في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سوريا، والتي تتجلى بانهيار العملة وارتفاع التضخم والفقر والبطالة، تواجه الحكومة السورية صعوبات في تغطية ميزانيتها وتأمين احتياجات السوق المحلية من السلع والخدمات. لذلك، تلجأ الحكومة إلى اتخاذ قرارات اقتصادية غير منطقية، تزيد من عبء المواطنين وتثير استياء التجار لا سيما مع اندلاع الاحتجاجات في مدن سورية بسبب قرار الحكومة الأخير برفع الأسعار.

فرض جرعة سعرية جديدة على جميع البضائع التجارية القادمة من الخارج بنسبة 200 بالمئة؛ يعني أن أسعار جميع أنواع السلع التجارية سترتفع بشكل كبير، مما سيؤثر سلبا على قدرة المستهلكين على شرائها، وسيزيد من حالة الشح والنقص في السوق. كما يعني هذا القرار أن التجار سيتكبّدون خسائر كبيرة، نظرا لارتفاع تكاليف استيراد البضائع، وانخفاض الطلب عليها.

الزيادة إلى أين؟

جرعة سعرية ستبلغ ضعف القيمة، تلك هي الخطوة الجديدة التي تستعد الحكومة السورية لاتخاذها بحسب ما حصل عليه “الحل نت” من تسريبات، وهي الخطوة التي لا يمكن إغفالها بأي حال من الأحوال. إذ تجاوزت الأزمة الاقتصادية في سوريا حدود التوقعات، ولم يعد الوضع يحتمل المزيد من الجمود. فقد أصبحت التجارة الخارجية عصب الاقتصاد، وما من شك في أن أي تحرك بهذا الاتجاه سيكون له تأثيرات بالغة.

عند الحديث عن زيادة بنسبة 200 بالمئة على البضائع الواردة من الخارج، يعني أن هناك عاصفة تحوم حول جيوب المواطنين. فالتبعات لن تقتصر على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل ستمتد لتطال حياة الناس بشكل شامل. وارتفاع الأسعار سيكون وقودا لمزيد من التضخم، وبالتالي سينعكس سلبا على قوته الشرائية والحياة اليومية للمواطن.

بحسب مصادر في منطقة الحرة السورية، فإن الحكومة بصدد فرض جرعة سعرية جديدة على جميع البضائع التجارية القادمة من الخارج بنسبة 200 بالمئة. حيث قال تجارٌ لـ”الحل نت”، إن الحكومة ستقرّ رفع أسعار جميع أنواع السلع التجارية منذ مطلع شهر أيلول/سبتمبر القادم.

كما وأشار التجار إلى أن القرار جاء تزامنا مع قرار آخر برفع سعر الجمارك مئة بالمئة، لافتين إلى أن نيّتهم لتنفيذ إضراب شامل في جميع المنافذ الجمركية، خصوصا وأن مئات الشاحنات ما تزال متوقفة في منفذ “نصيب” الحدودي مع الأردن بسبب قرار السعودية الأخير بمنع مرور الشاحنات السورية.

شلل اقتصادي قادم

مع تفاقم الأوضاع وزيادة الضغوط، لم يكن قرار رفع الجمارك بنسبة 100 بالمئة وحده كافيا لإشعال فتيل التحركات الاحتجاجية. فالاحتجاجات المتواصلة على الحكومة والمطالبة بالإصلاحات الاقتصادية تجاوزت حدود الصمت والتسامح. وها هي منذ أيام تجد نفسها محصورة في زاوية ضيقة، مضطرة لاتخاذ قرارات جذرية للخروج من هذه المأزق.

لا يمكن التغاضي عن أهمية هذا الموضوع وتأثيره الكبير على مجريات الأحداث السياسية والاجتماعية في سوريا. الاقتصاد هو العامل الأساسي الذي يؤثر على حياة الناس ومعيشتهم. ومع تصاعد حدة الضغوط والمطالبات، يبدو أن الحكومة ليست بصدد أخذ هذا الموضوع بكل جدية وتعمل على وضع استراتيجيات اقتصادية محكمة للتخفيف من وطأة الأزمة.

طبقا لحديث تاجر المواد الغذائية، وفيق الدرة، لـ”الحل نت”، هذا القرار قد يكون له آثار سلبية على اقتصاد سوريا، أبرزها زيادة التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين، نتيجة ارتفاع أسعار السلع المستوردة والمحلية، وتدهور قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية.

كذلك سيعمل القرار على تراجع النشاط التجاري والصناعي، نتيجة تكبد التجار خسائر بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد وانخفاض الطلب على البضائع، وإضرابهم احتجاجا على هذا القرار.

علاوة على ذلك، فإن النتيجة الحتمية لمثل هذه القرارات، هي زيادة الفقر والبطالة والهجرة، نتيجة تفاقم الأزمة المعيشية للسكان وانعدام فرص العمل والدخل، والبحث عن بدائل في الداخل أو الخارج. وأيضا زيادة الاحتجاجات والاضطرابات الأمنية، نتيجة استياء الشعب من سياسات الحكومة وقمعها للمطالبات بالإصلاح والتغيير.

مصروف العائلة السورية 

مع الزيادة الأخيرة منذ أسبوع تقريبا، والتي ضربت معظم السلع في السوق السورية، وصلت اليوم تكلفة المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد إلى 10 ملايين ليرة سورية، فيما يتراوح متوسط ​​دخل الموظف الحكومي بين 200-260 ألف ليرة.

متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد، قفز إلى أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية أي نحو 700 دولار أميركي، أما الحد الأدنى فقد وصل إلى 6.489.694 ليرة سورية، بينما ارتفع الحد الأدنى للأجور ظاهريا ليصل إلى 185.940 ليرة سورية، أي أقل من 12.6 دولار شهريا.

بالتالي فقد صَعد متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، خلال النصف الثاني من شهر آب/أغسطس الجاري، بمقدار 3.823.333 ليرة سورية عن متوسط التكاليف التي سجّلها “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة” بسوريا في شهر تموز/يوليو الماضي.

الزيادة الأخيرة على الأجور والرواتب بنسبة مئة بالمئة والتي ترافقت مع رفع الدعم عن عدد من المشتقات النفطية، ارتفعت أمامها أسعار الحاجات الأساسية للأسرة السورية بنسب كبيرة تراوحت بين 50 – 100 بالمئة كحد أدنى. أي أن التكاليف ارتفعت فعليا بنسبة قاربت 58.3 بالمئة خلال الفترة من بداية شهر تموز/يوليو الماضي حتى النصف الثاني من شهر آب/أغسطس الجاري.

ليس ذلك فحسب، بل بلا ضجة إعلامية قامت الحكومة السورية أمس الخميس برفع سعر مياه الشرب، تحت ذريعة “ترشيد استهلاك المياه للحد من الهدر وعدم الاستهتار بالسعر المنخفض”، حيث انتشرت بشكل مفاجئ عبارة داخل وسائل التواصل الاجتماعي تقول ” انتبهوا لاستهلاكم من الآن فصاعدا”.

يتم احتساب تعرفة المتر المكعب من المياه المستهلكة التي تزيد على 50 مترا مكعبا في الدورة الواحدة للشريحة السادسة للاستهلاك المنزلي بقيمة 400 ليرة سورية ولكامل الكمية المستهلكة، والتي تزيد على 80 مترا مكعبا، بقيمة 1500 ليرة، للفئة التجارية والصناعية والسياحية والعامة بقيمة ألف ليرة.

تصاعد الأزمة الاقتصادية في سوريا ينذر بمزيد من التحديات والتوترات. وهو يلقي الضوء على أهمية الحلول الجذرية والإصلاحات الاقتصادية لإعادة بناء البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وإذا لم يتم التصرف بحزم وسرعة، فقد تكون تداعيات هذه الزيادات الجديدة وخيمة، وقد تعمق الأوضاع الصعبة التي يعاني منها السوريون.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات