بكين في حالة توتر واضحة جدا بعد فوز المرشح الديمقراطي لاي تشينغ تي بالانتخابات الرئاسية في تايوان، وهذا برز أكثر بعد ردود فعلها تجاه الدول المباركة لفوز لاي، والسؤال الذي يبرز هنا، هل يدفع فوز الرئيس التايواني الجديد، الصين لغزو الجزيرة المجاورة؟

لاي فاز السبت الماضي بالانتخابات الرئاسية التايوانية، وبفوزه منح حزبه ولاية رئاسية ثالثة متتالية، بعد حملة سعى خلالها لتصوير نفسه على أنه المدافع الأول عن النمط الديمقراطي في تايوان.

خلال الحملة الانتخابية، حذرت بكين من أن لاي يشكل “خطرا جسيما”، ويمكن أن يشكل تهديدا للسلام باتباع “المسار الشرير” للاستقلال.

الصين تعتبر تايوان جزءا منها، وترفض استقلالها كدولة ذات سيادة بحد ذاتها، ولاي مع الاستقلال، وبالتالي فإن فوزه خلق توترا كبيرا لدى بكين، ظهر ضد أميركا واليابان والفلبين ودول أخرى، فقط لأنها هنّأت بانتخاب لاي رئيسا لتايوان.

أزمة مع واشنطن؟

واشنطن وبكين تابعتا الانتخابات عن كثب، إذ تعد الولايات المتحدة أكبر شريك عسكري للدولة الجزرية، علما أن الاستحقاق نظم في خضم صراع قائم بين القوتين العظميين على النفوذ في المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية.

واتهمت الصين الولايات المتحدة بإرسال “إشارة خاطئة للغاية” إلى من يطالبون باستقلال تايوان، وذلك بعد أن أرسل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، رسالة تهنئة للرئيس التايواني المنتخب بعد فوزه بالانتخابات، ووصفت بكين الرسالة بأنها انتهاك لالتزام واشنطن بالحفاظ فقط على العلاقات غير الرسمية مع تايوان.

بكين قالت أمس الاثنين، إنها ترفض بشكل حازم أي تواصل رسمي بين تايوان والولايات المتحدة، وذلك حسب الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، كما دعت واشنطن إلى “إدراك التعقيدات القصوى لقضية تايوان وحساسيتها واحترام مبدأ الصين واحدة”، وذلك بالتزامن مع استقبال رئيس الجزيرة المنتخب لاي شينع تي وفدا أميركيا إثر فوزه بالانتخابات الأخيرة.

الرئيس الصيني مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن – إنترنت

في هذا الشأن، قالت ماو نينغ خلال مؤتمر صحافي: “لطالما عارضت الصين بحزم أي شكل من أشكال التواصل الرسمي بين الولايات المتحدة وتايوان ولطالما رفضت بحزم تدخل الولايات المتحدة في شؤون تايوان بأي شكل من الأشكال وبأي حجة كانت”.

من جانبها، أكدت واشنطن، أن الوفد الأميركي في الصين تايبيه غير رسمي. وهو يضم مستشارا سابقا للأمن القومي ومساعدا سابقا لوزير الخارجية ويقوده “المعهد الأميركي لتايوان”، وهو بمثابة سفارة أميركية في الجزيرة.

ماو أضافت: “نحث الولايات المتحدة على إدراك التعقيدات القصوى لقضية تايوان وحساسيتها واحترام مبدأ الصين واحدة وأن تعيد تأكيد تصريحات المسؤولين الأميركيين المتكررة بأنهم لا يؤيدون استقلال تايوان أو وجود صين واحدة وتايوان واحدة”. 

وتابعت ماو بقولها، إنه على واشنطن “أن تحترم تعهداتها بشأن تايوان وألاّ تستخدم قضية تايوان وسيلة لاحتواء الصين وألاّ توجه أي إشارات خاطئة إلى القوى الانفصالية المنادية باستقلال تايوان”.

توتر صيني مع الفلبين

في ذات السياق، أعلنت الصين، اليوم الثلاثاء، استدعاء سفير الفلبين بسبب تصريحات صادرة عن الرئيس فرديناند ماركوس، قال فيها إنه يتطلع إلى العمل مع الرئيس التايواني المنتخب لاي تشينج تي.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماو نينغ في مؤتمر صحفي، إن “الجانب الصيني مستاء كثيراً، ويعارض ذلك بشدة. هذا الصباح، استدعى نائب الوزير نونج رونج سفير الفلبين لدى الصين لحث الجانب الفلبيني على تقديم تفسير مسؤول للجانب الصيني”.

الجدير بالذكر، أن بكين لا تقيم علاقات دبلوماسية مع الدول التي تعترف بتايوان، وتعارض الاتصالات الرسمية مع تايبيه من قِبَل القوى الأجنبية.

وهنَّأ الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس، الاثنين الماضي، الرئيس التايواني المنتخب، معلناً أنه يتطلع إلى بدء “تعاون وثيق” معه.

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، قالت إن هذه التصريحات “تشكل انتهاكاً خطيراً لمبدأ الصين الواحدة، وانتهاكاً خطيراً للالتزامات السياسية التي تعهدت بها الفلبين للجانب الصيني، وتدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للصين”.

وأضافت: “نطلب من الجانب الفلبيني ألاّ يلعب بالنار بشأن قضية تايوان، وأن يوقف فوراً تصريحاته وأفعاله غير المبررة بشأن القضايا المتعلقة بتايوان، وأن يتوقف عن إرسال إشارات سيئة إلى القوى الانفصالية لصالح استقلال تايوان”

في المقابل، اتهمت السلطات التايوانية، الصين بممارسة “قمع دبلوماسي” بعد قرار جزيرة ناورو الصغيرة في جنوب المحيط الهادئ قطع علاقاتها مع تايبيه للاعتراف ببكين. 

وقالت الناطقة باسم الرئاسة التايوانية أوليفيا لين: “فيما العالم بأسره يهنئ تايوان على نجاح الانتخابات، باشرت بكين قمعا دبلوماسياً يشكل رداً على القيم الديمقراطية وتحدياً صارخاً لاستقرار النظام العالمي”.

وأعلنت جزيرة ناورو، البارحة، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان ونيتها الاعتراف بالصين على ما جاء في رسالة للحكومة نشرت عبر منصات التواصل، إذ قال رئيس الدولة الجزرية الصغيرة ديفيد أديانغ، إن حكومة ناورو ستتوقف عن الاعتراف بتايوان “كدولة منفصلة” لتعترف بها “كجزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية”.

من هو لاي؟ وبماذا يفكر؟

في أول خطاب له بعد إعلان انتصاره، تعهّد لاي تشينغ-تي الفائز بانتخابات تايوان الرئاسية الدفاع عن الجزيرة المتمتّعة بحكم ذاتي في مواجهة تهديدات الصين التي تصرّ على أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها.

ويرى خبراء أن لاي سيحدد مصير العلاقات بين الولايات المتحدة والصين والأمن العالمي في الأعوام القليلة المقبلة بعد وصوله إلى سدة الحكم في تايوان.

لاي وبعد انتخابه رئيساً لتايوان، قاد “الحزب الديمقراطي التقدمي” إلى فترة ثالثة تاريخية في السلطة، وهي الأولى لأي حزب منذ أن أصبحت تايوان ديمقراطية في عام 1996.

لاي شينع تي رئيس تايوان المنتخب يسير في مركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تاينان، (رويترز).

وانضم الرئيس التايواني الجديد إلى “الحزب الديمقراطي التقدمي”، الذي يناصر هوية تايوان المستقلة، ويرفض مطالب الصين بالسيادة عليها في عام 1998.

كان لاي، قد تولى رئاسة الحكومة بين 2017 و2019، حيث اعتمدت سياسة حكومته على تعزيز 5 عناصر، وهي “الثقافة التايوانية، وجزيرة السيليكون الخضراء، والأمة الرقمية الذكية، والمجتمع العادل، وكذلك الرفاهية الوطنية”، وفق الرئاسة التايوانية.

في أيار/ مايو 2020، أدى لاي اليمين نائباً للرئيس، وذلك بعد أسابيع من زيارته إلى واشنطن ليكون أعلى مسؤول من تايوان يزور العاصمة الأميركية منذ قطع العلاقات (على المستوى الرسمي) قبل 41 عاما.

ومن المتوقع أن يكون للولايات المتحدة واليابان وأوروبا الأسبقية في التواصل الدبلوماسي الذي يقوم به لاي، بينما ستظل العلاقات مع الصين سلبية.

أما بكين، فهي كانت ولا تزال تنتقد الرئيس الجديد، مشيرة إلى أنه هو من سيشعل الحرب في الجزيرة، يعود التوتر تجاه لاي من ملاحظة أدلى بها عام 2017، وصف فيها نفسه بأنه “عامل من أجل استقلال تايوان”، وهو ما استشهدت به بكين مراراً وتكراراً كدليل على معتقداته الانفصالية.

رغم ذلك، أعلن لاي في حديثه في المؤتمر الصحفي الأسبوع الماضي، أنه ليس لديه خطة لإعلان الاستقلال إذا تم انتخابه للرئاسة، علماً أنه من المقرر أن يتم تنصيب لاي رسميا في 20 أيار/ مايو القادم، رئيسا للجزيرة.

ومن المتوقع أن يلتزم لاي بنهج تساي إنغ ون المنتهية ولايتها، خصوصا بعد اختياره بي خيم هسياو نائباً له، وهو صديق مقرب من تساي وسفير سابق في واشنطن، وقد طور هسياو علاقات وثيقة مع إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن.

الصين تغزو تايوان؟ 

هل تغزو الصين تايوان؟ اليوم، وبعد انتخاب لاي تشينغ تي رئيسا لتايوان، شدّدت بكين على أن “إعادة التوحيد مع تايوان حتمية”، إذ قال المتحدث باسم المكتب الصيني المسؤول عن العلاقات مع تايوان تشين بينهوا، إن التصويت “لن يعوق التوجه الحتمي لإعادة التوحيد مع الصين”.

وأردف تشين حسبما نقلت عنه وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، أن التصويت “لن يغير المشهد الأساسي ومنحى تطوير العلاقات عبر المضيق”، مشددا على أن “موقف بكين بشأن تحقيق إعادة التوحيد الوطني لا يزال ثابتاً، وتصميمنا صلب كالصخر”.

وقال المتحدث، إن بكين “تعارض بشدة الأنشطة الانفصالية الرامية إلى استقلال تايوان، وكذلك التدخل الأجنبي”، في وقت كان الرئيس الصيني شي جين بينغ، شدّد في خطاب وجهه إلى الأمة بمناسبة رأس السنة، على أن “إعادة التوحيد مع تايوان حتمية”.

في هذا السياق، يقول المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية زيد البيدر، إن عملية غزو الصين لتايوان من أجل ضمها وجعلها معها دولة واحدة لن تحدث حالياً، الرغبة موجودة، لكن بكين لا تخاطر بالغزو، ستظل تحاول لضم تايوان سلميا لآخر لحظة، فتفكير بكين هو السلم قبل الغزو.

البيدر يضيف في حديث مع “الحل نت”، أن الوضع الحالي لتايوان لا يشكل تهديداً للصين، خاصة وأن معظم الدول لا تمتلك معها “علاقات رسمية”، ناهيك عن أن الوضع الأمني دولياً لا يتحمل حرباً جديدة، وبكين تعي ذلك جيدا، لذلك لن تتجه للغزو في هذا الوقت. 

أخيرا، وبحسب البيدر، فإنه في حال فكرت تايوان جدياً بالاستقلال واتخذت خطوات فعلية نحو ذلك، فإن الصين وقتها لن تتردد أبدا في غزوها، وتايوان تدرك حجم الكارثة التي ستحل في حال خطت لتلك الخطوة، فإمكانياتها العسكرية وغيرها شبه معدومة مقارنة بالصين، بالتالي فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه الآن. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات