بعد مرور مئة يوم على عملية “طوفان الأقصى”، أطلّ أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب “القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” في تسجيل مصوّر بُثّ في 14 كانون الثاني/يناير 2024، متناولاً عدّة مواضيع ومن ضمنها أن كلّ الأسلحة التي تواجه الجيش الإسرائيلي هي صناعة محلية.

وكشف الناطق باسم كتائب “القسّام” في كلمته، أنّ “المقاومة” استهدفت وأخرجت عن الخدمة ألف آلية عسكرية إسرائيلية، وهو ما يُثير التساؤل عن وجود السلاح الإيراني والدعم الذي تتبجّح به إيران لـ”حماس”، وأن السلاح لطالما كان من صُنع “المقاومة” فلماذا تصرّ “حماس” على شكر إيران وأذرعها في كل حضور لأبو عبيدة و تسجيلاته المرئية.

ومنذ هجوم “حماس” الأخير فقد لوحظ استخدام ترسانة عملاقة من الصواريخ والقذائف، والطائرات المسيرة، والمتفجرات والأسلحة الخفيفة، إذ ما علمنا أن “حماس” تحكم القطاع البالغ نحو 360 كيلومتراً مربعاً، وهو محاصر كما يظهر للمعاين حصاراً صارماً من الإسرائيليين والجانب المصري، ومعزول عن أي إمدادات قد تصل لـ”حماس”.

رحلة التسليح

منذ أن تأسّس الجناح العسكري لـ”حماس” في العام 1987 بدأت مواجهاتها مع إسرائيل بالرصاص والقنابل يدوية الصنع، إلا أنه ومع انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة عام 2005 ازدادت فُرص “حماس” لتطوير سلاحها عبر ورش الحدادة لصنع الذخيرة وإعادة التدوير. 

ترسانة صواريخ حماس قد تضم 30 ألف صاروخ – (وكالة الأنباء الفرنسية)

ومن جهة أخرى ساعدتها الأنفاق السّريّة التي شكّلت الشريان الرئيس لتهريب شتّى أنواع الأسلحة والصواريخ بعيدة المدى إلى القطاع المحاصر، لا سيّما أن عمليات تهريب السلاح اكتسبت زخماً كبيراً بعد انتخاب الرئيس المصري الراحل، محمد مرسي، عام 2012 بمساعدة بدو سيناء الذين تعاونوا أيضاً مع الثوار الليبيين لإدخال صواريخ “الكورنيت” القادمة من مخازن الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي.

وفق خبراء تحدّثوا لشبكة “سي إن إن” الأميركية، فإن تضافر عدة عوامل “مزيج من الحيلة والعمل ومتبرع مهم في الخارج” في إشارة إلى إيران، هو ما مكّن “حماس” من جمع الكم الهائل من الأسلحة وتنفيذ هجمات منسقة.

فيما لخّصت دراسة لمركز “القدس” للشؤون العامة – مؤسسة بحثية إسرائيلية متخصصة في الدبلوماسية العامة والسياسة الخارجية – نُشرت في آب/أغسطس 2021، أن “حماس على وشك الخروج من إنتاج الصواريخ غير الموجهة إلى طائرات بدون طيار وصواريخ دقيقة موجّهة بنظام تحديد المواقع العالمي، وأنها تصنع الآن جزءاً كبيراً من أسلحتها الخاصة، وتوسع أبحاثها، وتطور طائرات بدون طيار ومركبات بدون طيار تحت الماء، وتنخرط في الحرب السيبرانية”.

بحسب التقرير، فإن الحركة أتقنت تهريب الشحنات القادمة لها من الخارج باستخدام الأنفاق البرية، أو حتى أنفاقٍ تمتد لعشرات الأمتار في البحر، وذلك بدعم لوجستي من إيران و”حزب الله” اللبناني، مشيراً إلى أنها استقبلت لفترة طويلة أسلحتها في شكل كبسولات مغلقة يتم إسقاطها في البحر على بعد أميال من سواحل القطاع.

ولا يبدو مع التشديد الكبير والحصار على القطاع أن “حماس” اعتمدت عن حلفائها في إدخال الأسلحة كل الاعتماد، بل اتجهت إلى إعادة تدوير أعمدة إنارة الشوارع أو مخلفات الحرب وجمع الذخائر الإسرائيلية غير المنفجرة لاستخدامها في تصنيع المتفجرات، كما لجأت إلى صنع أنابيب إطلاق الصواريخ من مواسير السباكة، بالإضافة إلى استغلال قضبان التسليح والإسمنت والأسلاك والمعادن والأنابيب المتبقية من المباني الشاهقة المدمرة في غزة، لإعادة تدويرها والاستفادة منها في تصنيع أسلحتها.

أين إيران من الدعم؟

يجزم كتاب “حقائق العالم” – منشور سنوي تصدره وكالة المخابرات المركزية الأميركية – أن “حماس” تحصل على أسلحتها من خلال التهريب أو التصنيع المحلي وتتلقى بعض الدعم العسكري من إيران.

إسرائيل تتهم حماس باستخدام أسلحة كورية شمالية وإيرانية – إنترنت

فيما لم يتناول الكتاب الصادر عن “سي آي إيه” تفسيراً وتوضيحاً لهذا الدعم العسكري الإيراني القليل، والذي ربما لو كان من المنظومة الإيرانية الفعلية لكان قد أحدث فارقاً أكبر في الحرب الدائرة الآن بين “حماس” وإسرائيل، وهذا يأخذنا إلى حديث مسرّب نشرته صحيفة “الشرق الأوسط”، كانون الثاني/يناير 2016، لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، موسى أبو مرزوق، يهاجم فيها إيران بشدة وينفي تصريحات إيرانية بأنها تقدّم الدعم لـ “المقاومة” الفلسطينية خاصة منذ عام 2009.

ويظهر ومن خلال عدة تقارير أن إيران قد ساهمت في السابق بدعم “حماس” من خلال التمويل المالي الذي يقدّره مسؤولون أميركيون وإسرائيليون بما لا يقلّ عن 70 مليون إلى 100 مليون دولار شهرياً، إضافة إلى الدعم التكنولوجي وتدريب الكوادر الفلسطينية في المعسكرات الإيرانية فقط.

حسن سلامة، أحد قادة “حماس” والعقل المدبّر وراء سلسلة تفجيرات الباصات الانتحارية التي نفّذتها الحركة في شباط/فبراير وآذار/مارس 1996، كان قد صرّح قائلاً للشرطة الإسرائيلية – وأكد ذلك لاحقاً في مقابلة في برنامج “60 دقيقة” على شبكة “سي بي إس” – إنه بعد خضوعه للتدريب على التلقين العقائدي في السودان، تم إرساله إلى سوريا ومن هناك إلى إيران. 

في ذلك الوقت، التقى ممثل “حماس” في إيران، أسامة حمدان، بسلامة في طهران، وبعد ذلك خضع سلامة لتدريبات عسكرية لمدّة ثلاثة أشهر على يد مدربينَ إيرانيينَ.

كما كشف أحد البرامج الذي تعرضه قناة “الجزيرة” القطرية والذي تناول حياة الخبير التونسي، محمد الزواري، أن الأخير وإلى جانب فريقه تلقّى تدريبات في مجال تطوير الطائرات المسيّرة بإيران، وأصبح كبير مهندسي “حماس” في تطوير المسيّرات، وأشرف على برنامج “أبابيل” لتصنعها.

 ضرورة تقسيم المواقف

الدعم الإيراني لـ”حماس” بالنسبة للباحث في الشؤون الإيرانية، عمار جلو، هو دعم لوجستي مع التمويل والتدريب والغطاء السياسي والأمني، إذ تموّل إيران “حماس” بطرق ملتوية وغامضة ودائمة التحديث للتّفلت من كشفها، كما تصل أموال أخرى للحركة من بعض الدول تمر عبر البنوك الإسرائيلية، وهي التي تحوّل لها لأغراض البُنى التحية والرواتب في غزة.

ما وراء الستار تحليل ترسانة حماس العسكرية وحدود تمويل إيران لها
إيران وفرت التدريب الفني لعناصر حماس لصناعة المتفجرات – (وكالة الأنباء الفرنسية)

وحسب حديث جلو لـ”الحل نت”، فإن قطاع غزة هو أكبر سجن في الهواء الطلق بالعالم ما يعني عدم إمكانية إدخال أي شيء ذو طبيعة عسكرية وكثير من الأمور ذات الطبيعة المزدوجة، وعلى ذلك فإنه لا يمكن قراءة تصريح الناطق باسم “حماس”، التي تصنع سلاحها بنفسها وبأمور بسيطة بأنه يحمل أي رسائل من “حماس” لإيران.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن “أبو عبيدة” أطلق ما أسماها جملة من البشارات، ومنها أن جبهات “المقاومة الأخرى أرسلت لحماس أنها ستصعد من عملياتها في الأيام القادمة، في إشارة منه إلى الميليشيات العراقية التي تستهدف القواعد الأميركية بين الحين والآخر، وحزب الله اللبناني في الجنوب اللبناني الذي يشهد تصعيدًا متفاوتًا مع الجيش الإسرائيلي، وجماعة الحوثيين في اليمن التي تطلق صواريخ على سفن أجنبية في البحر الأحمر”.

ما يعني أن “حماس” ما تزال على أمل في دخول المحور بشكل أكثر فاعلية في حربها رغم أن حديث خامنئي لرئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، كان واضحاً خلال زيارة الأخير لطهران تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، إذ ذكر خامنئي حينها أن “إيران لن تدخل الحرب نيابة عن الحركة”، لأن الأخيرة لم تبلّغهم بالهجوم المفاجئ الذي حصل في السابع من تشرين الول/أكتوبر الماضي.

“حماس” ضمن ما يسمى “محور المقاومة”، ترتبط به مصلحياً لدرجة قد تحوّله لاحقًا لارتباط عضوي شبيه بارتباط “حزب الله” والمليشيات الإيرانية، وأن تلميحها لتصعيد المحور يجب النظر إليه من منظور “المحور” ذاته لا من منظور الآخرين.

الباحث في الشؤون الإيرانية، عمار جلو

ففي الوقت الذي ينظر إليه من الآخرين كفشل لوحدة الساحات، تنظر “حماس” لجهود هذا “المحور” – رغم قصوره – على أنه جهد مؤازر يجب شكره، كما أنه ولغاية الآن ما زال هدف إسرائيل باستئصال “حماس” بعيدًا، وهذا الهدف الإسرائيلي جعله “حزب الله”، أحد مبررين لانخراطه في حرب مفتوحة، حين تحدث عن مجريات المعركة في غزة.

ويبدو أن السلاح الإيراني الحقيقي والذي يصنع فارقاً في أي معركة يدخلها قد صُنع خصيصاً لأعمال مشابهة لتنظيم “داعش” والميليشيات الإيرانية في سوريا، بتهجير مكوّن السّنة والتضييق على الشيعة وتجويعهم، لا سيما أن إيران طالما دأبت على الكشف عن سلسلة من الأسلحة الإستراتيجية والتي تصفها بالثورة في قدرات الردع، وهو ما لا يدع مجالًا للشك بأن إيران تقتصر على منح خبرتها ومعرفتها أكثر من تزويد السلاح النوعي والعتاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة