على وقع الجهود التي تبذلها أطراف أممية وإقليمية للتوصل لاتفاق شامل في اليمن، ينهي حالة الحرب القائمة منذ العام 2014؛ يكثّف “الحوثيون” هجماتهم العدائية في الوقت الذي يخوضون فيه مفاوضات سياسية للتوصل لاتفاق لوقف القتال، بما يفتح باب السؤال حول ما إذا كان ذلك يمثل محاولة للضغط على الأطراف المفاوضة، أم يكشف النوايا الحقيقية للجماعة المدعومة من إيران، بخاصة أن مثل هذه الممارسات لا شك أن لها تداعيات على مسار السلام.
فبينما أنهت الجماعة الأسبوع الماضي، جولة مفاوضات استثنائية مع السعودية، حيث زار للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، وفد “حوثي” الرياض، وعلى الرغم من وصف أحد أعضاء مكتبهم السياسي المفاوضات بالـ “جدّية والإيجابية”؛ عادت الجماعة لتشعل التوتر مجددا مع أطراف أعضاء التحالف العربي الذي تقوده الرياض، بعد أن استهدفت بطائرة مسيرة من دون طيار، مواقع تابعة للتحالف، أدّى لمقتل وإصابة عدد من الأفراد.
بالتالي، فإن مثل هذه “الأعمال العدائية والاستفزازية المتكررة”، بحسب ما وصفها العميد الركن تركي المالكي، المتحدث الرسمي باسم التحالف العربي، لا تنسجم مع الجهود الإيجابية التي يتم بذلها سعيا لإنهاء الأزمة والوصول لحل سياسي شامل، مؤكدا رفض قيادة التحالف الاستفزازات المتكررة، واحتفاظها بحق الرّد في الزمان والمكان المناسبين.
“الحوثيون” يتسببون بقتلى وجرحى
ذلك جاء على إثر مقتل ضابط بحريني وجندي آخر على خلفية الهجوم، الذي شنّه “الحوثيون” بطائرات مسيرة، على مواقع للتحالف العربي عند الحدود الجنوبية للسعودية، بحسب بيان لقوة دفاع البحرين، الذي أشار إلى أن الهجوم الذي شمل استهداف محطة كهرباء ومركز شرطة بالمنطقة الحدودية؛ وقع “رغم وجود توقف للعمليات العسكرية بين أطراف الحرب في اليمن”.
كل ذلك، يأتي بينما أجرى المبعوث الأممي الخاص هانس غروندبرغ، أمس الاثنين، سلسلة لقاءات في العاصمة السعودية الرياض؛ لبحث جهود السلام المبذولة في اليمن، كما بحث مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في “مجلس الأمن” الدولي، المتمثلة بالولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين، تنسيق جهود دعم السلام في اليمن.
غروندبرغ، التقى بالسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، وفقا لموقع المكتب الأممي الخاص باليمن على شبكة الإنترنت، وخلال لقائه بالسفير السعودي، بحث المبعوث الأممي “تقدم الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بين الأطراف اليمنية حول تدابير لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، ومن ذلك دفع رواتب القطاع العام، ووقف مستدام لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، واستئناف عملية سياسية جامعة برعاية الأمم المتحدة”.
المبعوث الأممي، شدد على أن اليمن بحاجة إلى الدعم الإقليمي والدولي للمُضي قدما في طريق السلام والتنمية المستدامة، معربا عن تقديره لدعم المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان في هذا الصدد، ويأتي ذلك في الوقت الذي تتكثف منذ مدة مساعٍ إقليمية ودولية لإيجاد حلّ سياسي شامل للأزمة في اليمن، شملت زيارات لوفدين سعودي وعماني إلى صنعاء، وجولات خليجية للمبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، والأممي هانس غروندبرغ.
في هذا الصدد، أوضح الخبير في الشأن اليمني، علي الأحمدي، أن “الحوثيين” اعتادوا على سلوك المفاوضات من هذا النوع، بغية تحقيق أهدافهم، إذ يعمدون إلى شقّ مسارين متوازيين في مثل هذه القضايا.
مسارات “حوثية” لتقسيم اليمن
المسار الأول الدبلوماسي، والثاني يمثل مسار ضاغط، سواء أكان اقتصادي أو عسكري، بحسب الأحمدي، مبيّنا أن المسار الأول يستخدم لغرض التعريف بالمشاريع والمطالبات، في حين يهدف المسار الثاني إلى تحقيق أهداف تلك المشاريع عبر الضغط.
الأحمدي وفي حديث لموقع “الحل نت“، قال إن هذه الاستراتيجي ليست وليدة اللحظة، وأن العالم يعرفها ومطّلع بشكل جيد عليها، وهي جزء من مجموعة استراتيجيات تعتمدها إيران منذ العام 1979، أي منذ تشكيل الجمهورية الإيرانية الإسلامية، ولا تزال تعتمدها في مفاوضاتها وملفاتها الشائكة، مثل الملف النووي، حيث تفاوض طهران من جهة، وتعمل على زعزعة الاستقرار من جهة أخرى كوسيلة للضغط على خصومها لقبول شروطها.
لذلك، بحسب الخبير في الشأن اليمني، إن ما يفعله “الحوثيون” الذين يمثلون واحدا من أهم الأذرع الإيرانية في المنطقة، عبارة عن عملية منظمة لكسب الوقت وحصد أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية.
إذ كما يبدو أن “المشروع “الحوثي” لم يكتمل بعد، لذلك تسعى الجماعة إلى دفع العجلة بشتّى الطرق نحو تحقيق ذلك المشروع، وهو أن يتم تقسيم اليمن والتعامل مع “الحوثيين” كواقع حال، وهو ما يؤشر احتمالية كبيرة بأنهم ليسوا جادينَ في السلام خلال المرحلة الحالية”.
حاليا، يعيش اليمن في هدنة غير معلنة منذ انتهاء مدّتها الرسمية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد تجديدها لمرتين منذ نيسان/أبريل الماضي، لذلك فهي هدنة يمكن أن تنفجر في أي وقت، وهو ما تأمل الأطراف الدولية والإقليمية السيطرة عليها وتجاوزها بمعية جميع الأطراف المحلية والإقليمية، وذلك لأن “الحوثيين” ما زالوا يواصلون هجماتهم وانتهاكاتهم من حين لآخر، ولم يلتزموا بأي حلول يقترحها الوسطاء، أو حتى بتلك التي رحّبوا بها.
في سياق أزمة اليمن
في خضم ذلك، فإنه منذ اتفاق الصلح بين السعودية وإيران مؤخرا في آذار/مارس الماضي، كانت الرياض أول من تتحرك بدبلوماسية نشطة لإيجاد حلول للملف اليمني، دون أن تدّخر جهدا في الاستعانة بكل الأطراف المؤثرة مثل الولايات المتحدة الأميركية أو “الأمم المتحدة” أو حتى الأطراف الإقليمية التي تمتلك علاقات بأطراف الصراع، مثل سلطنة عمان.
إلا أن “الحوثيين” لا يزالون يشنّون هجمات عشوائية ضد القوات اليمنية الحكومية من هنا وهناك، على الرغم من انخراطهم مؤخرا في مفاوضات مع السعودية والمجتمع الدولي، أملا بالتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، في خطوة تندرج ضمن سياسة خفض التصعيد الإيرانية التي تنتهجها حكومة الرئيس الإيرانية إبراهيم رئيسي، وعبّر عنها أكثر من مرة، والتي أنتجت عن المصالحة التاريخية مع السعودية، بعد انقطاع علاقات البلدين منذ العام 2016.
اليمن يعاني حربا بدأت عقب سيطرة “الحوثيين” على العاصمة صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014، بإسناد من قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي قُتل في 2017 بمواجهات مع مسلحي “الحوثي”، إثر انتهاء التحالف بينهما.
فمنذ ذلك الحين بدأ النزاع في اليمن، وتصاعد في آذار/مارس 2015، في أعقاب تدخل “التحالف العربي” بقيادة السعودية، لإسناد قوات الحكومة الشرعية في مواجهة “الحوثي” المدعومة إيرانيا.
تلك الأحداث الدامية، أدت حتى نهاية 2021 بحياة 377 ألفا، وكبّدت اقتصاد اليمن خسائر تُقدّر بـ 126 مليار دولار، وفق “الأمم المتحدة”، وبات معظم سكان البلاد البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة يعتمدون على المساعدات، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.