التجاوزات وحوادث التحرش والمخلّة بالآداب حديث المشهد السوري بين الحين والآخر، فتكرار هذه المشاكل بشكل دوري وعلى فترات متقطعة، لا شكّ أن أسبابا وعوامل جذرية تقف وراءها. لذلك، إذا لم تعمل الحكومة السورية على إيجاد الحلول لهذه المعضلات من جذورها، فإن هذه الانتهاكات بحق الطلاب لن تتوقف، مما سيؤثر على العملية التعليمية التي أصبحت في مستويات متدنية منذ سنوات.

قبل يومين، أوقفت جامعة دمشق، أستاذا في كلية الإعلام وأحالته لما يسمى إلى “مجلس تأديب”، وذلك لأسباب تتعلق بارتكابه أفعالا غير أخلاقية ومخالفة الأنظمة الجامعية وارتكاب مخالفات تُخلُّ بسمعة الجامعة ومكانتها العلمية.

بسبب التحرش بـ الطلاب!

مصدر مسؤول في جامعة دمشق، كشف لصحيفة “الوطن” المحلية يوم الثلاثاء الماضي، عن أن قرارا صُدر بحق أستاذ جامعي بكلية الإعلام في دمشق، وتم إيقافه عن العمل لأسباب تتعلق بالآداب العامة، مؤكدا أن القرار جاء بعد التحقيق معه ومواجهته من المحقق المكلّف من كلية الحقوق بالأدلة الدامغة والبراهين، الأمر الذي أدى إلى اعترافه.

المصدر ذاته أشار إلى أن الأمر معروض خلال الفترة القادمة على مجلس التأديب الذي يرأسه قاضٍ، وفي الغالب بمثل هذه الحالات يتخذ مجلس التأديب عقوبة الطرد بحق أي عضو هيئة تدريسية يرتكب مخالفات تتعلق بالجانب الأخلاقي.

كما ولفت إلى أن العقوبات التأديبية التي يجوز إيقاعها على أعضاء الهيئة التدريسية من مجلس التأديب تضم الإنذار وتوجيه اللوم، إضافة إلى توجيه اللوم مع تأخير الترفيع لمدة سنتين على الأكثر، وتأخير التعيين في الوظيفة الأعلى لمدة سنتين على الأكثر، وقطع تعويض التفرغ وتعويض التفرغ الإضافي.

الجامعة أحالت الدكتور الجامعي إلى التحقيق معه، وذلك بعد الضجة الكبيرة التي أُثيرت مؤخرا ونُشرت عدّة مقاطع بحقه ما اقتضى اتخاذ هذا الإجراء، لاسيما أن المسألة باتت قضية رأي عام، بحسب صحيفة “الوطن” المحلية.

روّاد مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا فيديو يظهر محادثة كتابية بين الأستاذ و إحدى طالباته تظهر استعماله “لألفاظ وتلميحات جنسية”، أي أنه كان يتحرش بالطالبة بطريقة غير مباشرة.

حوادث متكررة

هذه ليست المرة الأولى خلال العام الجاري التي يتمّ فيها إيقاف أستاذ جامعي في دمشق. ففي حزيران/يونيو الفائت، صدر قرار مشابه بحق أستاذ جامعي بكلية العلوم في جامعة دمشق لذات السبب، حيث تم تداول فيديو له تضمن أحاديث جنسية، قبل أن تُصدر الجامعة قرارها بطرده.

حيث كشف مصدر مسؤول في جامعة دمشق آنذاك، عن صدور قرار من مجلس التأديب بفرض عقوبة الطرد بحق عضو هيئة تدريسية في كلية العلوم بالجامعة لارتكابه مخالفات جسيمة تخلّ بسمعة الجامعة وتؤثر في مكانتها العلمية.

جاء القرار بعد ضجة كبيرة أُثيرت مؤخرا بحق أحد أعضاء الهيئة التدريسية في كلية العلوم، في حين تواردت أنباء عن أن الأستاذ الجامعي أصبح خارج البلاد، بالتزامن مع انتشار الموضوع، بحسب تقارير محلية.

الجامعة قامت بنهاية العام الماضي باتخاذ عقوبة النقل التأديبي إلى خارج الجامعة بحق أستاذين جامعيين، وذلك لارتكابهما مخالفات تمسّ العملية التدريسية و الامتحانية وقانون تنظيم الجامعات. وكثُرت خلال العامين الماضيين مثل تلك الحوادث، والتي غالبا ما تبدأ بتسريب فيديو بين الأستاذ الجامعي وإحدى الطالبات. ما يؤدي لإحداث ضجة عبر السوشيال ميديا، ثم تخرج الجامعة لتحقق بالأمر وتصدر قرارها بناءً على التحقيقات، وفق موقع “سناك سوري” مؤخرا.

يبدو أن تأثير منصات التواصل الاجتماعي على مثل هذه الحوادث أكثر جدوى من شكاوى الطلبة ضد تجاوزات المدرسين، خاصة وأن حوادث التحرش، لا تجرؤ معظم الطالبات على اتهام أي أستاذ جامعي. لكن يبدو أن انتشار المقاطع وتأثيرها ساهم بزيادة الوعي لديهنّ، للشكوى وفضح المتحرشين.

جامعة دمشق أصدرت منذ بداية عام 2022 وحتى اليوم، قرارات بإحالة 17 عضوا ضمن الهيئة التعليمية إلى مجلس التأديب. بينما بلغ عددهم منذ بداية الأزمة عام 2011 وحتى اليوم نحو 40 أستاذا جامعيا جراء ارتكابهم مخالفات. لم يفصح المصدر عن ماهيتها.

لم يكن وضع الجامعات السورية قبل عام 2011 أفضل، مقارنة بالوقت الحاضر، حيث كانت الجامعات تعاني من نوع من الفساد والتجاوزات بشكل كبير، من تلقّي الرشاوى إلى الابتزاز الجنسي للطالبات، سواء من قِبل الكوادر التعليمية، أو من قِبل أصحاب النفوذ وخاصة مسؤولي المؤسسات العسكرية من الضباط والعمداء في إطار تقديم الخدمات، والتسهيلات لطلبة الجامعات مقابل خدمات جنسية، أو مادية أو ما شابه.

بطبيعة الحال يعود كل ذلك إلى المنظومة الفاسدة بالدرجة الأولى في سدّة الحكم بدمشق، التي أعطت اليد العليا للمؤسسات العسكرية ومسؤولي “حزب البعث العربي الاشتراكي”، على التّحكم وفرض السُّلطة على جميع مفاصل المؤسسات الحكومية وحتى القطاع الخاص إن صحّ القول.

سوء إدارة المنظومة التعليمية

من جانبهم ألقى المتابعون باللوم على سوء إدارة العملية التعليمية من قبل “وزارة التعليم العالي” بسوريا،  فكتب أحدهم “هاد يلي بيصير لما تجيبوا دكاترة خريجة اليوم وفي دكاترة مقدرين وكبار بس ما يرضوا يدرسوا براتب 300 ألف بالشهر.. والله شايفلكن كل دكاترة الجامعات رح ينحالو عمجالس التأديب، تلت رباع جامعات القطر هيك من حماة لحلب لدمشق لتشرين للفرات مليان هيك نماذج حتى الجامعات الخاصة”.

في سياق متّصل، أشار تقرير لصحيفة “البعث” المحلية، نُشر مؤخرا، أن واقع الحال هو أن الجامعات السورية رغم عمرها الطويل لم تنجح حتى اليوم في ممارسة دورها الحقيقي في المجتمع كما ينبغي وبقي شعارها الرنان “ربط الجامعة بالمجتمع” مجرد كلام يُعاد في كل مناسبة.

التقرير المحلي أوضح أن الجامعات السورية تحولت إلى مخازن كبيرة لتكديس العاطلين عن العمل، فاليوم هناك عشرات الآلاف من الخريجين الجامعيين عاطلين عن العمل، والسبب ليس في انكماش فرص التوظيف. بل في نوعية الشهادة الجامعية التي لم تعد تناسب حاجات ومتطلبات سوق العمل، والسبب في المناهج والمقررات الجامعية التي ما زالت تجتر معلومات عمرها عقود من الزمن.

الجامعات السورية تعاني بشكل متكرر من مشاكل عدة، منها تظلّم الطلبة في الامتحانات بسبب الأسئلة الصعبة، إلى جانب الفساد والتجاوزات بحق البعض، سواء من قبل الكوادر التعليمية أو مسؤولي الجامعات.

خلال السنوات الثلاث الماضية انتشرت العديد من الفضائح حول الجامعات السورية، وهي تدل على مدى انتشار الفساد في النظام التعليمي عامة، ولعل أبرزها الفيديو الذي خرج من جامعة “البعث” خلال الصيف الماضي، والذي أثار جدلا واستياء واسعا في الأوساط السورية، وكذلك وُلّد تخوفات جمّة لدى العديد من العائلات السورية حول مستقبل بناتهم في المؤسسات التعليمية هذه بعد هكذا فضائح.

الفيديو المسرّب من جامعة “البعث”، بمحافظة حمص، يوثّق واقعة ابتزاز جنسي من قبل دكتور جامعي، لإحدى الطالبات بالصوت والصورة. الوضع التعليمي في المؤسسات التعليمية تدهور بشكل كبير، إلى جانب سوء وضع الخدمات في الجامعات السورية، على الرغم من أن الحكومة السورية تخصص للجامعات سنويا مليارات الليرات السورية، إلا أن الطلاب ما زالوا يعانون من أزمات جمّة.

يبدو أن نظام التعليم العالي في البلاد بات في مستويات منخفضة جدا، في حين تكافح الجامعات السورية من أجل البقاء فقط وليس تقديم تعليمٍ يرتقي لمستوى التعليم الجامعي أو ما شابه، بحسب أكاديميين وخبراء سوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات