واقعيا، يواجه مجلس الأمن الدولي تحديات كبيرة تزايدت في الآونة الأخيرة، أبرزها اختلال التوازن بين عدد مقاعده وعدد الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، ناهيك عن عجز المجلس تحقيق الغرض الذي أُنشئ من أجله، وهو حفظ السلم والأمن الدوليين في العديد من مناطق النزاع؛ بسبب إساءة استخدام حق النقض “الفيتو” من جانب الدول دائمة العضوية بالمجلس، فكيف استخدمته روسيا والصين لشل قرارات المجلس وتعطيله؟ 

يعد مجلس الأمن من بين أكثر الهيئات الدولية التي لها تأثير كبير ومباشر على العالم لما له من دور في حفظ السلام والأمن الدوليين وذلك من خلال نظام القرارات والتصويت، لكن موسكو وبكين أضعفتا المجلس بشكل واضح عبر استخدام “الفيتو”.

المجلس يتألف من 15 عضوا منهم 5 دائمين (الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية) ويعرفون إجمالا (بالخمسة الدائمين)، أما العشرة الآخرون فتقوم الجمعية العامة بانتخابهم كل سنتين مع اعتبار خاص لتوزيعهم الجغرافي بالتساوي وفق المادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة.

بحسب قرار الجمعية العامة لعام 1963، فإن التوزيع الجغرافي لمقاعد مجلس الأمن يكون كالتالي، 3 مقاعد للدول الأفريقية و2 لدول آسيا ومقعد واحد لأوروبا الشرقية ومقعدين لأميركا اللاتينية ومثلهما لأوروبا الغربية وبقية العالم.

روسيا والصين وشلل مجلس الأمن

أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، طارق الزبيدي، يقول إن الدور الذي تلعبه الصين وروسيا في مجلس الأمن، هو دور تخادمي، فبمجرد أن يصدر قرار لا يخدم مصالح روسيا تسارع الصين إلى نقضه والعكس صحيح.

الزبيدي يردف في حديث مع “الحل نت”، أن “الفيتو” الذي تفرضه الصين أو وروسيا بشكل مستمر، جعل قرارات مجلس الأمن سلبية وغير مجدية ولا تساهم في حل القضايا الدولية المهمة، بل ولن يكون لها تأثير في الحد من النزاعات الدولية التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، على حد تعبيره.

في عام 2022، استخدمت روسيا في مجلس الأمن الدولي، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة يستنكر بأشد العبارات عدوانها على أوكرانيا، ويدعوها إلى سحب قواتها من هذا البلد فورا، وصوت 11 عضوا من أعضاء المجلس الكلي وهم 15 دولة لصالح النص، بينما امتنعت عن التصويت الدول الثلاث الباقية وهي الصين والهند والإمارات العربية المتحدة.

بذلك خُفف في مشروع القرار الذي تم التصويت عليه كلمة “يدين” إلى “يستنكر” وحذفت منه أيضا الإشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة ضد المعتدي.

كما استخدمت روسيا والصين حق النقض لمشروع القرار الأميركي بمجلس الأمن الذي يسعى إلى معالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، بالدعوة إلى هدنات قصيرة للسماح بإدخال المساعدات.

صراع نفوذ

حق النقض أو “الفيتو” الذي تستخدمه الدول صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن، أصبح بمثابة حجر عثرة يعيق عمل المجلس ويعطل قراراته، خاصة إذا تعارضت مع مصالح الأعضاء، فمنذ “الفيتو” الأول الذي استخدمه الاتحاد السوفيتي (روسيا حاليا) عام 1946 في الملف السوري واللبناني، لجأت إليه روسيا 143 مرة، في حين لم تستخدمه الولايات المتحدة سوى 86 مرة، وبريطانيا 30 مرة، وكل من الصين وفرنسا 18 مرة بحسب إحصائية لعام 2022.

بحسب طارق الزبيدي، فإن الاحتدام في مجلس الأمن بين الأعضاء تجاوز الصراع السياسي وأصبح صراع نفوذ وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قائلا إن عملية تطبيق أهداف المجلس بحفظ الأمن والسلم الدوليين اتضح أنها صعبة التحقق بسبب استخدام حق النقض.

مجلس الأمن الدولي – (رويترز)

ويعزو الزبيدي استمرار فشل مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار مهم يتم التصويت عليه بالإجماع، إلى عدم وجود رؤية مشتركة بين الأعضاء حول القضايا المهمة وخاصة التي تعتبر مصيرية، مشيرا إلى أن “الفيتو” الذي تستخدمه الصين وروسيا ضد قرارات الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا سيتكرر كثيرا في قادم الأيام؛ لأنه لا يصب بمصالح البلدين.

أما المحلل السياسي عباس شريفة، فإنه يقول إن تكرار استخدام حق النقض من قبل روسيا والصين يعود إلى الصراعات الجيوسياسية والمصالح لهذه الدول، واعتقادها بأن الولايات المتحدة الأميركية تحاول استخدام مؤسسة مجلس الأمن لتمرير مصالحها، على حد تعبيره، والسؤال هنا: ما الحل؟

إصلاح مجلس الأمن؟

الحل هو بإصلاح مجلس الأمن الدولي، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه بُذِلت العديد من المحاولات التي تهدف إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي من خلال توسيع عضويته لتتناسب مع عدد الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، وإعادة النظر في استخدام حق النقض (الفيتو) من جانب الدول دائمة العضوية بالمجلس بما يكفل عدم إساءة استخدامه، وإضفاء مزيد من الشرعية على أداء المجلس.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أبرز من دعوا إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي والعمل الفعال لإصلاحات عميقة للهيكل المالي الدولي، مؤكدا أن النظام الدولي “أصبح باليا وعفا عليه الزمن وخرج عن المسار الصحيح”.

غوتيريش قال أمام قمة مجموعة الـ77 والصين، إن مجلس الأمن الدولي “يعاني من الشلل بسبب الانقسامات الجيوسياسية، وأن تركيبته لا تعكس واقع عالم اليوم”، مشددا على “ضرورة إصلاحه”.

التحول الأبرز في دعوات إصلاح مجلس الأمن حصل في موقف الولايات المتحدة الأميركية التي ضاقت ذرعا بسلطة حق النقض “الفيتو” التي تتمتع بها روسيا، في الوقت الذي تسعى فيه لمحاسبة موسكو على غزو أوكرانيا.

ويحتل ملف إصلاح هيكلية مجلس الأمن صدارة سلم الأولويات، إذ يطالب أصدقاء وخصوم الولايات المتحدة على حد سواء بتغيير تركيبة مجلس الأمن وتعديله، خاصة بما يخص جزئية “الفيتو”.

الصين في مجلس الأمن – إنترنت

في هذا السياق، يرى عباس شريفة، أن تزايد المخاطر الدولية وحالة عدم الاستقرار في العالم مع تصاعد ظاهرة الإرهاب الدولي والهجرة غير الشرعية وتفاقم مشكلات اللاجئين ومعاناتهم الإنسانية والانتهاكات المتزايدة ضد الأقليات وتجارة الممنوعات، لا شك أنها تفرض أهمية التحرك العاجل من جانب المجتمع الدولي لإصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدوليين.

شريفة يلفت في حديث مع “الحل نت”، إلى أن التغيير لن يحصل إلا بتوافر الإرادة السياسية الحقيقية للدول الكبرى صاحبة العضوية الدائمة وضمان حقوق الدول الصاعدة اقتصاديا وسياسيا.

في النهاية، يشهد العالم واحدة من أخطر اللحظات التي تهدد السلم والأمن الدوليين والنظام العالمي القائم، لا سيما في مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى احتلال روسيا جارتها أوكرانيا وتراجع مستوى الديمقراطية في معظم الدول الأفريقية، وبالطبع التخادم الروسي الصيني أيضا، ولذلك يتطلب حل جاد في إصلاح مجلس الأمن لتقويته وإيقاف كل من يتحكم بحق “الفيتو” لأجل مصلحته على حساب مصلحة وأمن العالم أجمع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات