب عليه سدّ جميع الثغرات التي قد تفتح الباب أمام الفساد والسرقة.

لكن يبدو أن الحكومة السورية لم تولِ اهتماما كافيا للحرص على وصول المواد المدعومة لمستحقيها، بل يعتبر الكثيرون أن الحكومة شريكة في إنشاء السوق السوداء والفساد الذي يحصل بين الحين والآخر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات