في الوقت الذي تشهد فيه محافظة السويداء في جنوب سوريا احتجاجات شعبية متصاعدة ضد السلطة الحاكمة في دمشق وسياساتها الاقتصادية والأمنية، وفي الوقت الذي تلقى فيه أبناء السويداء تضامناً واسعاً من مختلف المناطق السورية، تبرز تساؤلات عن مدى تأثير هذه التحركات على المشهد السياسي والحكومي في دمشق. هل تتسبب السويداء بـ”تسونامي” التعديل الحكومي.

منذ عام 2011، عاش الشعب السوري في وجه العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومرّت البلاد بأزمات لا تُحصى وصراعات معقدة. إلا أن الأحداث الأخيرة في السويداء، جنوب سوريا، قد ألقت بظلال جديدة على المشهد السوري. فقد تصاعدت حدة الاحتجاجات الشعبية في هذا الجزء من البلاد، واتسعت دائرة التأثير الاجتماعي والسياسي لهذه الأحداث عبر الجغرافيا السورية.

بالنظر إلى هذا التطور، يبدو أن السوريين قد يكونون على أبواب تغيير حكومي جديد. ويمكن أن يكون هذا التغيير الحكومي هو الخامس من نوعه منذ اندلاع الأزمة في البلاد. ويأتي هذا التطور في سياق تطورات إقليمية ودولية أخرى، مثل الانفتاح العربي مع دمشق. وهذه الأحداث تأتي أيضا في ظل واقع اقتصادي متدهور وانهيار في القدرة الشرائية للمواطن السوري.

من أبرز الأسماء المطروحة؟

رغم سنوات من تفاقم معاناة الشعب السوري، وانخفاض مستوى المعيشة بشكل كبير، وتدهور الخدمات العامة، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. إلا أن الأحداث الأخيرة في السويداء قد أسقطت قناعا جديدا على هذا الواقع المعقّد. حيث انطلقت الاحتجاجات الشعبية في هذا الجزء من البلاد نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة وتراكم الضغوط على المواطنين. ومع تصاعد الاحتجاجات وتوسع نطاقها، أصبح السؤال عن نتائج هذه الاحتجاجات بتغيير حكومي جديد في سوريا.

بعد تعيين الرئيس السوري بشار الأسد، يوم الأحد الفائت، سفير سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بسام الصباغ نائبا لوزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، بدأت التكهنات حول تغيير وزاري مرتقب رئيس الوزراء حسين عرنوس والمقداد أبرز ضحاياه.

بعض التقارير الصحفية أشارت إلى أن دمشق تعتزم تغيير رئيس الوزراء ووزراء المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة والنفط والزراعة، وذلك خلال الأسابيع القادمة. كما لفتت التقارير إلى أن هذا التعديل يأتي تلبية لمتطلبات الانفتاح العربي مع دمشق، وخصوصا الاتفاق الإماراتي، الذي نشر سابقا والذي يشترط على دمشق إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية.

وفقا لمصادر مطلعة، تتردد ثلاثة أسماء مرشحة لتولي منصب رئيس الحكومة في سوريا، خلفا للرئيس الحالي حسين عرنوس. تلك المصادر تشير إلى أن دارم الطباع، الذي شغل منصب وزير التربية في السابق، يُعتبر واحدا من المرشحين المحتملين. بالإضافة إلى ذلك، تم تداول اسم علي مملوك، الذي يشغل منصب نائب رئيس الحكومة السورية للشؤون الأمنية، كمرشح آخر.

ماذا يعني تعيين الصباغ؟

أما بالنسبة للمرشح الثالث، فهناك تردد لاسم فارس الشهابي رئيس غرفة صناعة حلب وعضو “مجلس الشعب” السابق، ومن جهة أخرى، أكدت المصادر أن فيصل مقداد، الذي شغل منصب وزير الخارجية، سينتقل إلى منصب نائب رئيس الجمهورية.

نقل المقداد هو إجراء تقليدي في سوريا، كما حدث سابقا مع فاروق الشرع عام 2006، ليحل محله في وزارة الخارجية محمد أيمن سوسان الذي يشغل معاون وزير الخارجية والمغتربين حاليا، في حين هذا التغيير يُشير إلى استمرار الدعم لوزيري الداخلية والتربية والدفاع الحاليين في مناصبهم.

إلا أن مصادر مطلعة في وزارة الخارجية أكدت لـ”الحل نت”، أن الصباغ الذي كان يشغل منصب المندوب الدائم لسوريا لدى منظمة الأمم المتحدة في نيويورك، جاء ليحل محل المقداد، لا سيما أنه منذ تولي بشار الجعفري سفير سوريا في روسيا وتركه منصب نائب وزير الخارجية، ظل المنصب شاغرا حتى حينه.

تعيين الصباغ كنائب لوزير الخارجية، يدل على أن الصباغ مؤهل لاستلام وزارة الخارجية، حيث من قبله المقداد كان نائب وزير الخارجية، وقبله وليد المعلم كان نائبا لفاروق الشرع، وأغلب وزراء الخارجية السورية عملوا إما سفراء لدى الولايات المتحدة الأميركية، أو مندوبين لدى الأمم المتحدة، وهو ما ينطبق على الصباغ وليس على سوسان.

احتجاجات السويداء… إصرار على التغيير السياسي

مع وصول الاحتجاجات يومها الثالث عشر، لا شك أن السويداء تشكل نقطة فارقة في المشهد السوري، فهي محافظة ذات خصوصية سياسية وثقافية ودينية، وتتمتع بمستوى من الاستقلالية عن الحكومة، خصوصا منذ عام 2011. فقد شهدت المحافظة تظاهرات سلمية مطالبة بالحرية والكرامة، وانضمام بعض أبنائها إلى صفوف المعارضة، وتشكيل لجان شعبية للدفاع عن أرضها وأهلها من هجمات تنظيم “داعش”، ورفض لخضوع لسطوة حزب “البعث” أو قوات “إيران” أو “روسيا”.

لكن ما يميز احتجاجات السويداء في هذه المرحلة هو أنها لم تعد محصورة بالمطالب المحلية أو المطالب المتعلقة بأزمة الاقتصاد، بل امتدت إلى مطالب سياسية شاملة، تستهدف السلطة السياسية والرئيس السوري بشار الأسد نفسه، وتطالب بتنحيه وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. كما أن احتجاجات السويداء حظيت بتأييد كبير من قبل نشطاء وإعلاميين وشخصيات سورية من مختلف المذاهب والانتماءات، مما يشير إلى رغبة شعبية في التغيير.

لعل هذه التطورات قد دفعت بالسلطة الحاكمة في دمشق إلى التفكير بإجراء تعديل حكومي جديد، هو الخامس منذ عام 2011، وذلك لمحاولة تهدئة الشارع السوري، وتحسين صورته الداخلية والخارجية، والاستجابة لبعض متطلبات الانفتاح العربي معه.

لكن هل يكفي هذا التعديل لإرضاء الشعب السوري، أو لإنهاء الأزمة السورية، وهل يمثل هذا التعديل تغييرا جوهريا في سياسة دمشق، أم هو مجرد تغيير في الوجوه. وهل يمكن لهذا التعديل أن يحقق المصالحة الوطنية، أو أنه يفتح باب المزيد من التصعيد. هذه هي بعض التساؤلات التي ينتظر السوريين الإجابة عنها خلال الأيام القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة