سوريا تواجه الآن أزمة اقتصادية خانقة، تهدد حياة الملايين من المواطنين الذين يصارعون للبقاء على قيد الحياة في ظل ظروف قاسية. ارتفاع الأسعار في سوريا هو واحد من أبرز مظاهر هذه الأزمة، التي تفاقمت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، بسبب قرارات حكومية غير مدروسة.

قضية ارتفاع الأسعار في سوريا تعدّ من أبرز القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تثير اهتمام السوريين أجمع منذ منتصف آب/أغسطس الفائت. إذ إنها ليست مجرد زيادة تدريجية في تكاليف المعيشة، بل هي تفاقم مستمر لمشكلة تتفاقم يوما بعد يوم، وترفع تساؤلات مهمة حول مستقبل الاقتصاد السوري ومستوى معيشة الشعب السوري. ويتزايد القلق بشكل متزايد حيال إدارة الأزمة الاقتصادية في البلاد، وما إذا كانت السلطات الحالية تتخذ الإجراءات الكافية لمواجهة هذا التحدي الكبير أم أنها أمام نفق مظلم لا تعرف الخروج منه.

المواطن سيدفع للتجار فرق الاسعار

إن ارتفاع الأسعار ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو نتيجة تراكمية لسنوات من الأزمات التي ألحقت أضرارًا هائلة بالبنية الاقتصادية والاجتماعية في سوريا. منذ قرار رفع الدعم عن السلع الأساسية والرواتب، شهدت الأسواق السورية تصاعدا متسارعا في أسعار السلع والخدمات الأساسية، مما أثر بشكل كبير على قدرة الشعب السوري على تلبية احتياجاته الأساسية.

قرار رفع أسعار المشتقات النفطية مؤخرا أضاف لهذا التوتر الاقتصادي، حيث من المتوقع أن يؤدي إلى مزيد من ارتفاع التكاليف وزيادة ضغوط الأسعار على المستهلكين. وهذا القرار لا يقتصر تأثيره على أسعار الوقود فقط، بل سيمتد إلى مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات، مما يعزز من التحديات التي يواجهها الشعب السوري.

عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، ياسر أكريم، لفت إلى أن قرار رفع أسعار المشتقات النفطية مؤخرا المبيعة من الشركات الخاصة إلى القطاع الخاص وخصوصا مادة المازوت الحر “زاد الطين بلة”. حيث إن هذا القرار حتما سيساهم برفع التكاليف وسيؤدي إلى رفع أسعار السلع في السوق بنسبة لا تقل عن 5 بالمئة.

التكاليف بحسب أكريم تضاعفت ليس اليوم إنما منذ مدة طويلة وليس هناك مجال للمقارنة اليوم بين التكاليف ودخل المواطن، مؤكدا أن مثل هذه القرارات ليست صحيحة في ظل تدني راتب الموظف وعدم قدرته على تأمين أدنى سبل المعيشة، حيث أصبحت سعر تنكة البنزين اليوم تساوي راتب الموظف.

أي قرار حكومي برفع سعر أي مادة مثل المشتقات النفطية على سبيل المثال سينعكس بشكل فوري على سعر السلعة والمشكلة اليوم في الارتفاع الحاصل في الأسعار وأن المواطن لم يعد قادرا على شراء نسبة كبيرة من السلع نتيجة ارتفاع أسعارها الكبير.

السيناريوهات المحتملة

المفترض عند تحرير أسعار المشتقات النفطية أن يتحرر راتب الموظف ويصبح جيدا بحسب الخبراء الاقتصاديين، ومن الطبيعي عند تحرير أسعار المشتقات النفطية أن يرافقها تحرير في أسعار كل المواد في السوق، إلا أن زيادة الأجور والرواتب الأخيرة كانت محدودة ولا تتناسب مع الارتفاع الذي حصل في أسعار المشتقات النفطية.

لا شك أن ارتفاع الأسعار في سوريا هي ظاهرة مستمرة منذ قرار رفع الدعم والرواتب، والذي اتخذته حكومة عرنوس في نهاية عام 2022، بحجة تحسين الإيرادات والإنفاق الحكومي. ولكن هذا القرار لم يحقق المطلوب، بل على العكس، أدى إلى رفع التضخم وخفض القوة الشرائية للمواطنين، خصوصا في ظل انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار.

لم يكن هذا كل شيء، ففي الأسبوع الماضي، اتخذت حكومة عرنوس قرارا جديدا بشأن رفع أسعار المشتقات النفطية المبيعة من الشركات الخاصة إلى القطاع الخاص، وخصوصا مادة المازوت، التي تستخدم في التدفئة والطهي والصناعات. وهذا القرار حتما سيساهم برفع التكاليف وسيؤدي إلى رفع أسعار السلع في السوق بنسبة لا تقل عن 5 بالمئة.

هذه القرارات الحكومية تثير الكثير من التساؤلات عن مدى كفاءة ومصداقية الحكومة السورية بقيادة رئيس الوزراء حسين عرنوس، وعن مصالحها الحقيقية من هذه الخطوات. وهل تهدف الحكومة إلى تحسين الوضع الاقتصادي في سوريا، أم إلى تحقيق مصالح ضيقة لبعض الأطراف المتنفذة.

إمكانية سوريا أن تتجاوز هذه المشكلة بالإصلاحات الاقتصادية، هو بحسب حديث الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، لـ”الحل نت”، سؤال صعب ولا يوجد إجابة واضحة عليه. فالإصلاحات الاقتصادية هي عملية معقدة ومتعددة الجوانب، تتطلب توافر الشروط السياسية والأمنية والاجتماعية المناسبة.

طبقا لحديث الحمصي، فإنه لا يمكن لسوريا أن تتجاوز مشكلة ارتفاع الأسعار والفقر والتدهور الاقتصادي بالإصلاحات الاقتصادية فقط، بل تحتاج إلى حل سياسي شامل وعادل للصراع، وإلى دعم دولي كاف ومستدام، وإلى تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد، وإلى تحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية، وإلى تنويع مصادر الدخل وتشجيع المبادرات الخاصة.

مصير سوريا في مهب الريح؟

وفقا لتقارير سابقة، فقد صرحت الحكومة السورية البدء بتنفيذ برنامج شامل للإصلاحات الاقتصادية منذ عام 2020، تمثل بالتحول من اقتصاد التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق الاجتماعي. ولكن هذه الإصلاحات لم تثمر عن النتائج المرجوة منها، بل نجم عنها العديد من النتائج السلبية، مثل ارتفاع التضخم والبطالة والفقر. كما أن هذه الإصلاحات لم تستطع مواجهة التحديات التي فرضها الصراع والأزمات المنطقية.

لذلك بحسب الحمصي يبدو أن سوريا بحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد، تستند إلى رؤية استراتيجية وطنية، تضمن التوازن بين الأهداف الاجتماعية والأهداف الإنمائية، وتستفيد من التجارب الدولية الموفقة في هذا المجال. كما يبدو أن سوريا بحاجة إلى إشراك جميع الفئات والأطراف المعنية في عملية صنع القرارات والإشراف على تنفيذها، لضمان شفافية ومساءلة وشرعية هذه العملية.

طبقا لمتابعات “الحل نت”، فالحديث عن الفواكه والتي ودّعت معظم البيوت السورية، أصبح شراؤها بالنسبة لمحدودي الدخل “جريمة” يعاقب عليها جنون الأسعار، في حين أن موجة الأسعار أغرقت باقي المواد الغذائية كالسكر والرز والسمنة وغيرها، ليقصدها المواطن بكميات محدودة تلبي حاجة طبخته التي لم تعد يومية وإنما حسب الميزانية، أما مجرّد التفكير في شراء اللحوم بات ضربا من الخيال.

علاوة على ذلك، في كل مرة تشهد فيها الأوضاع المعيشية انحدارا في سوريا، يخرج مسؤولو الحكومة السورية ويطلقون الوعود لتحسين الواقع المعيشي، فخلال الأشهر الماضية كانت الحكومة تردد أسطوانة زيادة الأجور والرواتب لتحسين الوضع المعيشي في البلاد.

زيادة الرواتب والأجور كانت بمثابة قنبلة فجّرت أسعار السلع والخدمات خلال الأسابيع القليلة الماضية، إذ إن الزيادة بنسبة مئة بالمئة على الرواتب، كانت انعكاساتها مضاعفة على الأسواق، حيث شهدت معظم السلع ارتفاعا وصل إلى 200 و300 بالمئة، فضلا عن القرارات الحكومية الخاصة برفع الدعم عن بعض المواد الأساسية.

منذ بداية العام الجاري، كثيرا ما تحدثت حكومة عرنوس عن وجود خطة للتعافي الاقتصادي في سوريا، وتحسين أسعار السلع الأساسية في الأسواق، لكن مع كل قرار حكومي جديد متعلّق بالأوضاع المعيشية في البلاد، كان الأمر يزداد سوءا، حتى بات السوريون يطالبون الحكومة بعدم إصدار أية قرارات تتعلق بتحسين الواقع المعيشي، لأن هذه القرارات غالبا ما تكون معكوسة الاتجاهات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات