لا تترك الصين مكانا متاحا لها دون أن تحط موطئ قدم فيه، وآخرها مع أفغانستان، إذ باتت بكين ترتبط مع كابول بطريق بري لأول مرة بينهما وهو ممر واخان، فما التفاصيل؟

بالأمس، أعلن مسؤولون في الحكومة الأفغانية بقيادة “حركة طالبان” انتهاء بناء طريق واخان في ولاية بدخشان شمالي البلاد، وتم ربط أفغانستان بالصين رسميا عبر هذا الممر.

وأغلقت بكين حدودها مع كابول إثر الاجتياح السوفيتي لأفغانستان عام 1979، وبقي الأمر كذلك طيلة وجود القوات الأميركية في أفغانستان، وذلك رغم توقيعها مذكرة تفاهم مع كابول قبل أكثر من عقد ونصف من الزمن، لدراسة بناء طريق ممر واخان.

حدود ممر واخان

حاكم ولاية بدخشان، المولوي أيوب خالد، قال وفق تقرير لموقع “الجزيرة نت”، إنه “بعد عمل استمر 5 أشهر تمكنا من بناء طريق إلى الحدود مع الصين يربط البلدين لأول مرة في تاريخهما عبر البر، وهي خطوة كبيرة نحو التنمية الاقتصادية وتنشيط القطاع السياحي في المنطقة”.

ممر واخان هو شريط ضيق من الأرض في أفغانستان يبلغ طوله 350 كيلومترا وعرضه من 13 إلى 65 كيلومترا، وهو منطقة جبلية غير مأهولة بشكل عام. 

خريطة توضح مسار طريق واخان – إنترنت

لمقاطعة واخان -التي يبلغ عدد سكانها أقل من 20 ألف نسمة- حدود مشتركة مع مقاطعة شينغيانغ الصينية في الشرق، وطاجيكستان في الشمال، وباكستان في الجنوب.

الصين، التي ترغب في الوصول إلى أسواق مختلفة ضمن نطاق مشروع “الحزام والطريق”، تحاول إنشاء ممرات وطرق بديلة، وقد أقامت علاقات تجارية مع دول في القارة الآسيوية، ومن أهم أهدافها في المنطقة بناء شبكة طرق تمكنها من الوصول إلى الأسواق العالمية والإقليمية، بحسب “الجزيرة نت”.

لماذا كابول؟

بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وجهت الصين عينها على كابول، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها البعد الجغرافي والاستثمار في المناجم الأفغانية، وبناء طريق في ممر واخان، الذي يعد أقصر طريق إلى بكين.

ما يمكن ذكره، أن الصين واجهت مرارا وتكرارا مشكلة التجارة مع أفغانستان عبر باكستان، كما أضرت العلاقات السياسية الأفغانية الباكستانية المتوترة منذ عقدين، التجارة بين البلدين.

في عام 2009، وقعت بكين مع كابول مذكرة تفاهم لدراسة بناء الطريق في ممر واخان، ثم طالب الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني خلال زيارة أجراها الصين في عام 2014، السلطات الصينية ببدء العمل، لكن الوضع الأمني في الوادي حال دون إكمال العمل.

لكن فعليا، ليست الصين وحدها الراغبة بالتعاون مع أفغانستان، بل الأخيرة أيضا، وهذا يتضح جليا في وقت وصول “حركة طالبان” إلى السلطة، إذ أولت اهتمامها إلى بناء الطريق لتقليل الاعتماد على الطرق والموانئ الباكستانية بسبب العلاقة المتوترة معها.

في هذا السياق، قال الكاتب والباحث السياسي عبد الولي نائبزي وفق تقرير “الجزيرة نت”، إن “العلاقات التجارية الأفغانية الباكستانية تتأثر بالمواقف السياسية، وإسلام آباد أغلقت 5 معابر رئيسية مع كابول، مما ألحق أضرارا بالغة بالتجارة والاقتصاد، لذا تفكر الحكومة الحالية في تقليل الاعتماد على الموانئ الباكستانية، واختارت التوجه إلى إيران وآسيا الوسطى”.

نائبزي أردف، أن “ممر واخان هو بديل للموانئ الباكستانية، وخاصة أن الدول التي تقع شمالي أفغانستان تفكر في الاقتصاد والتجارة أكثر من السياسة”، على حد رأيه.

تعيين السفير بداية الطريق!

ما يدلل على أن الصين كانت قد وضعت أعينها على أفغانستان، هو أنها أول دولة تعين سفيرا في كابول في ظل إدارة “حركة طالبان” للبلاد، وذلك في أيلول/ سبتمبر المنصرم، في وقت لم تعترف أي حكومة أجنبية رسميا “بحركة طالبان”.

وزارة الخارجية الصينية قالت وقتها، إن سفيرها قدم أوراق اعتماده في حفل أقيم في العاصمة الأفغانية كابول، مشيرة إلى أن “هذا هو التناوب الطبيعي لسفير الصين في أفغانستان، ويستهدف مواصلة دفع الحوار والتعاون بين البلدين”.

مسؤولون أفغان وسكان محليون يتفقدون ممر واخان البري الذي يربط أفغانستان بالصين – (الجزيرة)

ما يمكن تأكيده، أن هناك دبلوماسيون آخرون في كابول يحملون لقب سفير، لكن جميعهم تولوا مناصبهم قبل تولي “حركة طالبان” مقاليد السلطة في أفغانستان، ومنذ ذلك الحين أرسلت دول وهيئات أخرى دبلوماسيين كبار لقيادة البعثات الدبلوماسية باستخدام لقب “القائم بالأعمال”، وهو ما لا يتطلب تقديم أوراق اعتماد سفير إلى الدولة المضيفة.

ودخلت “حركة طالبان” العاصمة كابول في 15 آب/ أغسطس 2021، مع انسحاب القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة من البلاد بعد 20 عاما من تواجدها فيها، إذ سرعان ما تفككت قوات الأمن الأفغانية، قضلا عن فرار الرئيس الأفغاني حينها، أشرف غني من البلاد.

بالعودة إلى ممر واخان، فإن ما يعزز أهميته لدى الصين، أنه استُخدم قبل 2000 سنة كطريق الحرير الرئيسي ويمر جزء كبير منه في الأراضي الأفغانية، وقد حاولت الحكومات الأفغانية السابقة ومعها بكين إحياءه، ولكن الوضع الأمني لم يسمح بذلك.

أخيرا، تعوّل الصين على ممر واخان بأن يعزّز وصولها إلى الأسواق العالمية، كما يمكن أن يسهل الطريق الأفغاني على بكين التعاون بين الدول الأربع المتاخمة لممر واخان وهي الصين وأفغانستان وباكستان وطاجيكستان، إذ تشترك أفغانستان مع باكستان بطول 300 كيلومتر، ومع طاجيكستان بطول 260 كيلومترا و74 كيلومترا مع الصين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات