“الناس عم تغلي” هذا العنوان ليس مجرد تشبيه، بل هو وصف دقيق لما يجري في سوريا، حيث يعيش الشعب السوري على وقع ضغوط لا تحتمل. فالوضع المأساوي لوسائل النقل العامة في البلاد تعكس مدى التحديات التي يواجهها المواطنون يوميا، وهذه الأحداث تطرح تساؤلات هامة بشأن مستقبل قطاع حيوي في البلاد.

من المعروف أن النقل هو قطاع حيوي وأساسي لحركة البشر والسلع والخدمات، وأنه يلعب دورا مهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي بلد. لكن ماذا سيحدث عندما يتعرض هذا القطاع للانهيار والشلل، ما هي الآثار السلبية التي تنتج عن ذلك على حياة المواطنين والمجتمع.

في سوريا ومنذ أسبوعين يواجه الناس صعوبات كبيرة في التنقل داخل المدن وبين المحافظات، بسبب نقص حاد في وسائل النقل العامة والخاصة، وارتفاع كبير في أسعار المحروقات والتذاكر، وتدهور في البنية التحتية والطرق. وهذه الأزمة ستزداد سوءا خصوصا مع القرار الذي اتخذته الحكومة السورية ليل الأحد – الأثنين.

رفع أسعار البنزين

للمرة الثانية خلال أسبوعين، رفعت الحكومة أسعار المحروقات في سوريا، موضحة أن أسعار المشتقات النفطية التي صدرت تسعيرتها ليلا، تشمل المشتقات التي تبيعها الشركات الخاصة إلى القطاع الخاص، وليست أسعار الدولة للقطاعات المحددة بالقرارات السابقة.

القرار الذي صدر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، رفع أسعار البنزين “أوكتان 95” والمازوت الحر والفيول والغاز “السائل دوكما” الموزعة للقطاع الصناعي والقطاعات الأخرى.

طبقا للقرار الجديد، أصبح سعر ليتر البنزين “أوكتان 95” 14700 ليرة سورية بدلا من 13500، وليتر المازوت الحر 12800 ليرة بدلا من 11550. فيما حددت الوزارة سعر مبيع الفيول بثمانية ملايين و532 ألف و400 ليرة سورية للطن الواحد، والغاز السائل دوكما بسعر عشرة ملايين و40 ألف ليرة سورية للطن الواحد.

الحكومة السورية بعد نشرها للقرار أغلقت التعليقات على صور القرار في صفحتها على موقع “فيسبوك”، فيما فسره المواطنون بأنه على ما يبدو حفاظا على “هيبة الدولة” من غضب السوريين، لا سيما وأن القرار الذي صدر قبل أسبوعين تسبب بموجة احتجاجات ما تزال مندلعة لليوم التاسع على التوالي.

القادم.. أجمل وأحلى وأفظع

معظم تعليقات السوريين التي رصدها “الحل نت” كانت تتبلور حول عدم فهم آلية وسياسة الحكومة مع الشعب، خصوصا أن الاحتجاجات على القرار الأخير لم تنته، وربما بعد هذا القرار ستتوسع الدائرة لتشمل محافظات عديدة غير السويداء ودرعا ودمشق وجبلة.

ما يذكره السوريون داخل صفحاتهم كان كالتالي، “لم يعد الكلام يجدي نفعا عجزت الأرض عن الحلول”، “على هالحكي اليوم ما في سرافيس والعالم ما بتروح على الوظيفة”، “إن لم تستح ففعل ما شئت”، “بالفعل سكت الكلام، خلّصنا كل الأبجدية، القادم أجمل وأحلى وأفظع”.

بينما كان السوريون ينتظرون بصبر وتحمّل تراجعا عن القرارات السابقة التي تسببت بالاحتجاجات، إذ ترتبط مأساتهم بأكثر من مجرد زيادة في أسعار المحروقات، فهي تلمس أعمق مشكلات الاقتصاد والبنية التحتية التي يعاني منها الشعب، بات من المؤكد أن هناك تحدي تمثله هذه الكارثة.

وسائل النقل العامة ليست مجرد وسائل للتنقل، بل هي عصب الحياة اليومية، وتأثير رفع أسعار المحروقات سيمتد بشكل مباشر ليطال جميع جوانب الحياة. فضلا عن انعكاساته على تكاليف المعيشة إلى تأثيراته على الأعمال والتجارة، وكل هذه الجوانب تعكس تفاصيل الصورة الأوسع للتحدي الذي يجب لم يعالج بجدية.

القرار الحكومي الجديد لرفع أسعار المحروقات ليس مجرد قرار إداري عابر، بل هو تطور بات يتطلب بحسب ردود الأفعال من الجميع التفكير بجدية حول الخيارات المتاحة والحلول الممكنة. خصوصا أن مدى تأثير هذا القرار على الاقتصاد المحلي والوضع الاجتماعي كبير.

الأسعار إلى أين؟

يبدو أن الليالي لدى الحكومة السورية هي مراكز التغيير، فجميع قرارات الحكومة باتت تصدر ليلا، ليستيقظ السوريون على زيادات مئوية، لا سيما وأنها لم تهدف إلى مواجهة التضخم المتفاقم في سوريا، الذي بلغ نسبة 3000 بالمئة في شهر تموز/يوليو الماضي، والذي يؤثر سلبا على قدرة المواطنين على شراء السلع والخدمات الأساسية.

لم تتوانَ الحكومة في 16 آب/أغسطس الجاري وبعد قرار زيادة الرواتب 100 بالمئة، عن إصدار قرارها الخاص بإلغاء الدعم عن البنزين بشكل كامل، بل قررت رفع أسعار المشتقات النفطية بخمسة قرارات، حيث أعلنت رئاسة مجلس الوزراء، أنه بناء على مقتضيات المصلحة العامة، فتم تحديد سعر المبيع للمستهلك من مادة المازوت المدعوم بـ 2000 ليرة سورية للتر، والمازوت الصناعي المقدم لكل من الصناعات الزراعية، والمشافي الخاصة، ومعامل الأدوية بـ 8000 ليرة سورية للتر.

كما نص القرار على تحديد سعر المبيع للمستهلك من مادة البنزين الاوكتان 90 المدعوم بـ 8000 ليرة سورية للتر، والمازوت للمخابز التموينية الخاصة بـ 700 ليرة سورية للتر، وسعر مبيع للمستهلك من مادة البنزين الممتاز الاوكتان 95  بـ 13500 ليرة سورية للتر.

بعد القرار الأول لزيادة أسعار المحروقات، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا إلى مستويات غير مسبوقة، لتلقي بظلالها على ميزانيات الأسر وحياة المواطنين. وإذا كانت الذاكرة الجماعية تختزل الأزمات في الصور النمطية لأحداث العام 2011، فإن قرار ليل الأحد – الأثنين يترجم الآن على شكل تحديات اقتصادية جديدة. فارتفاع المواد الغذائية الأساسية قادم لا محالة والسوريون أمام مرحلة جديدة من الصراعات الاقتصادية.

مع الزيادة الأخيرة منذ أسبوعين تقريبا، والتي ضربت معظم السلع في السوق السورية، وصلت اليوم تكلفة المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد إلى 10 ملايين ليرة سورية، فيما يتراوح متوسط ​​دخل الموظف الحكومي بين 200-260 ألف ليرة، وبعد قرار يبدو أن هذا الرقم سيتضاعف.

مستقبل الاقتصاد السوري وسبل التعامل مع التحديات الاقتصادية معقد، إذ إن هناك التحديات الكبيرة التي تنتظر البلاد، لأن هذه القرارات تعكس عدم إرادة حكومية للتصدي للأوضاع الصعبة بقرارات جذرية وشجاعة. ومع مرور الوقت، سيتضح ما إذا كانت هذه الخطوات غير قادرة على تحقيق التحول الاقتصادي المرجو، وأنها ستفتح الباب أمام سيناريوهات غير متوقعة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات