يبدو أن أزمة الأدوية في سوريا، وتحديدا ضمن مناطق سيطرة الحكومة السورية، مستمرة ولا أفق لحلّها نهائيا، ما دامت أسبابها الحقيقية مستمرة أيضا. ونتيجة لتفاقم أزمة الدواء يوما بعد آخر، مع نقصٍ كبير في الأنواع المتوفرة في الصيدليات، فإن مؤشر الأدوية المهرّبة في ارتفاع.

بمعنى آخر، تساهم أزمة الأدوية بين الحين والآخر في تفاقم تجارة تهريب الأدوية، حيث ظهرت شبكات من التجار والسماسرة تتاجر بالأدوية وأمام أعين الحكومة السورية التي لا تحرّك ساكنا في سبيل حلّ معضلة شحّ الأدوية وتبدل أسعارها كلما تدهور سعر الصرف، أو ارتفعت أسعار المشتقات النفطية.

نقص الأدوية

نحو ذلك، أكد عضو مجلس “نقابة الصيادلة” وممثل المجلس العلمي للصناعات الدوائية في اللجنة العليا للدواء محمد نبيل القصير، أن نقص بعض الزّمر الدوائية يزيد يوما بعد يوم، بمعنى أن ثمة نقصا متزايدا، موضحا في حديث لصحيفة “الوطن” المحلية اليوم الثلاثاء، أن هناك بعض المعامل خفّفت من إنتاجها من الدواء نتيجة عدم قدرتها على تمويل المواد الأولية الداخلة في إنتاج هذه الأدوية، وهو ما يتسبب بحدوث أزمة دوائية بين الحين والآخر.

القصير كشف أن المجلس العلمي للصناعات الدوائية خاطب “وزارة الصحة السورية” حول مشكلة نقص الأدوية، مبيّنا أنه تمت المطالبة بأن تخاطب وزارة الصحة، “المصرف المركزي السوري” من أجل تسريع تمويل المواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية على المنّصة.

إلى جانب مواد التغليف التي يتم استيرادها وذلك بأن تكون من الفئة الثانية أي أن مدّة تمويلها لا تستغرق شهراـ وفق ما أشار إليه القصير.

القصير أردف أن التمويل على المنصة يستغرق شهرين إلى ثلاثة أشهر وهذه فترة طويلة ولذلك فإن هذا الأمر يؤثر على الصناعة الدوائية، مشددا على ضرورة أن يكون هناك تخفيض لهذه المدّة إلى شهر على أبعد تقدير باعتبار أن الصناعة الدوائية أولوية، ومن هذا المنطلق يجب أن يتم إدراج المواد الأولية الداخلة في صناعة الدواء ومواد التغليف من ضمن الدرجة الثانية.

أدوية مهرّبة

في المقابل، يرى القصير أن تكلفة إنتاج الأدوية بعدما أصبح تمويلها على المنصة عالية جدا، وبالتالي فإنه من الضروري أن تكون آلية تسعير الدواء وفق سعر المنصة. وحذّر القصير، أنه سيكون هناك أزمة دوائية إذا بقيت هذه المشكلة قائمة.

ممثل المجلس العلمي للصناعات الدوائية، أضاف أن بقاء هذه المشكلة يفتح الباب أمام دخول أدوية غير مضمونة الفعالية والجودة، نتيجة نقص الأدوية في السوق وهذا ما يفتح الباب أيضا لدخول أدوية مهرّبة ومزوّرة وأسعارها تكون أغلى من الأدوية المحلية، على اعتبار أنها غير مراقبة و تدخل بشكّل مهرّب إلى السوق المحلية.

من جانب آخر، لفت القصير إلى أن ارتفاع أسعار حوامل الطاقة لعب دورا كبيرا في ارتفاع تكاليف إنتاج الأدوية، حيث إن ارتفاع تكاليف حوامل الطاقة زاد من كلف الإنتاج أكثر من 35 بالمئة.

هذا وكانت “وزارة الصحة” رفعت سابقا أسعار الأدوية، بعد أن شهد السوق الدوائي فقداناً لبعض الزّمر الدوائية نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج وارتفاع سعر الصرف الرسمي. وفي ظل ذلك، تفاقمت أزمة الحليب في العديد من المحافظات السورية، حيث شهدت الصيدليات نقصاً حادا في المنتج مع ارتفاع كبير في الأسعار في حال توفره.

خلال الفترة الماضية وحتى اليوم، ثمة نقصٌ كبير وفقدان أصناف عديدة من الأدوية في عموم المحافظات السورية، وعلى إثرها قامت الصيدليات والمرضى بتقنين استهلاك الأدوية، خاصة بعد أن رفعت “وزارة الصحة” أسعار الأدوية المحلية بنسبة 50 بالمئة، تماشيا مع سعر الصرف ولحل معضلة فقدان الأدوية بحسب ادعاءات الجهات المعنية في الوزارة.

مع كل تدهور في سعر الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي، يرافقه أزمةً في توفير الدواء واستغلالا ببيع الأدوية في الصيدليات، بحجة فقدان الأدوية وتأخير التسعيرة الرسمية الجديدة، رغم توافر بعض الأدوية في المستودعات، لكنّ أصحابها يخفونها أو يبيعونها بسعر مرتفع في السوق السوداء، وبالتالي فإن عدم قدرة الحكومة على ضبط الأسعار يؤدي إلى تصاعد أزمة الأدوية في كل مرة، مصاحبة بزيادة كبيرة في السعر الجديد.

العديد من الصيدليات يتّبعون نظام تقنين بيع الأدوية بتسليم ظرف أو ظرفين لكل شخص، أو عبر رفع السعر، وسط غياب أي دور للرقابة من كل هذه الفوضى. وعن الأدوية التي ارتفعت أسعارها فعليا، فقد أجمعت عموم الصيدليات على أن جميع الفيتامينات ارتفعت بنسبة 100 بالمئة.

هذا وشملت قائمة المفقودات خلال الفترة الماضية وبعضها مستمر حتى اليوم، خافضات الضغط وأدوية الغدة لا سيما “التروكسين 50 و100”. وأدوية السكري “ألفا غليب” و”ميتاغبلتين” و”دياكولين ماكس” وأدوية الصرع “فالبرون 500″ و”فالبروات  500″ و”لاميك” ومسكّنات “برودول بلس ك” وأدوية الالتهاب “زدناد”.

حالة فقدان الأدوية وتقنينها في الصيدليات بهدف رفع سعرها تتكرر في كل مرة مع موجات الغلاء التي باتت حرفيا تهدد حياة المواطنين. بينما لا تجد “وزارة الصحة” حلّاً إلا النزول عند طلبات شركات الأدوية ورفع السعر بحجة توفير الدواء في أزمة باتت تتكرر وتزداد تعقيدا في حياة السوريين اليومية.

فوضى القطاع الطبي

وسط انهيار الليرة السورية أمام النقد الأجنبي وما صاحب ذلك من ارتفاع بأسعار الأدوية في سوريا، فإن حُمّى التلاعب بالأسعار امتدت إلى قطاع الأدوية وكأن الصيدليات أصبحت مثل سوق “الهال”، فالبعض يمتنع عن البيع حتى يستقر سعر الصرف، بينما يبيع الآخر الأدوية حسب أهوائه، مما يُثبت أن حالة من الفوضى واللامسؤولية تجتاح قطاع الأدوية في سوريا، وسط غياب الرقابة.

إزاء ذلك، أشار تقرير سابق لصحيفة “تشرين” المحلية، إلى أن الصيدليات ليست “أسواق هال” أو أسواق خضار وفواكه، بل مراكز لتقديم الأدوية للمرضى، وبالتالي لا ينبغي للصيدليات التلاعب بأسعار الأدوية. بينما يبرّر أصحاب الصيدليات أن الأدوية تأتيهم بأسعار مرتفعة من معامل الأدوية، وكذلك ارتفاع تكلفة المعيشة مع كل ارتفاع في سعر الصرف، يعطيهم ذريعة لرفع أسعارها تبعاً لذلك.

نتيجة أزمة الدواء المتكررة، ظهرت لها سوقٌ سوداء، أسوة ببقية القطاعات الصناعية السورية، فضلا عن بيع الأدوية على البسطات في الشوارع والأسواق السورية. كذلك، وبالتزامن مع ارتفاع أجور المعاينات الطبية، بات السوريون يلجؤون إلى البحث عن بدائل أرخص وأسهل للحصول على رعاية صحية مقبولة. وهنا دخلت في المشهد الأدوية التقليدية أو ما يعرف بـ”الطب العربي”، الذي كان يشكّل جزءا من التراث والثقافة السورية قبل تطور العلوم الطبية.

بالإضافة إلى توجه فئة من الناس إلى الصيدليات كحلٍّ بديل عن العيادات الطبية، بحيث يوفر عليهم التكاليف المادية، التي أصبحت همّهم الرئيسي وقلقهم الأكبر.

بعد ارتفاع تكاليف العلاج في البلاد خلال الآونة الأخيرة، حيث وصل رسم الاستشارة الطبية الواحدة إلى أكثر من 50 ألف ليرة، بالإضافة إلى تكاليف الفحوصات التي أقلّها تبلغ 100 ألف ليرة سورية، هذا عدا عن الأدوية وغيرها من المستلزمات، بات الناس يستعينون بالصيدلي بدلا من الطبيب.

على الرغم من استهانة البعض بنوع المرض الذي يعانيه، ويعتبر أن اللجوء للصيدلية هو الحل الآمن، إلا أن هذه السلوكيات تحمل مخاطر لا حصر لها، ويكون المريض هو المتضرر الأول، وهو ما أكده عدد من المرضى والأطباء والصيادلة لصحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا.

في سوريا لا يزال القطاع الطبي والصحي بشكل عام يواجه خطر الانهيار منذ سنوات، لا سيما مع استمرار أزمة الأدوية وظاهرة هجرة الأطباء إلى الخارج، بالتالي فإن انتشار أيّ “فيروس” جديد في البلاد من شأنه التسبّب بالمزيد من الصعوبات الطبية التي لا تُحمد عقباه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات