مع اقتراب فصل الخريف، لم تحدد الحكومة السورية حتى الآن موعدا لتوزيع مازوت التدفئة على المواطنين السوريين، الأمر الذي يثير قلق السوريين في الداخل حول كيفية تأمين مستلزماتهم من التدفئة الشتوية، وخاصة سكان المناطق الجبلية، حيث تميل درجات الحرارة إلى الانخفاض في وقت أبكر من المناطق الأخرى.

ثمة عدة تساؤلات تُثار بسبب تأخير إطلاق خطة توزيع هذه المادة الأساسية في كل فصل شتاء. إحداها، إذا ما كان لدى الحكومة نيّة برفع الدعم عن المشتقات النفطية مثلما سيتم رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية خلال الأيام القادمة، أم أن هناك أسباب أخرى وراء هذا التأخير مثل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية مرة أخرى نتيجة عدم الاستقرار الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية.

مازوت التدفئة

نحو ذلك، تساءل موقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الثلاثاء عبر تقرير له عما إذا آن الأوان لتذكير الجهات المعنية بتأمين وتوزيع مازوت التدفئة، أم أن الوقت لا زال مبكرا، فيما يقول آخرون القضية لا تتعلق بالتبكير أو التأخير، وإنما “الأعمال بالنيات” مثلما يقولون، والمواطن لم يعد يثق بهذه النوايا الحكومية، استنادا إلى التجارب السابقة في الأعوام الماضية.

ارتقاع أسعار المشتقات النفطية بسوريا- “إنترنت”

الأرقام التي توردها شركة “محروقات” تشير إلى أن نسبة توزيع المادة وصلت في الموسم الماضي إلى تسعين بالمئة حين تم الإعلان عن توقف عمليات التوزيع قبل شهرين وعندما كانت أشعة الشمس تحرق ذيل العصفور، أما الآن وقد أصبحت سوريا على أبواب الخريف فيما يستعد سكان الجبال لاستقبال موسم البرد وانخفاض درجات الحرارة، وبالتالي يجب أن تبدأ شركة “محروقات” بتوزيع المادة وفق برنامج محدد يأخذ بعين الاعتبار تحذيرات خبراء الأرصاد الجوية من شتاء بارد جدا قياسا بالسنوات السابقة.

إضافة إلى ذلك يجب أن يتم الانتهاء من توزيع الدفعة الأولى من المخصصات قبل شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل، حيث لا تستطيع الأُسر تحمّل ليالي البرد في معظم مناطق سوريا، مع الأمل بأن تكون المخصصات أكبر من السنوات السابقة، وذلك لسببين؛ الأول لأن فصل الشتاء سيكون قاسيا، بحسب الأرصاد الجوية.

أما السبب الثاني، هو لأن سعر المازوت الحر في السوق السوداء أصبح فوق قدرات الناس المادية ولأن عجز الموازنة يتراجع بعد أن رفعت الحكومة أسعار المشتقات النفطية، مؤخرا.

كل المعطيات والمؤشرات حتى الآن تشير إلى أن الحكومة يبدو أنها سترفع من أسعار المشتقات النفطية مرات عدة قبل قدوم فصل الشتاء، وذلك لتدهور قيمة الليرة السورية يوما بعد الآخر. وليس من المستغرب أن تقوم الحكومة السورية برفع الدعم عن المشتقات النفطية.

تدعيما لهذه الفرضية، فقد صرّح عضو مجلس الشعب السوري صفوان قربي، في السابع من آب/أغسطس الجاري، أنه بعد اجتماعات اللجنة المؤلفة من مجلس الشعب السوري والحكومة، ستكون سوريا خلال الليالي القادمة أمام خطوات وقرارات حكومية جديدة فيما يخص الدعم، على صعيد رفعه عن المحروقات وتحرير أسعاره، إلى جانب سلسلة من القرارات التدريجية التي ستصدر تباعا، بالتزامن مع زيادة للرواتب من خلال الوفرة المحققة من رفع الدعم.

كل المعطيات والمؤشرات حتى الآن تشير إلى أن الحكومة يبدو أنها سترفع من أسعار المشتقات النفطية مرات عدة قبل قدوم فصل الشتاء، أو ستقوم برفع الدعم عن المشتقات النفطية.

هذا ما يحصل بالفعل حاليا، حيث تتوارد الأنباء المحلية اليوم حول رفع الدعم عن المواد الغذائية، وبالتالي رفع الدعم عن المشتقات النفطية من البنزين والمازوت والغاز، وحتى الخبز، أمرٌ ممكن، وسط عجزٍ كبير في ميزانية الدولة وفق العديد من الخبراء، ونتيجة لذلك ستُفتتح بازارات جديدة للمازوت، وهو ما سيترك آثارا سلبية على الواقع المعيشي في سوريا، وقد يولّد ذلك موجة احتجاجات شعبية أخرى.

خطة “مخجلة”

خطة توزيع العام الماضي كانت مخجلة، لأن نسبة كبيرة من الأُسر لم تستلم مخصصاتها البالغة خمسين لترا إلا بعد انتهاء فصل الشتاء، فيما بقيت 10 بالمئة من الأُسر السورية خارج قدرة الموزّعين، حسب تقرير الموقع المحلي.

لكن مصادر محلية مختلفة قالت خلاف ذلك، حيث أشارت إلى أن أكثر من 25 بالمئة من المواطنين السوريين، لم يحصلوا خلال العام الماضي على مستحقاتهم من مازوت التدفئة، واعتادوا على شراء احتياجاتهم من السوق السوداء، ما كلّفهم أعباءً اقتصادية جمّة.

اليوم، يأمل المواطن بتسلّم الدفعة الأولى من مازوت التدفئة في القريب العاجل، وأن يتم العمل لتأمين دفعة ثانية تقيه برد الشتاء حيث لم يعد معظم الناس قادرين على شراء الحطب، بعد أن تجاوز سعر الطن المليوني ليرة سورية أي ما يعادل راتب الموظف السنوي تقريبا.

أما الذين لم يستلموا مخصصاتهم الموسم الماضي فمن المفترض أن يستلموها مع الدفعة الأولى لهذا الموسم، ومن حقّهم أيضا أن يسددوا ثمنها وفق أسعار العام الفائت أسوة بمن استلمها قبل ارتفاع الأسعار الأخير لأن تلك المخصصات تم لحظتها في الموازنة بسعر 500  ليرة سورية للتر الواحد، وعلى اعتبار أن الجهة الموزعة تتحمل المسؤولية فإن عليها الاعتذار عن العطل والضرر من المواطن الذي دفع ثمن تقصيرهم بردا ومرضا، بجانب تكبّدهم تكاليف مادية كبيرة.

الحكومة السورية تقوم بتوزيع مازوت التدفئة على دفعتين، وتتكون كل دفعة من 50 لترا من المازوت، وهنا يقول المواطنون إن هذه الكمية تكفيهم فقط لمدة 3 أسابيع أو شهر واحد في حال تقنين استهلاك الأسرة للمادة. وفي بقية فترات الشتاء يشترون المازوت من السوق السوداء، وهو ما يكلّفهم أعباء مالية كبيرة.

في خضم ذلك، هناك مخاوف لدى المواطنين من قيام الحكومة برفع أسعار المشتقات النفطية أو رفع الدعم عنها، الأمر الذي سيزيد من فقرهم، علما أن معظمهم اليوم يمررون حياتهم المعيشية اليومية بشق الأنفس، حيث يعملون في وظيفتين، إضافة إلى التحويلات الخارجية التي تأتيهم من أقاربهم وأبنائهم في الخارج، كجزء من مساعدتهم في ظل الأوضاع المعيشية السيئة في سوريا.

بازارات جديدة لبيع المازوت

في وقت تتزايد فيه أسعار البنزين بشكل غير مسبوق، بالإضافة إلى تهريبه إلى السوق السوداء وندرته في محطات الوقود، يبدو أن هذا ساهم بشكل كبير في تعزيز احتكار المازوت وخلق بورصات وأسواق جديدة للمادة ليتم بيعها بأعلى سعر ممكن من قبل أولئك الذين يتحكمون بها. وبالتالي فإن هذه الارتفاعات “الجنونية” تنذر بزيادة أسعارها وانقطاعها كما حدث مع سلعة البنزين، وبالتالي يصعب على المواطن الحصول على المازوت الشتوي “دفء الشتاء” الذي يحصل عليه المواطن في الأساس بشق الأنفس.

قبل يومين وللمرة الثانية خلال أسبوعين، رفعت الحكومة أسعار المحروقات في سوريا، موضحة أن أسعار المشتقات النفطية التي صدرت تسعيرتها ليلا، تشمل المشتقات التي تبيعها الشركات الخاصة إلى القطاع الخاص، وليست أسعار الدولة للقطاعات المحددة بالقرارات السابقة.

القرار الذي صُدر عن “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية”، تم بموجبه رفع أسعار البنزين “أوكتان 95” والمازوت الحر والفيول والغاز “السائل دوكما” الموزعة للقطاع الصناعي والقطاعات الأخرى.

طبقا للقرار الجديد، أصبح سعر لتر البنزين “أوكتان 95” 14700 ليرة سورية بدلا من 13500، ولتر المازوت الحر 12800 ليرة بدلا من 11550. فيما حددت الوزارة سعر مبيع الفيول بثمانية ملايين و532 ألف و400 ليرة سورية للطن الواحد، والغاز السائل دوكما بسعر عشرة ملايين و40 ألف ليرة سورية للطن الواحد.

للمرة الثانية وخلال أسبوعين فقط، رفعت الحكومة السورية أسعار المحروقات في سوريا، وهو ما سيترب عليه آثارا سلبية عديدة على اقتصاد البلاد ككل.

في سياق متّصل، أشار تقرير لصحيفة “البعث” المحلية، مؤخرا إنه من المستغرب في هذه الأيام اللاهبة أن يرتفع سعر المازوت بشكل جنوني قبل البدء بفصل الشتاء، وخاصة مع دخوله مبكرا في منافسات السوق السوداء التي تعني بكلمة مختصرة الاختلال بين العرض والطلب، بين حاجة السوق الفعلية وندرة المادة، بهدف رفع الأسعار واستغلال حاجة المواطن المستهلك ضمن منظومة احتكار بعض المواد وحجبها وعدم توزيعها توزيعا عادلا.

هذا الأمر يؤدي إلى إدخال الكثير من المواد التي تفوق وفرتها حاجة المستهلك أو توازيها، على أقل تقدير، إلى السوق السوداء، وهذه المواد كثيرة، وفي مقدمتها المازوت والغاز المنزلي، هاتان المادتان اللتان تعدّان عصب الحياة للمواطنين في كل ساعة ويوم وحين.

احتكار هذه المواد يؤدي إلى اختلاق الأزمات والمشكلات وظهور السوق السوداء التي يدفع ضريبتها في نهاية المطاف المواطن السوري المحتاج، ويهدف احتكار هذه المواد إلى التحكم بأسعارها وابتزاز المواطنين المستهلكين، في ظل غياب الرقابة الحكومية، إن لم يكن تقاعس للجهات المعنية مع أصحاب المحطات من أجل تقاسم الأرباح.

خاصة وأن المزوّد الرئيسي لهذه المحطات هو الحكومة، وبالتالي كيف تصل هذه الكميات الكبيرة من الوقود إلى السوق السوداء، وهي غير متوفرة في المحطات بأسعار مدعومة. في الواقع هذا تساؤلٌ يجب على المسؤولين الإجابة عليه بكل شفافية ووضوح.

مجموعة من المواطنين أجمعوا على أن عملية الاحتكار لبعض المواد الضرورية مثل المازوت والبنزين والغش في بعضها الآخر، وغياب الإجراءات الحكومية الصارمة التي تقطع دابر التلاعب والاحتكار في المواد التموينية والغذائية كلها عوامل تؤدي إلى ظهور السوق السوداء، وارتفاع الأسعار وابتزاز المواطنين.

بالتالي فإذا ما تمّ احتكار مادة المازوت من قِبل أصحاب محطات الوقود خلال هذا العام، وسط عدم جدوى دوريات الرقابة الحكومية، فإن ذلك يهدد بأزمة مازوت جديدة مع قدوم فصل الشتاء في الثلاثة أشهر القادمة، وبالتالي ستضطر نسبة كبيرة من المواطنين إلى البحث عن بدائل، منها شراء الحطب للسخانات التي تعمل بالمازوت، والغاز، والكهرباء، نظرا لأنه ليس بمقدور الجميع شراء مازوت التدفئة من السوق السوداء.

إذا ما تمّ احتكار مادة المازوت من قِبل أصحاب محطات الوقود خلال هذا العام، وسط عدم جدوى دوريات الرقابة الحكومية، فإن ذلك يهدد بأزمة مازوت جديدة مع قدوم فصل الشتاء.

المشكلة لا تنتهي هنا، فمع اقتراب فصل الشتاء وندرة المازوت، تتنامى تجارة الحطب مع بحث بعض السوريين عن وسائل تدفئة بديلة قبل حلول الأشهر الباردة، ويصل الطن الواحد من الحطب لأكثر من مليوني ليرة  سورية، في حين أن الطن يكلف ما بين مليون، و750 ألف ليرة، في المحافظات التي تكثر فيها الأحراج مثل منطقة حماة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات