رحلات زفاف الأغنياء هي ظاهرة نادرة وجديدة في عالم السياحة داخل سوريا، حيث تتمثل في استقبال مطار دمشق لعدد من الأشخاص يرتبطون بشركات تنظيم الزواج، تحت خانة الرحلات السياحية، ما يمثل نوعا جديدا من سياحة الأثرياء.

هذه الرحلات تنظمها عدد من الشركات السياحية الكبرى، التي ظهرت مؤخرا وتروج لسوريا كمقصد لسياحة الزفاف وحفلات الأفراح والمناسبات، وتوفر للعرسان والضيوف خدمات فخمة ومتنوعة، مثل الإقامة في فنادق خمس نجوم، والتنقل بسيارات فارهة، والزيارة للمعالم التاريخية والثقافية، والتسوق في الأسواق والمولات، والتمتع بالطبيعة والجو المعتدل.

نوع جديد من السياحة؟

هذا التطور السياحي الجديد في سوريا والذي رصده “الحل نت”، يعكس تحولا ملحوظا في صورة البلاد كوجهة سياحية؛ فمنذ سنوات عديدة كانت سوريا تشهد تداعيات النزاعات والأزمات السياسية، مما أثر بشكل كبير على صناعة السياحة في البلاد، ومع ذلك يبدو أن هذا التطور الجديد دلالة إلى تحول في القطاع السياحي من استهداف جميع الطبقات إلى توجيه النظر نحو طبقة واحدة فقط.

هذه الرحلات بحسب ما حصل عليه “الحل نت” من مصدر داخل إحدى الشركات التي تتخذ من دمشق مقر لها، تستهدف عادة أشخاص من دول عربية أو أجنبية غنية، مثل دول الخليج أو روسيا أو تركيا أو إيران، الذين يبحثون عن تجربة مختلفة ومميزة لزفافهم، والذين يرغبون في تجربة شكل جديد من الزفاف في الدول المنهارة مثل سوريا.

طبقا للمصدر هذه الرحلات تشكل دخلا مهما لبعض الشركات التي يملكها رؤوس أموال ينشطون في السوق السورية، لا سيما بعد إحكام الأزمة الاقتصادية عليهم بسبب العقوبات والفساد؛ فهذه الرحلات تساهم في إحياء قطاع السياحة والخدمات المرتبط بهم بشكل حصري.

ظاهريا تجلب حفلات الزفاف والأفراح الفاخرة للأثرياء إلى سوريا لمسة جديدة من الحيوية والازدهار، حيث يتم اختيار سوريا كوجهة لهذا النوع من الفعاليات الاجتماعية بسبب تراثها الثقافي الغني وجمالها الطبيعي الخلاب، لكن بشكل مخفي يتم توفير أمن القادمين والبنية التحتية والخدمات اللازمة لاستضافة هذه الحفلات الضخمة عبر شركات مرتبطة بالسلطة الحاكمة.

هل ينتهي عصر العرس التقليدي؟ 

منذ عام 2018، شهدت حفلات الزفاف في سوريا نوعا جديدا على غير العادات والتقاليد الشعبية، حيث بدأت بعض الشركات في استنساخ التقاليد الغربية، عبر تنظيم حفلات الزواج، وطرح مجموعة من أماكن حفلات الزواج وإنشائها من الصفر، واقتراح أسماء معروفة من أجل تسريحة الشعر ومكياج العروس وفستان الزفاف، فضلا عن الأزهار والديكور والمغني والتصوير والفيديو.

أشهر هذه الحفلات كانت لما سمي بـ “العرس الأسطوري” الذي أقيم في مجمع “أفاميا” السياحي على شواطئ اللاذقية، لرجل الأعمال السوري هاني مخلوف رئيس مجلس إدارة شركة “الهاني” المنتجة للأعمال الدرامية وعروسته زينب صقر، حيث ذكرت الشركة المنظمة للحفل، أن فستان الزفاف صممته السورية ناهد منى، والأزهار والديكور صممت من قبل شركة “أزهار مسايا”، والإضاءة والصوت كانت عبر شركة “شادي حنا ايفينتس”، بتكلفة قدرت بـ2 مليون دولار.

في البلد الذي يعيش أكثر من 60 بالمئة منه خارج سيطرة الدولة، فيما يعيش 90 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر، حفلات الزفاف الأسطورية كانت بوابة لجذب أنظار الأغنياء في الخارج، خصوصا أن هناك 8 حفلات زواج تتالت بعد عرس رجل الأعمال مخلوف، وجميعها كانت من تنظيم شركات تتبع لأقاربه.

طبقا لما حصل عليه “الحل نت”، فإن الشركات المنظمة تستهدف ببرامجها الطبقة الغنية في الدول العربية، وبعض المقتدرين السوريين في دول أوروبا، وتعنونها بـ”تجربة فريدة داخل دولة ما تزال الحرب فيها”، وأيضا تضع برنامج أمان للقادمين من خارج سوريا، عبر مرافقة أمنية من قبل شركة “الدرع” للحراسات الأمنية في اللاذقية، والتي تعود ملكيتها لرجل الأعمال سامر الفوز، وشركة “شروق للحماية والحراسات” التي يملكها، ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، بشار الأسد.

من وراء هذه الشركات؟

حسب حديث أحد المصادر، فإن هذه الشركات غالبا ما تعود أصولها لرجال أعمال متنفذين، أو أشخاص على علاقة مباشرة مع رجال أعمال خليجيين كما يحدث مع شركة “إلياس عيسى”، التي تنظم حفلات الزواج مؤخرا، وتخصصت في تقدم أغلى الحفلات داخل سوريا.

ملكية الشركة بحسب البحث الذي أجراه “الحل نت” عبر المصادر المفتوحة، تعود لشخص يدعى إلياس عيسى، منحدر من سوريا، لكن يقيم في الإمارات منذ 11 عام، وما يزال يعمل في شركة “سفن بروداكشن”، ويعرف عن نفسه أنه منسق لعمليات الإنتاج، ومدير قسم التلفزيون والتصوير والإضاءة والاستوديو والبث المباشر.

بحسب المصدر، فإن عيسى على علاقة بالمتنفذين في السلطة السورية، وأبرزهم مجموعة من رجال الأعمال والمقربين من الرئيس بشار الأسد وعائلته، الذين يستفيدون من صفقات وامتيازات تمنحها لهم الحكومة، ويسيطرون على قطاعات حيوية في الاقتصاد السوري، مثل الاتصالات والبترول والإعلام والإنشاءات والتجارة.

المتنفذون في السلطة السورية يشكلون نخبة اقتصادية تستحوذ على أكبر نصيب من ثروة البلاد، وتستغل حالة الحرب والفوضى لزيادة ثرواتها ونفوذها، وتستخدم قوتها المالية لشراء التأييد والولاء للحكومة، وتقمع أي معارضة أو منافسة، ويتهمون بأنهم يعرقلون أي حل سياسي أو إصلاح اقتصادي.

من الجدير بالذكر، أنه وسط تزايد أسباب عزوف الشباب عن النظر في فكرة مؤسسة الزواج لارتفاع تكاليفها، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، أمس الثلاثاء، قرارين يقضيان بمنح العسكريين والمتطوعين في صفوف قواته المسلحة مكافآت مالية في حال الزواج وانتهاء عقد التطوع العسكري.

إلا أن هذه المكافآت وُصفت بـ”الهزيلة” ولقيت انتقادات وسخرية واسعة من قِبل الشارع السوري على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبروا قيمة هذه المِنح ضعيفة وتكاد تساوي تكلفة درجٍ واحد من غرفة النوم، أي أنها غير كافية سوى لتغطية 5 بالمئة من مستلزمات الزواج.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات