وسط فقر بات ثلث الإيرانيين يعيشون تحت وطأته، ونسبة بطالة وصلت حدود الـ 10 بالمئة، لا يزال النظام الإيراني مصرٌّ على استخدام سياساته التي أدت بالبلاد إلى حالة يُرثى لها، فبينما ينتظر العالم مواقف تشجعه على العودة إلى طاولة الحوار مع طهران، بما يساعد في التخفيف أو رفع العقوبات الدولية عنها، حيث يمكن أن يدفع بعجلة الاقتصاد المنهار إلى الأمام، أعلن رئيس “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”، استمرار بلاده تخصيب اليورانيوم وفق “القانون المحلي”.

قرار إيران استمرار تخصيب اليورانيوم وفق القانون المحلي، يعني أنه تعزيز عمليات التخصيب بما يتجاوز الحد المنصوص عليه في اتفاق طهران النووي المبرم في 2015 مع الدول السّت الكبرى، وهو ما يصل إلى نسبة نقاء 60 بالمئة، إذا لم تلتزم الأطراف الأخرى بشكل كامل بالاتفاق، وهو معدل أكبر من 3.76 بالمئة التي نصت عليه الاتفاق، الأمر الذي اعتبره مختصون انتهاكا للقوانين الدولية، حتى وإن كان على حساب الشعب الإيراني.

فانتهاك القوانين والاتفاقات، يعني استمرار العقوبات الدولية أو المزيد منها، وهي التي وضعت إيران في حالة من العزلة مع العالم ومحيطها الإقليمي الذي هي بأمس الحاجة له، وذلك في وقت لا يبدو فيه أن الشعب الإيراني وحده بحاجة إلى التواصل الدولي مع بلادهم، بل النظام ذاته الذي عبّر بأكثر من موقف عن حاجته لتلك العلاقات التي أدى انقطاعها، أو حصرها بمساحات معينة إلى أضرار اقتصادية بالغة، تركت بشكل واضح أثارها على المواطنين.

ما حجة طهران باستمرار تخصيب اليورانيوم؟

رغم ذلك، فإن إيران مستمرة في تخصيب اليورانيوم على أساس إطار العمل الذي وضعه “البرلمان” الإيراني، حسبما أكده رئيس “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” محمد سلامي، الأحد الماضي، عندما سُئل عن تقارير فيما يخص إبطاء طهران تخصيبها لليورانيوم بنسبة نقاء 60 بالمئة، قائلا إن تخصيبنا النووي مستمرٌّ على أساس قانون إطار العمل الاستراتيجي، بإشارة إلى القرار البرلماني الذي أُقرّ عام 2020.

إيران تبرر استمرار تخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة، لعدم التزام الولايات المتحدة الأميركية التي انسحبت من الاتفاق النووي خلال فترة الرئيس السابق دونالد ترامب، بسبب تجاوز إيران بنود الاتفاق وعدم التزامها بها، الأمر الذي دفعها إلى فرض عقوبات قاسية على النظام الإيراني، وهي الذريعة التي اتخذتها طهران لانتهاك القيود التي وضعها الاتفاق على الأنشطة النووية، في وقت لم تخفي فيه إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، الرغبة في العودة للاتفاق في حال أظهرت إيران استعدادا للالتزام ببنود الاتفاق، وهو ما لم يتحقق.

الاتفاق النووي يُلزم إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تتجاوز 3.67 بالمئة، إلا أن طهران بدأت التخصيب إلى نسبة نقاء 60 بالمئة عام 2021، وهي خطوة تجعلها قريبة من المستويات المناسبة لتطوير قنبلة نووية، في حين تريد طهران بذات الوقت إعادة بناء علاقاتها مع العالم، ضمن سياسة تتبناها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، لخفض التوتر مع المجتمع الدولي ودول الجوار، أملا في أن يساعد ذلك على تحسّن أوضاع بلاده.

لكن مع إعلان استمرار تخصيب اليورانيوم بما يخالف بنود الاتفاق النووي، وهي الأساس التي يعتمد المجتمع الدولي في تعامله مع طهران عليها، وإلى جانب استمرار تدخلاتها في الكثير من الملفات الإقليمية والدولية، مثل مواصلة دعم “الحوثيين” الذين يقوّضون جهود السلام في اليمن، والتدخل في الأزمة الأوكرانية، من خلال دعم القوات الروسية بطائرات مسيرة، يرى مراقبون أن سياسة خفض التصعيد التي تجهر بها طهران، ما هي إلا وسيلة لخداع العالم بغية استمرار الأنشطة العدائية.

تعليقا على ذلك، تقول الباحثة في الشأن الإيراني منى السيلاوي في حديث مع موقع “الحل نت”، إن واحدة من سياسات النظام الإيراني التي يتبعها هي إرسال رسائل متناقضة للعالم الخارجي، وهذا يشمل مختلف الأطراف السياسية والتيارات السياسية في إيران، فحتى عندما جاء التيار الإصلاحي إلى السلطة، حاول أن يقول للعالم بأنهم يريدون البناء وأن ضرورة التعامل معهم دوليا يخدم عدم وصول المتطرفين إلى السلطة، بيد أنهم لا يختلفون عن غيرهم، وأن غايتهم كسر العزلة الدولية عن إيران.

رسائل إيران المتناقضة

كذلك في الوقت الحالي، هكذا هو الوضع، تشير السيلاوي إلى أن النظام الإيراني والتيار الأصولي الذي يمسك بزمام السلطة في البلاد يحاولون خلق تواصل دولي مع إيران لأنهم بحاجة إليه، لذلك يعملون على إرسال رسائل متناقضة، حيث يظهرون موقفا معينا ويتخذون خطوات معاكسة، فحكومة الرئيس إبراهيم رئيسي تحتاج إلى علاقات مع دول الجوار ومع دول العالم، خدمة للاقتصاد المنهار بفعل العقوبات الدولية المفروضة على إيران.

رئيس “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” محمد سلامي/ إنترنت + وكالات

الباحثة في الشأن الإيراني، لفتت إلى أن النظام الإيراني الذي فقد الكثير من هيبته لا يستطيع تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد لذلك يحاول الاستثمار بمثل هذه المناورات، غير أن الكثير من الدول باتت على دراية وإدراك بالتعامل مع هذه الرسائل المتناقضة، مبيّنا أن التناقض في مواقف النظام الإيراني يعني بأنه يحاول من جهة كسب علاقات ودية مع دول الجوار ومع الولايات المتحدة الأميركية، في حين يستمرون على قرارات مثل تخصيب اليورانيوم.

السيلاوي، أوضحت أن قرار تخصيب اليورانيوم يحمل رسائل إلى العالم الخارجي ذات أبعاد تتعلق بالداخل الإيراني، وليست لها علاقة بالملف النووي في الوقت الحالي، حيث تريد إيران أن تقول للمجتمع الدولي، بأنه في حال استمراركم في دعم سخط الشعب الإيراني من النظام، المتمثل بـ “الثورة” الأخيرة التي اجتاحت معظم مدن البلاد احتجاجا على مقتل الشابة الكردية مهسا أميني إثر اعتقالها من قبل “شرطة الأخلاق” المعنية بفرض قوانين الحجاب على النساء؛ فإننا سنستمر في تخصيب اليورانيوم.

إيران تعيش حالة من التدهور الاقتصاد الحاد والذي انعكس بشكل كبير على حياة الإيرانيين، وهو ما كان عاملا أساسيا في اندلاع الاحتجاجات الشعبية في البلاد، ووسط هذه الحالة التي لا يمتلك النظام الإيراني والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حلولا لتجاوزها وتخطي الأزمة الاقتصادية، تشير الباحثة في الشأن الإيراني، إلى أن النظام يرى من الضرورة أن تكون لديه علاقات جيدة مع دول الجوار والعالم، لما يمكن أن تساعد به هذه العلاقات في انفراجة اقتصادية، لذلك يتم استخدام كل أوراق الضغط لتحقيق ذلك، بما فيها ورقة اليورانيوم.

على الرغم من أن السيلاوي، ترى أنه حتى في حال تحسنت العلاقات الإيرانية مع محيطه والعالم، فإن ذلك لن يخدم سوى روابط وجيوب النظام الإيراني بسبب الفساد والمحسوبيات، مقابل استمرار حالة الغضب والغليان الشعبي، بالتالي فإن ذلك يجعل من وضع النظام الإيراني في حالة من القلق أمام احتمالات عدة، ولذلك يسعى النظام الإيراني جاهدا إلى تحقيق البرنامج النووي، لأن النظام يرى أن الاستمرار في هذا البرنامج سيضع زمام الأمور دائما في صالحه.

إيران على غرار كوريا الشمالية وعلى حساب المواطن

إذ يحلم المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، في أن تصل إيران لحالة كوريا الشمالية، وبهذه الطريقة فإنه من الصعب التعرض لإيران والنظام الإيراني، ما يجبر العالم للتعامل معهم كواقع حال كما هو الوضع اليوم مع كوريا الشمالية التي تستقوي بامتلاكها القنبلة الهيدروجينية والنووية، مؤكدة أن تحقيق هذا الحلم بالنسبة لخامنئي هو هدف أساسي حتى وإن كان على حساب الشعب الإيراني واستمرار الجوع.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في أحد مختبرات تخصيب اليورانيوم/ إنترنت + وكالات

ما يعزز حديث السيلاوي، تصريحات مساعد “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”، أمير حسين فقهي، الذي قال، إن الاتفاق النووي لم يعد له فعالية خاصة بالنسبة لأميركا وأوروبا، و”لذلك فإن قضية أخرى مثل المصالح الاقتصادية يجب أن تكون موضوعا للتفاوض، مضيفا أن العالم توصل إلى نتيجة أننا لا نتطلع لصنع أسلحة ولم تعد هناك أي إمكانية لإيقاف إيران”.

في غضون ذلك، كانت تقارير لـ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، قد أفادت في وقت سابق، بأن إيران زادت مخزونها من اليورانيوم المخصّب بنسبة كبيرة في الأشهر الأخيرة، وأن مخزون إيران المقدّر من اليورانيوم المخصب تجاوز الحد المسموح بأكثر من 23 ضعفا، بموجب اتفاق 2015 بين طهران والقوى الكبرى.

بذلك بلغ إجمالي مخزون إيران من اليورانيوم المخصب في 13 أيار/مايو ما يُقدر بـ 4744.5 كيلوغراما، في حين أن الحد المسموح به في الاتفاق يبلغ 202.8 كيلوغرام، وأورد التقرير أيضا أن إيران تواصل تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى من نسبة 3.67 بالمئة الواردة في الاتفاق النووي الذي تعطلت جهود إحيائه منذ الصيف الماضي.

إلى ذلك، يُعتقد الآن أن مخزون اليورانيوم المخصّب بنسبة تصل إلى 20 بالمئة بلغ 470.9 كيلوغراما، بزيادة 36.2 كيلوغراما منذ التقرير الأخير في شباط/فبراير الماضي، بينما تبلغ الكمية المخصّبة بنسبة 60 بالمئة 114.1 كيلوغراما، بزيادة 26.6 كيلوغراما، في حين يتطلب تطوير سلاح نووي مستويات تخصيب تناهز 90 بالمئة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة