خلال هذه الفترات يبدأ تجار الحطب في سوريا بعملية شراء أكبر كمية ممكنة من الحطب، من أجل بيعه للناس في فصل الشتاء البارد، الذين غالبا ما تلجأ نسبة كبيرة منهم إلى شراء الحطب بدلا من مازوت التدفئة، نتيجة عدم كفاية الكميات التي توزعها الحكومة على المواطنين من جهة، وارتفاع أسعار المحروقات بين الحين والآخر، وبالتالي يصبح الحطب الوسيلة الأفضل التي يختارها السوريون، وسط الأزمات المتلاحقة التي يعيشونها.

تزايدت في الآونة الأخيرة ظاهرة الاحتطاب الجائر في الغابات والحراج للأشجار على المسطحات الخضراء والغابات في كافة المحافظات السورية ولا سيما الساحل السوري، الأمر الذي دفع نسبة كبيرة من سكان تلك المناطق إلى تقديم شكاوى للجهات الحكومية، نتيجة تضررهم جراء استمرار هذه الظاهرة كل عام ودون أي حسيب أو رقيب.

المازوت والحطب

خلال الشهر الماضي، شهدت الأرياف الساحلية ازدحاما بالسيارات الجوالة لشراء الأحطاب التي قضى المواطنون الصيف بتجميعها من الغابات لدرء برد الشتاء تارة، ولبيع ما يتبقى بأسعار وضع لها التجار بورصة حقيقية تبدأ بمليوني ليرة للطن وتنتهي بثلاثة ملايين بحسب نوع الحطب.

يأتي ذلك وسط عدم قدرة الضابطة الحراجية على ضبط هذه الظاهرة رغم الإجراءات الكبيرة التي تتخذها كل عام، وفق ما أكده علي ثابت مستشار “وزارة الزراعة السورية” لشؤون الحراج، لصحيفة “البعث” المحلية يوم أمس الثلاثاء.

ثابت أشار إلى أن إجراءات هذا العام لم تختلف عن الأعوام الماضية، عدا عن العمل الحالي لتعديل بعض المواد الموجودة بالتعليمات التنفيذية التي تخص نقل الأحطاب بين المحافظات وضمن المحافظة الواحدة بغرض ضبط العملية الحراجية ومعرفة مصدر الأحطاب، إضافة إلى ضبط عمليات التهريب من وإلى الدول المجاورة.

ثابت، اكتفى بالقول إن مخالفات القطع والتهريب يتم ضبطها من قبل عناصر الضبط الحراجي ومصادرتها وحجزها في المديرية ومصادرة الحمولة لكل آلية لا تحمل رخصة نظامية، لافتا إلى أن العناصر التابعة للوزارة لا تكفي وسط ازدياد هذه الظاهرة، وأن عدد الضبوط الحراجية العام الماضي كان 2916 ضبطا، في حين وصل عدد الضبوط لهذا العام إلى 2302 ضبط، أي أن هذه التجارة سارية وليس هناك تشدد حكومي حقيقي حول ذلك.

المسؤول في “وزارة الزراعة” أوضح أن سعر طن الحطب بحسب تسعيرة الوزارة 500 ألف ليرة، وهذه الأحطاب هي عبارة عن نواتج أعمال الحراج حسب خطة عملها تخفيف الكتلة الحيوية وتفريغ الكثافة الحراجية، إلا أن هذه الكميات لا تغطي حاجة الاستهلاك المحلي، إذ تلبي نحو 5 بالمئة من الاحتياج السكاني ولاسيما مع شحّ المحروقات وصعوبة تأمينها في فصل الشتاء.

ازدياد ظاهرة التحطيب

في المقابل، نوّه ثاب إلى أن عمليات التحطيب الجائر تتم خلال الليل، وخاصّة مع استخدام اللصوص الأسلحة في بعض الأحيان لترهيب القائمين على حماية المناطق الحراجية، وبالتالي فإن عملية الضبط والقمع لهؤلاء الأشخاص بالغة الصعوبة، إلا أن الضابطة تعمل قدر المستطاع ضمن الإمكانيات المتاحة.

إزاء تصاعد ظاهرة التحطيب، اشتكى عدد من أهالي ريف جبلة بمحافظة اللاذقية منها، وقال أحد المشتكين، “تتم حلاقة جبالنا عالصفر تحت مرأى الجميع، وأصبحت الحراج عارية، حيث تقوم آليات وسيارات بيك أب ودراجات نارية بنقل الحطب المقطوع يومياً و بالأطنان”.

طبقا للمشتكي في حديثه لــ”تلفزيون الخبر” المحلي مؤخرا، يتم هذا العمل “على عينك يا تاجر وبمعرفة الجهات المحلية من عناصر الحراج والمخاتير ومجالس البلدية في القرى التابعة لنواحي بيت ياشوط وعين الشرقية وحبة عاة وحلبكو ومتور”. في حين أضاف أحد سكان المنطقة “، إضافة إلى ذلك انتشرت ظاهرة أخرى مشابهة وهي قطع أشجار الغار بعد جمع أوراقه المرخص أصولا، ما أثر على الغطاء النباتي الموجود في المنطقة”.

اللافت في الأمر، أن ظاهرة التحطيب الجائر تنتشر بشكل واسع في أرياف المحافظات السورية ولا تقتصر على المناطق الحراجية بكل ما تحتويه من أشجار السنديان والبلوط، بل تصل الممتلكات الخاصة من أشجار الزيتون والليمون.

شحّ المازوت

في غضون ذلك، عبّر العديد من أهالي محافظة حمص، عن تخوفهم من عدم حصولهم على مخصصاتهم من مادة مازوت التدفئة هذا العام، ولاسيما أن الكثير منهم لم يحصل على أي لتر مازوت في العام الماضي.

الأهالي لفتوا إلى أن سعر غالون المازوت بسعة 20 لتر حاليا وقبل قدوم فصل الشتاء وموسم البرد يسجل في السوق السوداء أكثر من 300 ألف ليرة سورية، أي أن سعر اللتر يعادل ما يزيد على 15 ألف ليرة سورية، متسائلين إلى أي سعر سيصل إليه غالون المازوت بالسوداء خلال موسم البرد.

من جانبه، أوضح عضو المكتب التنفيذي لقطاع التجارة الداخلية في مجلس محافظة حمص عمار داغستاني، لصحيفة “الوطن” المحلية مؤخرا، أن عمليات توزيع الدفعة الأولى بالدورة الجديدة من مازوت التدفئة قد بدأت منذ النصف الثاني من شهر أيلول/سبتمبر الجاري، بواقع كمية 50 لترا لكل بطاقة إلكترونية.

الأولوية في التوزيع ستكون من نصيب المناطق الريفية الأشد برودة والتي تشهد انخفاضا بدرجات الحرارة في الشتاء، إضافة إلى مَن لم يحصل على الدفعة الثانية خلال العام الماضي، وفق داغستاني.

خطة توزيع العام الماضي كانت مخجلة، لأن نسبة كبيرة من الأُسر لم تستلم مخصصاتها البالغة خمسين لترا إلا بعد انتهاء فصل الشتاء، فيما بقيت 10 بالمئة من الأُسر السورية خارج قدرة الموزّعين، وفق تقارير محلية سابقة.

مصادر محلية مختلفة قالت خلاف ذلك، حيث أشارت إلى أن أكثر من 25 بالمئة من المواطنين السوريين، لم يحصلوا خلال العام الماضي على مستحقاتهم من مازوت التدفئة، واعتادوا على شراء احتياجاتهم من السوق السوداء، ما كلّفهم أعباءً اقتصادية جمّة.

ولذلك فإن أي تأخير في عملية توزيع المازوت سيجبر نسبة كبيرة من الأهالي على التخلي عن مدافئ المازوت واستخدام مواقد الحطب. كما أن نسبة كبيرة من الناس يعتمدون تلقائيا على الحطب كوسيلة للتدفئة، نظرا لأن مخصصات مازوت التدفئة غير كافية من جهة، ولعدم قدرتهم على شراء المازوت بالسعر الحر من جهة أخرى.

الحكومة السورية تقوم بتوزيع مازوت التدفئة على دفعتين، وتتكون كل دفعة من 50 لترا من المازوت، وهنا يقول المواطنون إن هذه الكمية تكفيهم فقط لمدة 3 أسابيع أو شهر واحد في حال تقنين استهلاك الأسرة للمادة.

قبل أيام وللمرة الثانية خلال أسبوعين، رفعت الحكومة أسعار المحروقات في سوريا، موضحة أن أسعار المشتقات النفطية التي صدرت تسعيرتها ليلا، تشمل المشتقات التي تبيعها الشركات الخاصة إلى القطاع الخاص، وليست أسعار الدولة للقطاعات المحددة بالقرارات السابقة.

القرار الذي صُدر عن “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية”، تم بموجبه رفع أسعار البنزين “أوكتان 95” والمازوت الحر والفيول والغاز “السائل دوكما” الموزعة للقطاع الصناعي والقطاعات الأخرى.

طبقا للقرار الجديد، أصبح سعر لتر البنزين “أوكتان 95” 14700 ليرة سورية بدلا من 13500 ليرة، ولتر المازوت الحر 12800 ليرة سورية بدلا من 11550 ليرة. فيما حددت الوزارة سعر مبيع الفيول بثمانية ملايين و532 ألف و400 ليرة سورية للطن الواحد، والغاز السائل “دوكما” بسعر عشرة ملايين و40 ألف ليرة سورية للطن الواحد.

مجموعة من المواطنين أجمعوا على أن عملية الاحتكار لبعض المواد الضرورية مثل المازوت والبنزين والغش في بعضها الآخر، وغياب الإجراءات الحكومية الصارمة التي تقطع دابر التلاعب والاحتكار في المواد التموينية والغذائية كلها عوامل تؤدي إلى ظهور السوق السوداء، وارتفاع الأسعار وابتزاز المواطنين.

بالتالي فإذا ما تمّ احتكار مادة المازوت من قِبل أصحاب محطات الوقود خلال هذا العام، وسط عدم جدوى دوريات الرقابة الحكومية، فإن ذلك يهدد بأزمة مازوت جديدة مع قدوم فصل الشتاء في الثلاثة أشهر القادمة، وبالتالي ستضطر نسبة كبيرة من المواطنين إلى البحث عن بدائل، منها شراء الحطب للسخانات التي تعمل بالمازوت، والغاز، والكهرباء، نظرا لأنه ليس بمقدور الجميع شراء مازوت التدفئة بالسعر الحر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات