“العامود ما يزال هدفنا”، هو جل ما يمكن استخلاصه من خطاب الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، الجمعة، والذي تحول فيه من قائد لأقوى فصيل عسكري منظم تابع لإيران في لبنان والشرق الأوسط، إلى ناشط ومحلل سياسي لما يحدث في غزة.

بعد تعرض “حزب الله” اللبناني لانتقادات كثيرة واتهامات بأنه خذل الفصائل الفلسطينية، خرج الأمين العام لـ “حزب الله”، بخطاب أقل ما يسمى “رفع العتب”، خطابٌ ليس على قدر المرحلة، يتضمن في طياته انسحاب تكتيكي وتنصّل من مسؤولية “الطوفان”، لأنه وفق عبارته “لم نكن نعلم”. 

رسائل الهدنة ووقف الحرب وجهها نصرالله من “محور المقاومة” إلى الولايات المتحدة الأميركية لوقف إطلاق النار، تزامنا مع إعلان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، من إسرائيل طلب وقف إطلاق نار مؤقت، فكان له ما أراد.

التهديد والتوعد بالقصف صوبها في الاتجاه الأميركي لصرف النظر عن وجوب المواجهة المفتوحة مع إسرائيل، وشعارات إزالتها من الوجود وعدم استخدام الصواريخ إلى ما بعد بعد حيفا! 

غزة.. بعيدة عن نصرالله وخطابه

أكد الأمين العام لـ “حزب الله”، أن العمليات على الحدود هي تعبير عن تضامن حزبه مع غزة لتخفيف الضغط عنهم، على حد وصفه، لكنه في ذات الوقت ذكر أن الحزب لن يدخل بحرب شاملة وكاملة، مضيفا: “لن نغامر في حرب مع إسرائيل، وتحركاتنا ضمن حسابات مفيدة وصحيحة”.

بعد الترويج وطول الانتظار خطاب نصرالله يخذل أهل غزة! (4)
مئات الأشخاص يتجمعون لمتابعة خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، على الشاشة، في بيروت، لبنان في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023. (تصوير حسام شبارو /غيتي)

الكلام الذي تعودنا سماعه من إيران و”حزب الله” حول دخولهما الحرب ونصرتهما لغزة هو للاستهلاك لا أكثر، وهنا يظهر أن طهران مستعدة للتضحية بورقة “حماس” مقابل الاحتفاظ بـ “حزب الله”، حيث خذلت غزة من “سيد المقاومة” على الشاشات وأمام أعين العالم، فـ”حزب الله” لن يدخل الحرب الشاملة، وهذا ما قاله اليوم الأمين العام بكل وضوح. 

الترويج الإعلامي للخطاب جاء أقوى من الخطاب نفسه، والدعاية السياسية التي استبقت إطلالة أمين عام “حزب الله” كانت أشدّ من كلمة “السيد”عينها.

كلمة تم الترويج لها على أنها ستحدد مصير المنطقة فانتظرها اللبنانيون خصوما وحلفاء، كما إسرائيل والعرب والغرب، وإذ بها سرد وشرح لمعلومات سبقه إليها أهل غزة كما كل مواطن في أي بلد تتبع مسار الحرب منذ بداية عملية “طوفان الأقصى”. 

حتى ذهب الكاتب والمفكر الفلسطيني، سعيد زياد، إلى الذكر حرفيا بأن: “إسرائيل، وبعد خطاب نصرالله، باتت مطمئنة أكثر من أي وقت مضى إلى أن جبهة الشمال تحت السيطرة”.

ردود الفعل على الخطاب

تزامنًا مع خطاب نصرالله اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان والدول العربية، إلا أن من كان مستهزأ بالخطاب الركيك هي الغالبية العظمى، فأغلبية رواد مواقع “فيسبوك” وإكس” (تويتر سابقا)، انهالوا بالسخرية على ما تضمنه الخطاب.

الإعلامي فيصل القاسم، لفت خلال الخطاب، إلى أن نصرالله في خطابه يتحدث كشاهد عيان أو ناشط إعلامي، وأحياناً كمحلل سياسي، فيما قالت الإعلامية روعة أوجيه: “طيب يا ريت نختصر تحليلات، والله كلّنا كنّا عم نتابع الأخبار لحظة بلحظة من 7 أكتوبر، ما حدا ناطر الملخّص، بدنا بس نعرف أنت حتعمل ايه؟”.

فور انتهاء الخطاب أطلق جيش “حزب الله” الإلكتروني وسم “أعددنا العدة لأساطيلكم‬”، ويبدو أن هذا الوسم جاء بعد كمية الردود التي انهمرت خلال وبعد خطاب زعيم “حزب الله”، فوفقا للصحفي والكاتب اللبناني عماد الشدياق، عدم تدخل الحزب معهم في أرض المعركة سيرجع عليهم بالفائدة وليس العكس.

بحسب حديث الشدياق لـ”الحل نت”، فإن “حزب الله” 2006 ليس كما 2023، اليوم الحزب هو من يتخذ القرارات المصيرية في الداخل اللبناني، وبالتالي الموازين لم تعد كما قبل؛ فترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل واتفاق 1701، والاتفاق الإيراني- الأميركي، كل هذه التطورات الحاصلة لا تسمح اليوم لـ”حزب الله” بالدخول في حرب شاملة مع إسرائيل، مضيفا: “أنا والكثيرون مثلي نصرح ونقول لا نريد حربا مع إسرائيل على الرغم من تضامننا واحترامنا لتضحيات غزة و الشعب الفلسطيني”. 

خطاب “حزب الله” عكس التوقعات! 

في حديثه لـ”الحل نت”، يشير الباحث المشارك في “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية” (أفايب)، مصطفى النعيمي، إلى أن كلمة زعيم “حزب الله” اللبناني”، تندرج ضمن رسائل خفض التصعيد ونقل جبهات المواجهة من لبنان إلى سوريا والعراق.

في مسيرة مؤيدة للحكومة في جمهورية إيران الإسلامية، تجمع الناس في ميدان الإمام الحسين في طهران في 3 نوفمبر 2023، لمشاهدة خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بشأن الصراع بين إسرائيل وحماس. (تصوير حسين بيريس / صور الشرق الأوسط)

المدير العام السابق لقناة “الجزيرة”، ياسر أبو هلالة، فور انتهاء الخطاب كتب على صفحته الرسمية، “الخطاب كان مخيّبا للآمال، أعلى سقف كان قوله احتمال واقعي ممكن أن يحصل وأن يتدحرج الموقف إلى حرب شاملة، وما لم يحدث هذا الاحتمال فالنتيجة إسرائيل ستكمل المهمة في غزة وتواصل في لبنان وإيران بعد غزة مباشرة”. 

وأضاف أبو هلالة، “كنت أتوقع أن مصلحة الحزب ومصلحة إيران هي الدخول في المعركة، من الواضح أن الحزب لا يريد الدخول، وتقديري أن استراتيجية قطع يد القط نجحت، غزة أولا ولبنان ثانيا وصولا إلى طهران، سيواصل حزب الله حربه المحدودة، مقابل حرب بلا حدود على غزة، الرد على خطاب أمين عام حزب الله كان فعلا لا قولا، قصف مستشفى الشفاء وسيارات الإسعاف”.

أما الأكاديمي والكاتب الفلسطيني، براء نزار ريان، فكتب “كنت أنتظر أن يقول، إذا استمرت وتيرة استهداف المدنيين بغزة على هذا النحو فسندخل في المعركة على أوسع نطاق، كان على الرجل أن يشمل أهل غزة في معادلة المدني مقابل المدني التي قصرها على مدنيي لبنان، كنت أرجو أن يقول: ما دام قرار فتح معبر رفح بيد العدو، فإما أن يفتحه وإما أن نضرب العدو بكل قوتنا حتى يفتحه”.

الرد الإسرائيلي على الخطاب

ردًا على خطاب الأمين العام لـ”حزب الله”، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الجمعة، إن إسرائيل لن توافق على هدنة مؤقتة في حربها ضد “حماس” من دون إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم الحركة في غزة، ووجه حديثه لنصرالله قائلا: “أي خطأ سيكلفك ثمنا لا يمكنك حتى تخيله”. 

بعد الترويج وطول الانتظار خطاب نصرالله يخذل أهل غزة! (3)
مغادرة بعض الأشخاص بعد نصف ساعة من خطاب نصرالله، والتي حضروها خلال مسيرة مؤيدة للحكومة الإيرانية، حيث تجمع الناس في ميدان الإمام الحسين في طهران في 3 نوفمبر 2023، لمشاهدة الخطاب (تصوير حسين بيريس / الشرق الأوسط)

ولفت نتنياهو عقب اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تل أبيب، إلى أنهم مستمرون بكل قوتهم، وإسرائيل ترفض الهدنة المؤقتة التي لا تشمل إطلاق سراح الرهائن.

نصرالله أدلى بدلوه بعد صمت طويل وكما يقال محليا “المكتوب مبين من عنوانه”، وبالنسبة لاحتساب الأمر على لبنان والمنطقة فبديهي أن ننتظر انتهاء الحرب لمعرفة المسار الذي ستسلكه كون العملية لا تزال في بداياتها، والمؤشرات الإقليمية اليوم شبيهة إلى حد كبير بالظروف التي دفعت إلى وضع لبنان تحت الوصاية السورية وقد تترجم أقله في غزة إذا ما تقرر البقاء على الخارطة الديموغرافية القائمة، والتوصل إلى حل جذري ينهي الحرب على غزة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة